مع نزار قباني… في بيته

الآنَ أدخلُ بيتَهُ.. بيتَ الدمشقيّ المرتَّبَ مثلَ عشّ النورس البحريّ والبيتَ المهندسَ والمكللَّ بالعواطف والرضى.. قد كادتِ الأحجارُ تنطقُ في زواياهُ.. ولا أدري لماذا الآنَ مغنطةُ الذهولِ تحوزُ قلبي.. ها هنا الألوانُ سابحةٌ، وفائحةٌ، ونابحةٌ، وجارحةٌ.. تذكّرني برعشةِ ريشةٍ شهّاءَ قد كانت تذرذرُ سحرَها في كفّ دالي أو بيكاسو.. ها أنا في بيتِهِ.. البيتِ المعتّقِ […]

مع نزار قباني… في بيته

[wpcc-script type=”57e18b5d2d6f05723eb9cba4-text/javascript”]

الآنَ أدخلُ بيتَهُ..
بيتَ الدمشقيّ المرتَّبَ
مثلَ عشّ النورس البحريّ
والبيتَ المهندسَ والمكللَّ
بالعواطف والرضى..
قد كادتِ الأحجارُ تنطقُ
في زواياهُ..
ولا أدري لماذا الآنَ
مغنطةُ الذهولِ تحوزُ قلبي..
ها هنا الألوانُ سابحةٌ،
وفائحةٌ، ونابحةٌ، وجارحةٌ..
تذكّرني برعشةِ ريشةٍ شهّاءَ
قد كانت تذرذرُ سحرَها
في كفّ دالي أو بيكاسو..
ها أنا في بيتِهِ..
البيتِ المعتّقِ عائماً أصغي
إلى شكوى خصاص الفلّ
والريحان والقرطاسيا..
البيت معطرةٌ
أعوم في شَهْقاتِها / زفراتِها..
أنا لا أسيرُ..
هنا يشيلُ بيَ الأريجُ
ويبدأ الجَوَلَانُ في المسدولِ،
والمجدولِ، والصيّاحِ، والزحّافِ
في رفقٍ على الحيطانِ…
في النعناع، والشمشير، والشابّ الظريفِ
وفي فضاءاتِ الأضاليا، والبَنَفْشا..
في مزاج الياسمينِ..
منوَّمٌ قلبي، ويحملهُ الهواء الرطْبُ..
رائحةُ الجمال هنا
كرائحة النساء الواثقاتِ
بقدرة الأنثى على سبي الرجال..
بسلطة الأنثى..
بما ملكتْ ممالكُها الغنيّةُ والسخيّةُ والشهيّةُ؛
نهدُها الصهّالُ والرجراجُ والمعتزُّ
غابتُها التي تصطافُ بين الضفتينِ..
وثغرها اللهّاجُ بالعسلِ الرضابِ..
وإبطُها…
– قد كان فَرْجاً، في اعتقادي،
قد أضيفَ لجسمها –
الآن أدخلُ بيتَهُ..
بيتَ الدمشقيّ المزوّقَ والمعلّقَ
كالخُزامِ بسرّة الشام التي نسيتْ
أنوثتَها قليلاً أو كثيراً ربّما..
الآن أدخلُ بيتَهُ..
يُسري بيَ اللَهْفُ اللجوجُ
على البلاط الناقعِ / العطشانِ
للخَطْوِ الحميمِ..
فربّما لم يروِهِ أحدٌ..
بلاطٌ لم يزلْ لدناً،
رطيباً، أملس منذ الخليقةِ..
يستبدُّ بيَ الجمالُ هنا، فأصعدُ
سلَّمَ الشمس التي نهضتْ
لتتركَ فوق أجساد المشارق
بصمةَ الوَلَهِ الولودِ..
مشارقٌ فيها الحمائمُ تستحمُّ
بمائِها الشمسيّ..
ثمّ تطيرُ من بيتٍ إلى بيتٍ
بخفّةِ عاشقٍ يمضي إلى ميعادهِ..
ومشارقٌ فيها المواءُ نشيدُ إنشادٍ..
هنا القططُ الكسولةُ ما لها شغلٌ
سوى أنْ تستجمَّ..
وأن تمارسَ طقسَها الشبقيَّ
تحت رعايةِ الشمس الشغوفةِ..
فوق قضبان النوافذ تشهقُ
الأوراقُ من شوقٍ إلى اللُقيا..
وفي (أرضِ الدّيار)
هنا استراحتْ بَحْرةٌ..
زرقاءُ عينُ الدارِ.. شفَّ رخامُها
أو كادَ من ولهٍ يشفُّ..
محمحِماً يعدو، ويعدو الماءُ في
عري الرخامِ كأنَّهُ في لحظة
الفوران كونشرتو الجنونِ..
وكلُّ ما في البيتِ موزونٌ مقفَّى..
سقفُهُ أكوامارينٌ..
لونُهُ لونُ السماءِ؛
سماءِ صيفِ دمشقَ..
«والإيوانُ سيّدُ دارِنا..»
قالَ الدمشقيُّ الذي شاهدتهُ
متسنّماً درجاَ رخاميّاً..
«هنا في حجرةٍ شرقيّةٍ علويّةٍ
ليلاً فَضَضْتُ بكارةَ الكلماتِ..
سالَ دمُ القصيدة قانياً
فوق المسَوَّدةِ / الوسادهْ «
الآنَ أدخلُ بيتَهُ..
بيتَ الدمشقيّ/ القصيدةَ
ثمّ أخرجُ شاعراً بعد الولادهْ

٭ شاعر فلسطيني

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *