}
شروط تطبيق حدّ السرقة
قبل تنفيذ حد السرقة لا بُدَ من توفّر مجموعةٍ من الشروط، فإذا توفرت هذه الشروط مُجتمعة، يثبت حدّ السرقة ويتمُّ تنفيذه، أمّا إذا لم تتوفر هذه الشروط، فلا يثبت حدُّ السرقة، ولا يتمُّ تنفيذه، بل يُدرأ الحد، وفيما يأتي بيانٌ لشروط تطبيق حد السرقة وتنفيذه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك شُروطاً تتعلق بالسارق، وشروطاً تتعلق بالمسروق، وشروطاً تتعلق بالمسروق منه، وشروطاً تتعلق بالمكان الذي حصلت فيه السرقة.
شروط تتعلق بالسارق
لتطبيق حدّ السرقة لا بدّ من توافر مجموعة من الشروط في السارق، على النحو الآتي:[١]
- يُشترط في السارق أن يكون ذا أهليةٍ شرعيةٍ، ويكون المسلم مؤهلاً؛ إذا كان عاقلاً، بالغاً، مُختاراً للفعل لا مُكرهاً عليه، فإذا كان الشخص مجنوناً أو صغيراً، فإنّه يكون فاقداً للأهلية،[٢] لما رُوي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنّه قال: (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المعتوه حتى يبرأ)،[٣] وبناءً على هذا الشرط فلا يُطبّق حد السرقة على المجنون والصغير، ولو سرق جماعةٌ بالاشتراك وكان بينهم مجنونٌ أو صغيرٌ، فقد ذهب أبو حنيفة وزفر إلى أنّه لا يُنفذ حد السرقة على الجميع.[٤]
- ألا يكون السارق والداً عند المالكية أو ذا رحمٍ للمسروق منه عند أبي حنيفة.
- ألا يكون السارق حربياً.
- ألا يكون السارق معاهداً أو مستأمناً.
- ألا يكون السارق قد سرق اضطراراً؛ بسبب الجوع عند المالكية.
- أن يكون السارق عالماً بالمسروق، وعالماً بالتحريم.
‘);
}
فإذا توافرت هذه الشروط في السارق، فقد توافرت فيه شروط تطبيق الحد في حقه.[٢]
شروط تتعلق بالمسروق
ويُشترط في المسروق لتطبيق حدّ السرقة على السارق عدّة شروط، من حيث طبيعة المال، ومقدار المال المسروق، وغيرها من الشروط التي سيتم بيانها فيما يأتي:
أن يكون الشيء المسروق مالاً متقوماً
من شروط المال المسروق لتطبيق حدّ السرقة على السارق، أن يكون الشيء المسروق مالاً مما تعارف الناس على اعتباره مالاً فهم يتداولونه فيما بينهم، وأن يكون هذا المال مُتقوماً، بمعنى أن تكون له قيمةٌ مُعتبرةٌ، لا مالاً تافهاً، والضابط في اعتبار المال متقوماً له قيمة؛ أن تكون له قيمة ضمانية، فإن كان مالاً مما يُضمن إذا أُتلف فهو مالٌ مُتقومٌ، فإذا سرقه سارقٌ فقد سرق مالاً مما يجلب تطبيق حد السرقة.[٥]
أن يبلغ المال المسروق النصاب
من شروط تطبيق حد السرقة وتنفيذه أن يكون المال ذا قيمة من حيث المقدار؛ وذلك بأن يبلغ نصاب القطع، فلا قطع في المال القليل التافه، وقد اختلف العلماء في مقدار أو نصاب القطع وإقامة حد السرقة، وفيما يأتي عرضٌ لمذاهب العلماء في المقدار الذي يُطبّق عند سرقته حد السرقة:[٦]
- ذهب الحنفية إلى أنّ المقدار المسروق الذي يجب فيه تطبيق حد السرقة دينار ذهبي أو عشرة دراهم فضة، أو أحدهما، بحيث يتم تقييم الشيء المسروق فإن بلغت قيمته قيمة الدينار الذهبي؛ فإنّ هذا المقدار من المال يوجب تطبيق حد السرقة.
- واستدل الحنفية بما رُوي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنّه قال: (لا قطعَ فيما دونَ عشرةِ دراهمَ).[٧]
- وذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّ تطبيق حد السرقة يكون إذا بلغ مقدار المال المسروق أو قيمته ربع دينار ذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة.
- واستدل الجمهور لمذهبه في أنّ القطع وتنفيذ حدّ السرقة يكون بربع دينار ذهب وأكثر، أو ثلاثة دراهم فضة وأكثر بما رُوي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنّه قال: (تقطعُ اليدُ في ربعِ دينارٍ فصاعدًا)،[٨] وما رُوي أنَّ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام (قطع سارقًا في مِجَنٍّ قيمتُه ثلاثةُ دراهمَ).[٩]
أن يكون المال المسروق مُحرزاً
والحرز هو ما يُوضع فيه المال ويُحفظ في داخله كالبيت، والدكان، ونحوها، فيُشترط لتطبيق حد السرقة أن يكون المال مسروقاً من حِرزٍ حُفِظ فيه المال، والحرز نوعان:
- النوع الأول: ما كان حرزاً بنفسه، والحرز بنفسه هو المكان الذي يُعدّ للحفظ، ولا يُدخَل إليه إلا بإذنٍ من مالكه، ولا يُعرف ما فيه إلا إذا سمح مالكه بذلك، كالدور، والخزائن، والصناديق.
