ويرى مراقبون تحدثوا لموقع سكاي نيوز عربية أن مواقف البلدان الثلاثة باتت محكومة بخمسة مسارات تتداخل فيها عوامل فنية وجيوسياسية وأمنية وداخلية وخارجية تحدد خارطة الطريق التي يمكن أن يسلكها الملف خلال الفترة المقبلة.
واختتمت في العاصمة الكونغولية كنشاسا الثلاثاء جولة جديدة من المفاوضات دون التوصل إلى أي نتيجة تحرك الملف المعقد الذي ظلت البلدان الثلاثة تتفاوض عليه منذ 2011.
وفيما يؤكد الدبلوماسي السوداني ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم طه أيوب أن العوامل الداخلية والجيوسياسية ستكون الأكثر تأثيرا في حسم الملف بالنظر للظروف التي تعيشها الأنظمة الحالية في البلدان الثلاثة، يقول الباحث نور الدين عبدا مدير منصة نيلوتيك بوست الإعلامية الإثيوبية، إن النظرة الوطنية والاقتصادية هي التي ستحدد مسار المرحلة المقبلة.
لكن في الجانب الآخر يرى وزير الري السوداني الأسبق عثمان التوم أن هنالك عوامل فنية واقعية ستكون أكثر تأثيرا.
الأوضاع الداخلية
وفقا لأيوب فإن الأوضاع الداخلية هي العنصر الأكثر تأثيرا في تحديد مواقف البلدان الثلاثة المتنازعة في ملف سد النهضة.
ويقول أيوب لموقع سكاي نيوز إن كل من مصر والسودان تواجهان أوضاعا اقتصادية وسياسية وأمنية معقدة، في حين يسعى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى الاستفادة من الالتفاف الشعبي حول السد لتعزيز موقفه في الانتخابات المقبلة ولمواجهة الأزمات الداخلية التي يعيشها في إقليم تيغراي.
ويشير أيوب إلى أن الموقف السوداني يتأثر بشكل كبير بالانقسام الداخلي بين المدنيين والعسكر الذين يميلون أكثر إلى الموقف المصري من أجل كسب أرضية تعضد موقفهم.
ويتوقع أيوب أن يدفع السودان أكثر خلال الفترة المقبلة في اتجاه الحشد لمبادرته المتعلقة بتوسيع مظلة الوساطة لتضم إضافة إلى الاتحاد الأفريقي كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
ويرى أيوب أن سوء الفهم وتقدير الموقف أثر كثيرا في مواقف السودان وجعلها تتأرجح تارة بين التأييد الواضح للمشروع الإثيوبي في مرحلة من المراحل إلى الحياد في مرحلة أخرى وأخيرا التحول إلى موقف أكثر تطابقا مع الموقف المصري.
ويشير أيوب إلى أن مصدر الغرابة في موقف السودان من هذه القضية أن وزير الري الحالي كان مستشار الحكومة في مفاوضات سد النهضة منذ البداية عندما كانت المفاوضات في مراحلها الأولى.
ويلخص أيوب رؤيته بالقول إن السودان ومصر سيستمران في الضغط الدبلوماسي والسياسي في حين ستمضي إثيوبيا قدما في تنفيذ خطتها الإنشائية والملء الثاني لبحيرته دون الأخذ في الاعتبار لاحتجاجات البلدين.
خلافات منهجية
منذ توقيع اتفاق المبادئ بين البلدان الثلاثة في العام 2015، تعثرت المفاوضات عدة مرات، وأعلن السودان في أغسطس عدم رغبته في الاستمرار في المفاوضات بصيغتها الحالية معتبرا أن آلية الوساطة الأفريقية لم تقدم حلولا مرضية مما دفعه للدعوة مطلع العام الجاري لتوسيع آلية التفاوض إلى مظلة رباعية لتضم بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وهو ما أيدته مصر ورفضته إثيوبيا التي تطالب ببقاء الملف تحت المظلة الأفريقية مع عدم الممانعة من المشاركة الدولية بصفة مراقب.
