هُناك ما بعد النهاية
[wpcc-script type=”bc9715601059cc769b8cf9c1-text/javascript”]
الطريق: على قارعة الطريق ونحو وجهته الأخيرة جلس يرتقب، في الأُفق ينظر تارة إلى زوجته وأطفاله تارة أخرى «لم يتبق شيء» قالها مواسياً أطفاله، بعدما استشعر حجم التعب الذي أصبح يسيطر على ملامحهم الصغيرة. هناك على الحدود وقف وقبل أن يتخطاها إلى المجهول وطريقه التي تبعثرت معالمها، أبى أن يتخلّى عن قوته، التي لم تستطع أمام أعين أطفاله أن تُعلن استسلامها، رغم أن ما تركته خلفها تلك القلوب لربما كان أثمن ما امتلكته في حياتها.
الدواء
شهور توالت وهي لم تغادر سريرها الأبيض، لا شيء تنتظره في يومها الطويل سوى قرع الباب ودخول الطبيب، الذي تُحاول جاهدة في كل مرة أن تستمد من ملامح وجهه شيئا من الحقيقة التي – رغم معرفتها بها – ترغب أن تجد حقيقة أخرى تخالفها، فهي لم ترد سوى استبدال حقيقة بحقيقة أخرى فقط!
في صباح هذا اليوم يدخل الطبيب ويخاطبها قائلاً: «حان وقت بدء العلاج يا أمل»، «ستشعرين بشيء من الألم في أيام العلاج الأولى، سيتداركه المُسكِّن حتماً «قالها مواسياً»، هناك اختتم كلامه الطبيب مقرراً أن يرفع عينيه عن ورقته، منتظراً منها ما يتوقع كل طبيب سماعه من مريضه، ومخالفة لكل توقعاته أجابت وهي تنظر نحو نافذتها الصغيرة «إبدأ العلاج يا دكتور».
خسارة
في رزنامة الأيام اختارت انتظار ذاك اليوم، الذي وفي طيات قدومه سيحمل كما – حدّثت هي نفسها- مراراً ما انتظره. في ذاك اليوم غادرت مكانها وهي تأمل العودة له مجددا، علّها في المرة المقبلة أن تجد فيه ما انتظرته. ومنذ تلك اللحظة اختارت أن ترسم أحلامها وتبني ما تمنته روحها، وعقدت هدنة مع الأيام مقابل أن تمنحها سرعة مرورها وتمنحها هي طول صبرها.
أشرقت شمس صباح اليوم المنتظر وغابت، وخاب ما انتظرته وتوارى، تذكُر أنّها في يومها هذا وهي تودّع حلمها وتراه أمامها مُغادراً، انتابها شعور بالخوف كان قد طرق مخيّلتها مراراً وكانت في كل مرّة تُحاول جاهدةً أن توصد أبوابها أمامه، وأنت تودّع حلمك لن تكترث للحلم ذاته بقدر اكتراثك لنفسك وما ينتظرها من انكسار وألم. أمام الانسحاب
المُرغم أعلنت خسارة حلمها، وأمام انكسار روحها وهي تجيء خالقها ليلاً استمدت ما كانت في أمس الحاجة لوجوده من طمأنينة ورضى، عائدةً بنفسها إلى عتبة الحلم الخاسر، مُعلنةً بأن وضوح رؤية الأحلام المُحقّقة قد تبدأ فعلياً عند عتبة الخسارة !
مقعد
«للأسف بات من الصعوبة أن نجد خلال هذه السنة الدراسية حيّزاً لطفلك بين أقرانه»، قالها مدير المدرسة مخاطباً والد الطفل، مُستطرداً حديثه وهو يُشير إلى الصفوف «كما ترى الصفوف باتت ممتلئة، ومنذ تلك الأحداث التي ألمّت بكم وانقطاع الطفل الاضطراري عن الدراسة، باتت الأمور يعتريها شيء من التعقيد».
شكر الأب مدير المدرسة بصوت سكنت بين حروفه الخيبة، وبينما هو ممسك بيد طفله مُتجّهاً نحو الباب للخروج بخطوات اتّسمت بشيء من السرعة، استوقف الطفل ما رآه، ها هُم أقرانه ممّن يجلسون على مقاعد الدراسة ويلقون السلام والتحية على بعضهم بعضا بعد انتهاء العطلة الدراسية، عائدون إلى المدرسة بينما هو يكاد يغادر بابها الكبير، «هل وصلنا متأخرين يا أبي؟» ناظِراً لوالده باستغراب في تلك اللحظة استطاع الطفل أن يستمد إجابته من صمت والده، وبابتسامة صغيرة اختارها سلاحاً يباغت به صمت والده، أشار الطفل الى المقعد المهمل في زاوية الغرفة الصفية «ذاك مقعدي الذي ينتظرني في السنة المقبلة يا أبي… سنعود».
«عند نهايات الأمل المزعوم، وفي لحظة تلاشي الحلم المُنتظر واستبعاده لنا، ومع الانكسار الذي سيلتف حول روحك فوراً، مُدركاً بأنّ الآتي أصبح يخلو حتماُ ممّا تمنيّت، وباتت خسارتك لتحقيقه أمراً محسوماً».
«وفي المكان الذي تلاشى به حلمك، قد تُفاجئك الحياة وتُدهشك باستقبال أملُك المقبل عند النقطة ذاتها التي غادرتها بالأمس مودّعاً حلمك!».
٭ قاصة من الأردن
تمارا محمد