محمد المطارقي… ينظر إلى كاتب أدب الأطفال كمواطن من الدرجة الثانية
[wpcc-script type=”00a178484623daeaa0d26f8a-text/javascript”]

محمد المطارقي أحد أبرز الكتاب المهمومين بالطفل العربي وثقافته وتنمية وعيه. نشرت أعماله في مختلف المجلات المصرية والعربية، حصد العديد من الجوائز آخرها جائزة أفضل كتاب للطفل في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2017، حول نشأته وبداياته، وأهم ملامح تجربته كان هذا اللقاء:
• يظل مكان المولد والنشأة هو المكان الأقرب للقلب، كيف بدأ تشكل وعيك الثقافي في هذا المكان؟
□ نشأت في مدينة تمتاز بقدرتها العجيبة على الجمع بين أطياف متباينة من البشر واستيعابها لهم جميعا، فيها امتزجت أجواء القرية ببساطتها بصخب وضجيج المصانع والعمال، لتفرز لنا شخصيات ثرية، شديدة التفرد، ويكفي أن فيها أكبر صرح لصناعة الغزل والنسيج في الشرق الأوسط. مدينة المحلة الكبرى.
• وماذا عن ملامح البدايات؟
□ كانت البدايات تشبه إلى حد كبير طفلًا يكتشف العالم لأول مرة. كنت شغوفًا بجمع الكتب والمجلات، وكانت لي صومعة عالية، أصعد إليها وأعتزل العالم، وأعيش مع تلك الكائنات المدهشة التي تسمى الكتب. لقد استطعت – أنا الصغير – أن أكتب قصة! كنت في الصف الثاني الإعدادي، ما منحني قدرًا كبيرًا من الثقة، هكذا كان شعوري، كنت سعيدا بما أكتبه رغم ما تحمله تلك الكتابات وقتها من سذاجة، لكنها فتحت لي آفاقا رحبة، ودفعت بي إلى عالم الأدباء والمثقفين، والتعرف على هذا الفن المراوغ من خلال خبراتهم وتجاربهم الإبداعية، فتأكدت أن ما كنت أكتبه لا يمت للإبداع بأي صلة، وأن عليّ أن أقرأ وأقرأ لأتمكن من امتلاكي لأدوات الكتابة.
• الكتابة للطفل طريق وعرة، لماذا وكيف اخترت تلك الطريق؟
• في عام 1987 كنت على موعد مع أول قصة قمت بكتابتها للأطفال، وقد تم نشرها في مجلة براعم الإيمان الكويتية، وكنت ما أزال طالبا في الصف الثاني الثانوي. كان عنوانها «الفجر جلباب أبيض»، والعجيب أنها حين تمت كتابتها لم تكن مخصصة من أجل ذلك. وإنما هي مجرد قصة للكبار حاولت كتابتها ومعالجتها فنيا من واقع تجربة حياتية، إلا أن الأصدقاء في نادي الأدب كان لهم رأي آخر. فقد أجمعوا جميعا على كونها قصة جيدة تصلح للأطفال. وهكذا قمت بإرسالها فورا إلى مجلة «الوعي الإسلامي» الكويتية، ثم نسيتها ولم أهتم بالأمر، فنشر قصة لي في مجلة عربية وأنا في هذه السن كان ضربا من الخيال الجامح. هذه القصة تم ضمها إلى مجموعة أخرى من القصص، وصدرت في كتاب يحمل عنوانها، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فقد كان ثمة شعور بالامتنان نحو هذه القصة الأولى.
• مازال أدب الطفل لدينا بعيدا عن دائرة الضوء النقدي، على الرغم من وجود المبدعين، لماذا؟
□ دعنا نكون أكثر صراحة.. لا يزال البعض من الأدباء ينظر إلى كاتب الأطفال كمواطن من الدرجة الثانية، بل هناك من يكتب للطفل ويحرص على نشر إنتاجه، ثم هو يقدم نفسه للمجتمع الأدبي تحت صفة أخرى، كأنما يخجل من كونه كاتبا للأطفال! نعم، ثمة حالة من الزخم الشديد في الكتابة للطفل، ولكن ليست هناك مواكبة نقدية على قواعد وأسس علمية، إلا في ما ندر، وهذا دفع بالكثير من الأدعياء أن يتسللوا خلسة إلى هذا العالم متوهمين أن الكتابة للطفل متاع مستباح لكل من تسول له نفسه الكتابة للطفل. ولو أن مدعي الكتابة يعلم يقينا أن هناك أعين يقظة، وأقلاما نقدية جادة يمكنها أن تفرز الثمار الناضجة من تلك المعطوبة، والرديئة والفاسدة، لفكر كثيرا قبل أن يجترأ على خوض غمار هذا العالم، لكن على كل الأحوال، هذا لا يمنع من وجود مخلصين من نقاد ومبدعين مجتهدين، لهم محاولات حثيثة، ينبغي أن تقدر.
• أما زلت ترى أهمية للكتاب الورقي في ظل توغل الرقمنة واهتمام الطفل العربي بشكل عام بالسوشيال ميديا؟
□ ثمة حالة من التوجس تعتري الكثير من الأدباء والناشرين، ليس فقط على مستوى الكتابة للطفل، ولكن في ما يخص الكتاب عمومًا أيًا كان نوعه. وذلك يعود بطبيعة الحال لتلك الطفرة الهائلة في وسائل التكنولوجيا الحديثة، وهذا قلق طبيعي ومشروع، إذ كيف لهؤلاء الكتاب الذين قطعوا أشواطا طويلة من حياتهم، بل أفنوا شبابهم وأعمارهم بين الأوراق، أن تقضي الميديا بضغطة زر على رصيدهم ومنجزهم الإبداعي، وتاريخهم الحافل. لكن الواقع ليس بهذا السوء الذي نتوهمه، فكل ما وصلت إليه البشرية من تقدم وازدهار في مجالات العلوم والاتصالات يعود الفضل الأول فيه للكتاب، والطبيعي أن يزدهر الكتاب ويعود إلى سابق مجده إذا استطعنا توظيف الميديا، بما يخدم الكتاب ويروج له ولمؤلفه. فالميديا لم ولن تهدم الكتاب، ولكنها ستساعد أكثر على انتشاره، مع التأكيد على تقديم الكتاب التفاعلي وعرضه بصور متعددة تتناسب مع ظروف المتلقي. أما الطفل فهو ابن شرعي لتلك البيئة العصرية، وهو يتعاطاها بأريحية ويتعامل معها بسهولة ويسر بدون تعقيد. ولعل هذا هو ما يثير قلق القائمين على إنتاج أدب وثقافة الطفل، إذ لابد من التعامل مع طفل هذا الزمان بما يليق، والاستفادة القصوى من تلك الوسائل الحديثة للوصول إلى عقله ووجدانه.
• ما تأثير الجائزة على المبدع؟ ولماذا لا توجد لدينا جوائز كبرى لأدب الطفل؟
□ الكاتب عموما، في لحظة التجلي الإبداعي قد لا يفكر في جائزة من أي نوع، فهو مشغول بإنجاز عمله والوصول به إلى الصورة التي يأملها، ثم بعد ذلك يتحصل على الجائزة التي قد تظهر في صور متعددة، منها حالة الرضا التي تهيمن على روحه بعد معاناة الكتابة والفراغ منها، كما أن هناك شعور بالسعادة لا يوصف حين تجد جهدك وقد تم إخراجه بصورة جاذبة ورائعة، والأكثر روعة هو وصول هذا المنتج إلى الطفل المتلقي، هذا يحقق لي قدرا هائلا من السعادة. أما الجوائز التي تمنح من قبل الدولة فهي لا شك مهمة، فأنت كمبدع تأتي عليك لحظات تتوقف فيها لتلتقط أنفاسك، وتحــــدد إلى أي مدى بلغت بك الكـــتابة، هل من أحد يراك، أو يشعر بوجودك، الجـــائزة لاشك لها مردود نفسي مهم، كما أن القيمة المادية في ظل الظروف القاسية التي يعانيها المبدع، أمر ضروري لتعوض ولو نزر يسير مما تم استنزافه. وقد حصلت بالفعل على جائزة أحسن كاتب للأطفال عام 2017 عن مجموعتي القصصية «طائرة من ورق ملون» التي صدرت عن المركز القومي لثقافة الطفل التابع للمجلس الأعلى للثقافة. مع ملاحظة أن القيمة المادية للجوائز المصرية لا تليق بقدر ومكانة مصر بكل أسف. فنظرة القائمين على شؤون الثقافة في مجتمعنا فيما يخص أدب وثقافة الطفل قاصرة ومحدودة للغاية.
• وما أهم المعوقات التي تحول دون تحويل الأعمال المهمة للطفل إلى أعمال تلفزيونية؟
□ الدراما التلفزيونية يهيمن عليها (لوبي) إذا جاز التعبير، لا يسمح لأحد بالاقتراب من هذا الحقل الحيوي، بداية من الإعلاميين ومقدمي البرامج والضيوف، ومرورا بالمسلسلات والبرامج وحتى الإعلانات، هناك إقصاء شبه متعمد لحملة الأقلام الجادة، والمواهب الحقيقية. وهذا ينتج عنه بطبيعة الحال ركام هائل من البرامج والمسلسلات التافهة ونماذج خاوية لأبطال وهميين. فالطفل ليس له مكان على صفحة التلفزيون، ربما نراه في إعلانات موجعة للمتاجرة بآلامه وأحلامه، فيما عدا ذلك لن نراه البتة، لأنه غير موجود بالمرة في دائرة اهتمامهم. فالتلفزيون بما يمتلكه من قدرات عظيمة وهائلة، بإمكانه أن يعيد تشكيل فكر ووجدان المجتمع بصورة راقية ومحترمة، هذا إذا كنا بالفعل نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقا.
• تكتب القصة القصيرة للكبار أيضا، كيف توازن بين التجربتين؟ وأيهما تفضل؟
□ الكتابة للكبار تمتاز بقدر كبير من المرونة، فأنت تعلم يقينا أن متلقيك يحمل من الخبرات الإنسانية، والوعي ما يؤهله لاستيعاب القصة، بل يمكنه أن يتماهى مع النص بخلق خطوط موازية تخدم حالة التلقي. أما الكتابة للطفل فهي بالتأكيد تختلف، فهناك مراحل عمرية متباينة، لكل منها لغة تناسبها، وهناك مناطق محظورة من الصعب على الكاتب أن يتجاوزها. أنت حين تكتب للطفل تعتريك حالة طفولية، لتجد نفسك بقدرة قادر وقد تحولت إلى طفل، مع الاحتفاظ بمساحة من العقل الباطن ككنترول خفي يقوم بمراجعة وتصحيح ما تكتبه ليتسق مع روح الطفولة بكل ما تحمله من طزاجة، وبراءة، وشقاوة وبهجة وسعادة.
• أين النقد من تجربتك الإبداعية مع الكتابة للطفل؟
□ هناك بالفعل أزمة نقد حقيقية، اللهم إلا بعض الأقلام الجادة، المؤمنة بجدوى أدب الطفل، وأهمية الكتابة له. ولعل الدعوة التي تقول إن كل جيل يفرز نقاده صحيحة إلى حد كبير، فقد تعرض العديد من أبناء جيلي إلى العملية النقدية كمحاولة منهم لتغطية هذه المنطقة الشاغرة، أذكر على سبيل المثال جمال عساكر، فريد معوض، محمد ناصف، مجدي الفقي، محمد الدش، إيهاب الورداني، أحمد طوسون، عبده الزراع، نجلاء علام، عبد الرحمن بكر، هجرة الصاوي، أحمد قرني وغيرهم، ولقد قمت بعدد من المتابعات النقدية، صدر بعضها في كتاب بعنوان «أجمل ما قرأت للأطفال من المحيط للخليج».