سيرة يومية لميت عائد من حلمه

-1- لا شيء في هذه المدينة سوى حكمة مترهلة تكنس غبار المدى لاشيء سوى سماء هرمة تغرس أنيابها في لحمنا العاري لا شيء سوى دخان السُّل فوق المصانع أبواق السيارات التي تشبه أبواق القيامة ضجيج الباعة والكهنة والقديسين رائحة السكارى والعاهرات في الحانات المظلمة رائحة الجنس في الخرائب المهجورة أجراس الذكرى في الحدائق خربشات قديمة […]

سيرة يومية لميت عائد من حلمه

[wpcc-script type=”3bda3d636ea2375945e6fd9c-text/javascript”]

-1-
لا شيء في هذه المدينة سوى
حكمة مترهلة تكنس غبار المدى
لاشيء سوى
سماء هرمة تغرس أنيابها في لحمنا العاري
لا شيء سوى
دخان السُّل فوق المصانع
أبواق السيارات التي تشبه أبواق القيامة
ضجيج الباعة والكهنة والقديسين
رائحة السكارى والعاهرات في الحانات المظلمة
رائحة الجنس في الخرائب المهجورة
أجراس الذكرى في الحدائق
خربشات قديمة على مقاعد مكسورة
دم ٍ متيبس على الأرصفة
نعاس الطيور فوق قرميد المنازل
لافتات نعي لحراس السماء
أطفال يشيخون مع الشمس
ورود تفكر في الانتحار
كلاب بعيون آدمية
شتائمنا الأنيقة
حروبنا المتحضرة
صلاتنا الوثنية
رقصاتنا الوحشية
أحزاننا المجعدة
وموتنا الإلكتروني
لا شيء سوى إله بلحية كثة
وأسمال بالية
لا شيء سواي
أتسلق سُلّم الكآبة وحيداً
وألمع نفسي من خلف زجاج الدموع.

-2-
بعد الظهيرة أعود إلى متاهتي مرتديا ً شحوبي ونظرتي البلهاء
وأعلم تماما ً أن قاتلي نبي هارب من الله
يتربص بي من درب إلى درب، يختبئ بين شجرة وأخرى
حتماً سيخرج لي من بين الأغصان، سيقفز أمام وجهي ضاحكاً كشبح أدرد؛ ليخزني بمخالبه ثم يطعنني في عينيَّ البريئتين.
ربما سأموت مختنقاً من رطوبة الضحك أو من عناق حبيبتي المريضة
أو محترقاً بكويكب قديم يسقط على رأسي فجأة من مجرة سومرية

-3-
منذ عصور وأزمنة بعيدة
وأنا أرتدي شكل الفراغ وهلامية الأشياء
لكنني سأموت هذه المرة ليلاً في سكينة العتمة الباردة. في غرفتي القذرة
مذبوحا ًبسكين من سكاكين «دوستويفسكي» أو صريعاً بلكمة من قبضة «همنغواي»
ربما أنا شيطان من شياطين «مالدورو» أو مسخ من مسوخ «كافكا»
ها هي أطرافي تستطيل في الظلام، تلتف حول جسدي وتكسر أضلاعي
فحيح يلتهم حنجرتي ونار تخرج من أحشائي وقلبي
أنا جسد بثلاثة رؤوس.. ورأس بوجهين,, ووجه بثماني عيون
أسعل/ أتقيأ / أتبرز/ أستمني/ ارتعش/ أقفز ثم أصرخ بصوت مبحوح
أصرخ ولا أسمع صوتي. أصرخ كوحش مذعور في المرايا.

-4-
ليتني لم ألقَ بنفسي من الجسر عند محطة الغروب
ليتني أخبرتكم
عن الجبال التي تلد البحار
وعن البحار التي تلد الصحارى
وعن الصحارى التي تلد الرماد
وعن الرماد الذي يلد قصائدنا المتفحمة
ليتني أخبرتكم
عن سيد الصقيع
والملوك اللازوردين
وهم يهبطون إلى الأعالي

-5-
لا اسم لي ولي أسماء عديدة
لا عمر لي وعمري يسيل كالنجوم
من زمن مثقوب
أستيقظ من أعماق حلمي
أزيح الضباب من فوق الرخام
أرى المدينة تحلق بعيداً مع الطيور
وسراباً يبتلع الضوء والحشود الغفيرة
ألمح ملاكاً أتعبه صليب الخطايا
عيناه جمرتان من جحيم الأبد
وقلبه لحن تائه في العراء
أسمع نبض قلبه في وصايا النار
في الغابة الموحشة
في نحاس الصمت
والمعابد المتهاوية
وأسمع نبضي قلبي بين الحجارة
لا شيء يوجعني سوى هذه الأرض
لا شيء يوجعني سوى دم الأرض
فشكراً لكم يا إخوتي في العدم
ها هي سياطكم تحفر جلدي
وترسم على ظهري تجاعيد الموسيقى
ولون الصدى ووجهاً آخر لنشيد الحياة

٭ كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *