وحيدٌ في هواءٍ عام
[wpcc-script type=”f280eea6506c9f189949ce58-text/javascript”]
القصيدة التي قبل أن نولد تنفست الماء والحليب والعسل، تمنَّعت في البداية ولكنها رافقتني في الطريق المظلم إلى الغابة. القصيدة التي تتنزه في الحدائق الخلفية للجنة وعشيقها في الجحيم، تعفو عن جرائم الوقت وتجلس على حافة عمرها ترتب مشاعرها ليصير الجرح في متناول الريح.
القصيدة التي تغضُّ الطرف عن أخطائنا اللغوية وتجدل ضفائر النسيان كضفَّتي نهرٍ، تبتسم أمام دهشتنا، تدخن زرقة السنين وتضحك كثيرا حين نبكي في الكلمات.
القصيدة التي تعوي في الفواتير الباهظة، تركتها تحت الشجرة وعدتُ أحمل على ظهري ذنوبها وذنوبي القصيدة ذاتها عندما تلتقي بكَ على قمة هذا الجبل تُدوّن صوت الصحراء في آذانك وتحدثكَ عن نفسك المعصفرة بالصبر وانتظارك الطويل أمام كهفها الأول. تلك التي تشرب الشاي معك وتحدثك عن وصيفاتها اللواتي يصبن جرثومة الحنين للأصدقاء، القصيدة وبعد خمس ساعات من الانتظار في لحدها الأخير تفوح بالرائحة الخالدة.
القصيدة التي على ضفة النهر تلتهم رمانة الشمس وتشكو شُح الماء والذخيرة، عندما تلتقي بك تحدثك عن كلّ شيءٍ، وعن أي شيء، عن المجازر المؤجلة وموت الكلام في حروب الأسئلة، عن طفولتك المنهوبة بما لا تعلم، حيث أمك كانت تخبئ أعمارنا تحت حصيرة المطبخ ومع ذلك كنا نراها وهي تكبر كلما تحدثنا عن سيرتنا الذاتية.
القصيدة التي تبدأ بحرفِ العين وتمشي في دمك إلى فراش الحنين، لم تكن تحسب الأيام جيدا، لذا تمهلت بالارتواء وتركت رنين العشق يشع مثل ضوء ضخم لصيد طائر المطواة في البراري.
القصيدة وعندما تُهشّم عذوبة التمرة بالشوكة والسكين وتربي مشمش عمرها بجوار القمر، تستطيع مداواة ظل الريح بظلها، ثمة قصيدة مُطَلّقة تحمل جسدها اللامع
على ذكريات الليل وتفتح أبواب الضحك والبكاء، من دون أن تنسى الاستشهاد بحكمة العطر والتجاعيد، ربما تكون نفسها تحمل فوانيس السهر إلى الغابة وتزعم أنك
من أشعل العشب حول سور الحديقة. لا غرابة في الأمر، سأقول ما أجهل كي تتعرف قصيدتي عليَّ، أجلس قرب متعتها، ألون أظافر شمسها التي اسودت فوق رأسي كي أتمكن من حكِّ سواد ضفائرها، أترك أفعال الرغبة خارج حياتي، وأتكلّم عن الشوارع التي تقدم الاعتذار للطبيعة والأنهار. القصيدة يسميها صديقي ـ الظانُّ ببراري النثر ظنّ السوء ـ صورة مهددة بالانتحار، تنفض الطيور دموعها تحفُّها مشيئة المطر وتتورَّم بذاكرة الدروب، ولأن زرقة السماء مكيدة من مكائد البحر، كان يبكي حين يقرأ.
أسمّيها حديقة في أرضٍ ثامنة عشبُها نافرٌ بابتسامة الراعي، وَردها يرفع عطر الصباح لنوافذ الذاكرة، أشجارها تستأثر بحمّى المكائد وتُرشرِشُ حنانها على ندوبِ الجزيرة، أتذكر آخر مرة رأيته، كان يمشي ومعه أحد عشر شارعا، وكان ينفضُ عن يديه عطر البحيرة.
القصيدة حلمٌ مراهق يطارده شرطي في شارع مزدحم فتاة خفيفةُ الروح تطلُّ من الشرفة فترمي وردة حمراء لصديقتها امرأة مُطَلّقة تكاثر الشعراء، الذين يتحدثون عن الخيانة بحركة مسرحية، حول جمرها (من الألم ربما) موعدٌ لحديثٍ جدّيٍ عن نص غير عادي على الأطلاق، يجلسُ وحيداً في هواءٍ عام، يغني ويشرب نبيذ الذكريات عند جسر المدينة.
شاعر سوري
حسن شاحوت