- النوع الثاني: ما كان حِرزاً بغيره، وهو كل مكان غير مُعدّ للإحراز والحفظ، ويُمكن أن يُدخَل إليه بدون إذنٍ من أحد، ولا يُمنع من دخول هذا المكان أحد، كالمساجد على سبيل المثال.[١٠]
ألا يكون المسروق سريع الفساد
يُشترط في المال أو الشيء المسروق أن يكون أعياناً؛ يُمكن ادِّخارها، ويُمكن أن تُمسَك فترة دون أن تفسد، وقد ذهب الحنفية عدا أبي يوسف إلى عدم تطبيق حد السرقة على من سرق شيئاً سريع الفساد كالطعام، والطبيخ، والعصير، واللبن؛ وذلك لعدم قابلية كل ما يسرع فساده للادخار، فقال الحنفية بعدم القطع بسرقة ما لا يُمكن ادخاره؛ حتى ولو أُخذت من حِرز، وخالفهم الإمام أبو يوسف؛ فأوجب الحد على من سرق شيئاً سريع الفساد.[١١]
ألا يكون في المسروق ملك للسارق
ومن شروط تطبيق حد السرقة ألا يكون للسارق في المال أو الشيء المسروق مُلك، ولا تأويل الملك أو شبهة تملّك؛ وذلك لأنّ الشيء أو المال المملوك، أو المال الذي فيه تأويل الملك، أو شبهة ملك؛ لا يحتاج فيه إلى السرقة، فلا يتحقق عند أخذ الإنسان ماله ركن السرقة، وهو الأخذ على سبيل الخفاء؛ ولأنّ عقوبة السرقة وهي قطع اليد قال فيها الله تبارك وتعالى في آية السرقة: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)،[١٢] فقوله في الآية: نكالاً يدل على كون الفعل الذي ترتبت عليه هذه العقوبة النكال جناية محضة، وأخذ المال المملوك للسارق لا يُعتبر جنايةً أصلاً؛ لذا فالأخذ بتأويل الملك، أو شبهة الملك، لا يترتب عن جنايةٍ فلا يوجب العقوبة، وبناءً عليه فلا قطع ولا عقوبة على من سرق شيئاً يملكه ثمّ أعاره من إنسان، أو استأجره منه؛ وذلك لأنّ ملك رقبة هذا المال قائم للمُعِير وللمؤجِّر، ولا عقوبة كذلك على من سرق شيئاً رهنه من بيت المرتهن؛ لأن ملك العين المرهونة ثابت للراهن، ولا يُعتبر أخذه للرهن الذي يملكه سرقةً، وبالتالي فلا قطع ولا يُطبق حد السرقة حينما يملك الشخص مالاً أخذه أو يملك رقبته أو له فيه شبهة ملك.[١٣]
شروط المسروق منه
يشترط في الشخص المسروق منه لكي يتم تطبيق حد السرقة على السارق أن تكون للمسروق منه يدٌ صحيحةٌ، واليد الصحيحة التي تشترط لتنفيذ وتطبيق حد السرقة على السارق ثلاثة أنواع:[١٤]
- يدُ الملك.
- يدُ الأمانة، مثل يد الوديع على الوديعة، والمستعير على الشيء المُعار، وكذلك يد الشريك المُضارب.
- يدُ الضمان، مثل يد الغاصب، ويد القابض الذي قبض سوم الشراء، ويد المرتهن.
فيجب تطبيق حد السرقة وهو قطع اليد على السارق الذي يسرق من هؤلاء، ولا يجب تطبيق عقوبة أو حد السرقة على السارق الذي سرق من السارق؛ لأنّ يد السارق لا تُعتبر يداً صحيحة، فالسارق من السارق والأخذ منه كمن يأخذ من الطريق.[١٤]
المراجع
- ↑وهبة الزحيلي (1996م)، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 5431-5433، جزء 7.
- ^أبالنووي، المجموع شرح المهذب (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 75، جزء 20.
- ↑رواه أبو داوود، في سنن أبي داوود، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 4402، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
- ↑محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 225، جزء 5.
- ↑ابن قدامة (1968)، المغني (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 107، جزء 9.
- ↑وهبة الزحيلي (1996م)، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 5433-5435، جزء 7.
- ↑رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 6/276، فيه نصر بن باب ضعفه الجمهور وقال أحمد ما كان به بأس.
- ↑رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 6789، صحيح.
- ↑رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1686، صحيح.
- ↑وهبة الزحيلي (1996م)، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 5439-5440، جزء 7.
- ↑مجموعة من العلماء ( 1404 – 1427 هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 308، جزء 24.
- ↑سورة المائدة، آية: 38.
- ↑الكاساني (1986م)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 70، جزء 7.
- ^أبوهبة الزحيلي (1996م)، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 5455، جزء 7.