و لنفترض وجود قطع قماش ذات نقوش و زخارف كتلك الموجودة على أجنحة الفراشات، وعلى الدرجة نفسها من الجمال و الروعة. و لو كانت هذه القطعة موضوعة في إحدى الواجهات الزجاجية لأحد المحالّ، فماذا سيكون شعورك عزيزي القارئ عند رؤيتك إياها؟ قد تظنّ أن هذه النقوش قد اقتبسها الفنان الذي رسمها من تلك الموجودة على أجنحة الفراشات. ولا بد أن تُكبر ما خطّه من نقوش جميلة. إلا أن التثمين و الإكبار لا يكون للذي خط تلك النقوش على القماش بل للذي خطها على أجنحة الفراشات، وبذلك الشّكل الذي لا مثيل له من الروعة و الجمال، وهو الله جلّ جلاله بديع السماوات والأرض. ومثلما يستحيل ظهور النقوش و الزخارف على تلك القطعة من القماش بالمصادفة، فإن من المستحيل ظهور تلك النقوش البديعة على أجنحة الفراشة بالمصادفة أيضاً.
إنّ تلك الفراشات التي تظهر صورها إلى الجانب لا تكون مثيرة بألوان أجنحتها فحسب، بل لها خصائص أخرى عجيبة وغريبة و لافتة للانتباه، فأجسامها ذات تصميم خارق من كافة الوجوه. فهذه الفراشات تقتات على ما تمتصه من رحيق الأزهار، و كثيراً ما تقتات على الرحيق الموجود في أعماق الأزهار بواسطة أعضاء طويلة في أجسامها تدعى بـ” بروبوسيس “ Proboscis
ويُعَدُّ البروبوسيس عضواً شبيهاً باللسان يستخدم لامتصاص الرحيق في الأزهار أو لشرب الماء. وعندما لا تكون الفراشات في حاجة إلى استعمال هذا اللسان تطويه إلى الداخل. وعند إطلاق هذا اللسان بطوله يصبح طول الفراشة ثلاثة أضعاف طولها الأصلي.
والفراشة ككل الحشرات يحاط جسمها بطبقة هيكلية. وهذه الطبقة تتألف من طبقات متعددة صلبة ترتبط بالطبقات الرخوة التي تحتها، وبذلك تكون مثل درع واق للجسم. وتتألف هذه الطبقة الصلبة من مادة الكايتين. وتتشكل هذه الطبقة عبر مراحل مثيرة للانتباه، فيرقات الفراشة تمر بفترات تغيير عضوية شكلية وجذرية. فاليرقة تتحول إلى عذراء داخل شرنقة، ومن ثمّ تتحول هذه العذراء إلى حشرة كاملة النمو. وعبر هذه المراحل تمرّ أعضاء الحشرة، مثل المجسّات الرأسية والأطراف والأجنحة بتغييرات طفيفة. و تمرّ العضلات المستخدمة في الطيران كذلك ببعض التغييرات خلال مراحل النمو المختلفة، والأمر نفسه بالنّسبة إلى باقي الأعضاء الجسمية المختلفة كالجهاز الهضمي والدوران و التنفّس .
إنّ هذه التغييرات التي تمر بها الفراشات خلال فترة النمو تتميز بخصائص عجيبة مثلما تتميز بها أجنحتها، و هذا كله يرجع إلى قدرة الله الذي خلقها و أبدعها جل جلاله.
فإن الله منح لكل كائن حي ما يحتاج إليه و يناسبه من صفات ومزايا، فتبارك الله أحسن الخالقين.