وبدا أن الهاجس الأكبر بالنسبة للسودان بات يتركز أكثر في غياب آلية تنسيق البيانات التي تعتبر مسألة جوهرية بالنسبة للسودان في ظل وقوع سد الروصيرص أحد اهم مصادر الري والتوليد الكهربائي في السودان على بعد اقل من 100 كيلومتر فقط من موقع السد الأثيوبي الذي تبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب اي 10 أضعاف سعة سد الروصيرص السوداني.
لكن الباحث الإثيوبي عبدا يقول لموقع سكاي نيوز إن إثيوبيا لا تمانع في ذلك، مشيرا إلى أن مصادر مطلعة أكدت أن السودان ربط الاتفاق بإشراك مصر في الآلية وهو ما رفضته إثيوبيا.
وبدا بالنسبة لعثمان التوم وزير الري السوداني الأسبق أن آمر آلية التنسيق يهم السودان أكثر باعتبار القرب الجغرافي الكبير بين سدي النهضة الإثيوبي والروصيرص السوداني.
وبالفعل برزت المخاوف السودانية أكثر من خلال الاحتياطات التي أعلنت وزارة الري السودانية اتخاذها الشهر الماضي لتفادي أي أضرار محتملة على القطاع الزراعي جراء مضي إثيوبيا قدما في الملء الثاني لبحيرة سد النهضة دون اتفاق على آلية تنسيق البيانات. لكن في الجانب الآخر يرى خبراء أن المشكلات والمخاوف المتعلقة بالموقف السوداني يمكن معالجتها من خلال انتهاج موقف تفاوضي يبنى على الفهم الصحيح لمجمل الأزمة.
مرحلة الاتفاقات
ونظرا لاختلاف طبيعة الأضرار والفوائد بالنسبة لدولتي المصب السودان ومصر يرى البعض ضرورة فصل المسارات ومرحلة الاتفاقات.
وفي هذا الإطار يقول التوم إن الملء الثاني للبحيرة أصبح حتميا نظرا لأن إثيوبيا تمضي في تعلية الحائط الخرساني المعني بالتخزين وهو ما يتطلب من الجانب السوداني ضرورة التركيز على اتفاق تبادل البيانات.
ويشير التوم إلى أنه لا خوف على مصر في هذه المرحلة إذ أن الضرر الذي تتخوف منه مصر هو ذلك المتعلق بنقص المياه جراء الملء الثاني وهو امر مستبعد – بحسب التوم- حيث أن خريف العام الماضي مكن مصر من تخزين أكثر من 24 مليار متر مكعب من المياه وهو ما يعادل أكثر من كمية الملئين الأول والثاني لبحيرة سد النهضة.
أمر حتمي
يؤكد الباحث الاثيوبي عبدا حتمية الاستمرار في المشروع وذلك لعوامل بعضها فني والآخر اقتصادي، موضحا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال وقف الخطط في هذه المرحلة الحساسة من المشروع، والذي وصل فيه حجم الإنجاز أكثر من 79 في المئة.
ويقول عبدا إن الشركات المتنفذة لن تسمح بوقف أعمالها وستطالب بتعويضات قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات وهو ما سيسبب خسائر كبيرة لإثيوبيا التي تعتبر السد مشروعا قوميا تنمويا وتبنيه بكلفة تبلغ 5 مليارات دولار وبطاقة إنتاجية تبلغ 6 آلاف ميغاوات سنويا.
ويؤكد عبدا أن أي تراجع عن المشروع سيعتبر في نظر الشعب الإثيوبي فشلا وطنيا.
ويشير عبدا إلى أن السد أصبح واقعا تتعامل معه الأطراف المعنية والدولية وهو ما يتطلب ضرورة الدفع في اتجاه تخفيف التوتر.