دقيقة واحدة كانت الفاصل بين آخر كلمات الشهيد زياد أبو عين الذي لم يكن يحمل حزاماً ناسفاً أو حتى حجراً، وانقضاض جنود الاحتلال عليه، تلك الدقيقة هي أيضاً الفاصل بين صمت العالم وصراخ الضحية والمستوطن والمواطن وأخيراً بين شجرة الزيتون وزارعها.
ولعل الشهيد زياد تذكر في تلك الدقيقة بل الشعرة الفاصلة بين الحرية والموت ما قاله الشاعر الفلسطيني عن تلك الشجرة الخالدة، وهو “لو يذكر الزيتون غارسه لأصبح الزيت دمعاً”.
ولا أدري لماذا خطرت ببالي على الفور عبارات لإبراهام بورغ رئيس الكنيست الأسبق الذي اتهم بالعقوق للصهيونية وأفتى الحاخامات بحرمانه من الدفن في أرض الميعاد.
قال بورغ: لن أكون مواطناً في هذه الدولة ويعني “إسرائيل”، فهي تمارس انتحاراً أخلاقياً وسأختار منفى كريماً لأنه أشرف من ظلم قومي رسمي.
حتى اليهودي يدرك الآن ما آلت إليه هذه الثكنة الاسبارطية التي تريد أن تحشو فلسطين كلها في خوذة من حديد. فالعالم الآن لن يجد أي عذر لتجاهل الوحشية التي يمارسها الاحتلال بسادية نادرة.
فالموت أصبح علنياً ومتلفزاً وليس بحاجة إلى شهود، وما قاله بورغ عن الانتحار الأخلاقي يتجسد في مثل هذا الموقف، وحاصل جمع اغتيالات المحتل وانتصاراته الصغرى هو كما قال شلومو رايخ هزيمة كبرى.
زياد أبو عين أسير سابق لكنه مناضل بقي على قيد نضاله حتى الرمق الأخير وهو وزير في السلطة الفلسطينية مما يذكرنا بما قيل مراراً عن كون الاحتلال يطلق النار يومياً على أوسلو حتى بعد أن مات وتهرأ وأصبح مثقباً كالغربال!.
وجاء هذا الاعتداء السافر في سياق جملة من الاعتداءات التي صعّدت وتيرة المواجهة بين الشعب الفلسطيني وسلطات الاستيطان والغزو. مما ينذر بالمزيد من المواجهة سواء سميت مقدمات لانتفاضة ثالثة أو بأي اسم آخر. فالضحية ليست خرساء بحيث يجري التنكيل بها وهي صامتة، لهذا فإن ردود الأفعال الفلسطينية رسمياً على هذا الاعتداء الوحشي تبدأ من فك أي ارتباط أو تنسيق أمني والبقية تأتي، خصوصاً على صعيد دولي بدءاً من تجريم نتنياهو والمطالبة بمحاكمته كمجرم حرب.
فالدماء في غزة لم تجف وكذلك أطلال عشرات الآلاف من البيوت إضافة إلى مئات مُهود الأطفال المهجورة.
إن هذا السعار الذي ينتاب نتنياهو يتزامن مع تغير نوعي في موقف الرأي العام في العالم كله من الصراع العربي “الإسرائيلي”.
والمزيد منه يعني ما سماه بورغ الانتحار المزدوج أخلاقياً وسياسياً!.