سِفرُ الوصولِ المفقود

في البدءِ كانَ النزوحُ..

سِفرُ الوصولِ المفقود

[wpcc-script type=”473bf143856e948bbf9d842e-text/javascript”]

في البدءِ كانَ النزوحُ..
رغائبُ قد توّجتها المعاصي
ومن يومها نحنُ نبحثُ عن جنّةٍ فُقِدَت
لا نُجيدُ الرجوعَ إليها ولا نتلفّتُ للخلفِ
لكنْ حَمَلْنا ندوبَ الفراقِ
ومُذْ لعنةِ الطّردِ حتى بلوغِ التّرحّلِ حقلاً من القمحِ
لم تنتهِ الهجراتُ ولم يجدِ البشريُّ ملاذاً
يريحُ خطاهُ من البحثِ عن أوّلِ الذكرياتِ
هربنا من الجوعِ والأرضُ تُحكمُ إطباقها حولنا
والصّغارُ يموتونَ
ثمَّ يكونُ السؤالُ مرايا الأبد:
لماذا تضيقُ الحياةُ بطفلٍ؟
ـ ليتّسعَ الموتُ في قبضةِ الطاغية!
هربنا من الحربِ والحربُ ليست خداعاً ولا خَتَلاً
إنّها سيرةُ البطشِ حينَ العماءِ
أَيحتاجُ موتٌ إلى حيلةٍ؟
إنّه الموتُ! أوقحُ من بقعةِ الزيتِ فوقَ الثياب
لماذا الحروبُ؟
تَمُرُّ البلادُ بأطوارِ أنفاسها فتصيرُ رسائلَ قتلٍ
هنا شارعٌ رئةٌ.. إنّنا نفسٌ وهواءٌ يموجُ
رصيفٌ تنفّسَ أقدامنا خطوةً خطوةً
وأرواحنا أخذت وجهتينِ: السرابَ أو الشاهدة
هربنا من الفيضانِ إذِ الماءُ كارثةٌ حينَ يطغى..
هربنا من الأرضِ والأرضُ هَولٌ
إذا أخرجت ثِقْلَها ثمَّ مادت بنا
هربنا من النّارِ لكن بقينا ظلالاً
تتوقُ إلى أصلها في الرمادِ
وفي البدءِ كانَ النزوحُ احتمالاً ولعنةَ طردٍ
من الرّبِّ أو من جنونِ الطبيعةِ
لكنه الآنَ صارَ هروباً / زفيرَ البلادِ التي اختنقتْ
فالطّغاةُ هم اللعناتُ التي لا تُرَدُّ
كأنَّ الزمانَ يدينُ لهم بالولاء.
وفي كتبِ الأوّلينَ حكوا: ٱلفقيرُ يلوذُ على قدميهِ إلى خيمةٍ
والعليّةُ فوقَ الدّوابِ
هربنا بأحلامنا مثلما قيلَ في كتبِ الأوّلينَ
الفقيرُ على قدميهِ إلى خيمةٍ.. كلّنا فقراءُ!
والموجُ كان رهاناً
ولكنّهُ ليسَ يفضي إلى أيِّ ربحٍ ولا أيِّ خُسرٍ
سنغرقُ أو سوفَ ننجو لنكتب سفرَ الوصول..
خَبَأنا هويّاتِنا في الجواربِ
ثمَّ انتحلنا الحقائبَ
نحنُ الحمولةُ أيّتها الطائراتُ
خُذينا لآخرِ هذا الهروبِ
قرأنا التعاويذَ كي لا يعودَ بنا الشُّرَطيُّ إلى البحرِ
لا نستطيعُ الرجوعَ ولا نستطيعُ التّلفّتَ للخلفِ
مُثقلةٌ روحنا بالقروحِ وبالفقدِ..
من أنتم الآنَ؟ ماذا تريدونَ؟
ذاكَ سؤالُ الشماتةِ والجهلِ والشفقةْ..
نفضنا نُثارَ اللغاتِ الجديدةِ عنّا
نفضنا كمالَ المكانِ الجديدِ
تخلّعَ من حولنا الوقتُ
جرحاً فجرحاً رَتَقنا حكايتنا ومضينا..
سلاماً على الأرضِ يومَ نعودُ ترابا
سلاماً على الرّيحِ يومَ نصيرُ غبارا
سلاماً على الماءِ يلفظنا زبدا
في البدءِ كان النزوحُ… وفي المُنتهى.

٭ شاعرة سورية

سِفرُ الوصولِ المفقود

لينة عطفة

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *