الجبناء أصبحوا أبطالا على وسائل التواصل الاجتماعي

«الثورات تغير العادات» جملة مناسبة للإيمان بالتغيير وحتمية التبدلات لصالح الأكثرية الأخلاقية وضدَّ ما يحطّ من إنسانية الإنسان وتموضعه في مكانه الصحيح من حيث المعنى المرتبط بمعاني اسمه (المصطلح) والمتفق عليه.

الجبناء أصبحوا أبطالا على وسائل التواصل الاجتماعي

[wpcc-script type=”689bede1097a7fa0f25d8091-text/javascript”]

«الثورات تغير العادات» جملة مناسبة للإيمان بالتغيير وحتمية التبدلات لصالح الأكثرية الأخلاقية وضدَّ ما يحطّ من إنسانية الإنسان وتموضعه في مكانه الصحيح من حيث المعنى المرتبط بمعاني اسمه (المصطلح) والمتفق عليه.
كلمة إنسان تأتي من الأنسَنة في خلاف مع وحشة تتهددهُ، والأنسنةُ بهجة واحتفاء بالجميل، وهي والحال هذه نِدُ القبح، والإنسان يؤنسُ غيره، فلا يفكر بنفسه كما يفكر بالآخر، تقول الآية «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة»، والإنسان هنا وجهُ الحب المؤثر على حاله ضد الوجهِ الطامح بالمصلحة لحاله، وعلى هذا فالثورة ثورة الأنس والبهجة والجمال على نظام القبح والمصلحة المفرطة. كلام فيه إفراط في المثالية، إذا عرفنا أن الحديث عن آدمي اليوم، الآدمي الذي يعضُّ ويخاتل ويأكل لحم أخيه ميتاً، ويستطيع أن يمر بجثث كثيرة بدون أن تنزل دمعته أو يرف له جفـــن، أو حتى يفكر بدفن الجثة، كما فعلَ غراب ما، شكرا للأرض السورية اليوم وهي تبتلع الجثث في جوفها، وإلا كان كل سوري حي لا يسير على الأسفلت أو على الطرق الترابية بقدر ما يسير على لحوم البشر، هؤلاء الذين كانوا يوما أخوته أو البقية من أسرتهِ.
لا عدالة في فتل العضلات اللغوية غالباً، ولا في الاستقواء المقيت من جهة على جهة، أحدهم يقتل الآخر بحجة أنه حاضنة لتلك الجهة أو غيرها، ويرد أهل القتيل على (عُزّل) آخرين بحجة أنهم حاضنة اجتماعية للقاتل، متناسين أنها أي» الحواضن» خلبية وعابرة، نمَت كنبت سام بفعل الأمر الواقع والرضى بالحال، تحت تهديد القوة والزناد الذي لا يتطلب شجاعة كبيرة من الإصبع.
تأتي اللغة عادة لاحقة للفعل، وفي الوقت الذي ينتظر منها أن تكون مرممة، تأتي وسكينها خلف ظهرها، لماذا تأتي هكذا، ومن هم حمَلتها؟ ثمة أسئلة مشروعة، وفي الوقت نفسه لا تتطلب إجابة مفكّر بها لوضوح الفعل الذي كرسته وجاءت به كبديل يداري عجزَها وعجز قائلها، وهنا لابدَّ أن أوضّح ما هي هذه اللغة ومن هو هذا القائل بها، إذ سيتم الربط بين اللغة وبين كاتب في أضعف الإيمان، الكاتب الذي يتحمل مسؤولية نسج علاقة مع الأحداث، فكيف إذا كانت الأمور تتعدى توصيف الحدث إلى توصيف ما يحدث بالكارثة، والكاتب أو المشتغل باللغة هو إنسان بالمعنى الذي جئت إليه وليس الآدمي الذي يعض ويخادع، وبالتالي هو فاعل معني برد الأذى عن نفسه وغيره بما تبيحه له لغته من مرونة ومداورة لهول ما يحدث، فلا يقول ما يرى (كما هو) بلا تنميق يجبر قارئا مثلي على المتابعة ولا هو يخالف الحقيقة ليجبر قارئا مثلي أيضاً على إشاحة الوجه وكره ما بين يديه من معلومة أو نص وجداني يدعوني فيه لأؤمن بما يطرح أو بما يقودني لأتعاطف مع هذه الملة دون غيرها.
يبدو جلياً من حجم الكذب الذي يمارسه بعضهم علينا، كم كنا مخــــدوعين وقراء بائسين، فالإدانة تأتي لفعل ما يخـــص جماعة معينة بتحميل هذه الجهة كل الويلات والمصــائب، عبر مظلومية كبيرة، غالباً هذه المظلومية صارت تسولاً من هؤلاء أكثر من مظلومية الجماعة التي ينتمي إليــــها «بعضهم»، في حين هذه الإدانة تغيب فيما لو وقع الحيف نفسه على جماعة أخرى لا ينتمي لها وربما جماعته البيولوجية أو السياسية متورطة بها، وإذا حدث وفعل، يفعلها بخجل ومواربة كبيرة، كتابة تتخللها «لكن – ولولا – ومع نقدي الدائم لهم – وغير مقبول – ولو ثبت لي – ويجب تشكيل لجنة تقصي حقائق وغيره كثير».
يكتبُ كثيرون أنهم كانوا عرضة للموت والملاحقة، وعندما تبحث في أصول كلامهم/ اللغة، تجد أنهم كانوا خارج البلد أو على سفر دائم «ولهم عدة في أيام آخر»، أو كانوا من المتوارين خلف خوفهم، فلهم أسر لا يعيلها سواهم، واعتقالهم يعني موت أسرة كاملة، وبالتالي كانت أصواتهم خافتة وتسمع على نطاق ضيق وفي مناسبات. حجج واهية، وفاقعة في ظهورها، إذا عرفنا أنَّ هؤلاء لطالما نظروا ونظّروا بأنّ أصحاب الأصوات العالية ما هم إلا مجانين وصائدو ماء بالغرابيل، تقيةٌ لم تكن للحفاظ على شراكة أو عهود ومواثيق وصلات قربى، إنما كانَ شبح الخوف المزمن وقد تخطىَّ عتبة الجبن، لذلك ما أن زالَ الخوف، وملكَ الواحد منهم أنياباً سرعانَ ما أنشبها في جسدِ الأقرب إليه!
منهم وحتى بدء التحول الذي ما زال سارياً، كان يدفع بهذا وذاك، ويقف من بعيد يراقب المشهد، فإن مرت الأمور بخير، جاء وتقدّم الحشد، ليقول كنت هنا ودفعت من دفعت إلى هذا الحق، منهم من كان يتوارى عن حديث أو لقاء بتقية شــديدة، وصار لسان حال فيما بعد، ومنهم من كان واضح العمالة ويسوّق حاله على أنّه منبوذ من أهله الأقربين ومن السلطة لموضوعيته ووقوفه إلى جانب الحقيقة، صار يدعو إلى قتل من يخالفه وقتل من هم أهله الأقربون بحكم اللغة والتاريخ والمكان، ومنهم الآن من هرب وأمن في مكانه الجديد فصار كأمير حرب يقود معركته المقدسة من خلف الشاشة، وبما أنَّ الكلام/ اللغة لا رقيب عليه ولا عتيد فلا مانع من ادعاء البطولة المطلقة ونعت الآخرين بالجبن. نهاية أقول لو كانت كلُّ كلمة كذب من هؤلاء تكلّف (ليرة سورية)، لكنّا ارتحنا طويلاً من هذا النباح الذي يسميه بعضهم زورا بــ«كتابة».

٭ كاتب سوري مقيم في ألمانيا

محمد المطرود

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *