العراقي أحمد الجنديل: الكثير من الروايات فارقت دهشتها عندما تجاوزها الزمن
[wpcc-script type=”a1a4e68767daf7e80e3547d6-text/javascript”]

أحمد الجنديل قاص وروائي وصحافي وناقد أدبي، أصدر ست مجموعات قصصية، وكذلك أربع روايات، أولها «الرماد» وآخرها «الشيطان يتألق ليلا» فضلا عن مسرحيتين. عن هذه الرحلة وهذا الإنتاج المتنوع كان هذا الحوار..
■ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
□ الفقراء يعشقون الإبداع والجمال، وقد كنتُ فقيراً، كذلك المكان لعب دوراً كبيراً فقد عشتُ في مدينة تمتهن الشعر، فعاصرتُ الكبار من المبدعين في مدينتي، كذلك الرغبة العارمة في التعرف على كبار المبدعين العرب، إنها عوامل كثيرة دفعتني للدخول إلى هذا العالم.
■ أمام تعدد الأجناس وتشابكها يكون البحث عن رسالة، كيف ترى الواقع الثقافي؟
□ الواقع الثقافي اليوم يختلف كثيرا عما كان عليه في السابق، لاعتبارات أهمها ما حصل من تغيير هائل لقنوات التواصل المختلفة، التي أتاحت للجميع الدخول عبر منافذها، وأنا ضمن هذا الواقع الذي فرض عليّ أن أقول كلمتي، بدون الاهتمام بالتحرك في عمقه، أو على الهامش منه. أما بالنسبة للأجناس فإن لكل جنس أدبي خصائصه وعناصره، رغم التداخل الكبير الذي طرأ على الأجناس الأدبية، وكل جنس إذا ما فقد عناصره الأساسية، فسوف يتحول إلى جنس آخر، فالرواية مثلا تبقى لها خصائصها وعناصرها، رغم انفتاحها على العلوم الأخرى، كعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة، ويمكن تعميم ذلك على الأجناس الأخرى، كالقصة القصيرة والشعر والمسرحية. لذا يمكن القول إنه من الصعوبة الوقوف على قدميك في ساحة الإبداع وجميع القنوات مفتوحة للجميع، ومن الصعوبة أن تسير عملية التلقي بصورة طبيعية أمام هذا الزخم الهائل من الطارئين على الإبداع، إلا أن القلم المبدع الأصيل يبقى حاضراً، رغم الضجيج الذي يدور حوله، ولا يصح إلا الصحيح. أما الرسالة فإنها رحلة تحتاج إلى جهد كبير، سهرتُ الليالي، عانيتُ كثيرا من مشقة البحث، بدون التفكير إلى وصول مرتبة الكاتب، كانت الرغبة في القراءة هي المهيمنة على مشاعرنا، كنّا نقرأ كثيراً وكنتُ حاضراً في دواوين الأدباء، ومع مرور الوقت بدأ وقت الكتابة، فالموهبة لا تكفي لوحدها إذا كنتُ موهوباً بالفعل، ورحم الله الجواهري عندما قال: لا يولد المرء لا هرّا ولا سبُعاً/ لكن عصارة تجريب وتمرين.
البيئة التي عشتها وتفاعلتُ معها ألقت حزنها على قلمي، وما كان الفقر يوما بابا للفرح.
■ في كتاباتك الأدبية ثمة جنوح للألم أو جلد الذات. هل هذه نابعة من البيئة أم هي الأقرب للمتلقي؟
□ ثمة ألم في كتاباتي الأدبية نعم، فالكتابة وجع داخلي ونزيف مستمر، لم أمارس جلد ذاتي يوما، وربما لجأت إلى جلد ذات الآخرين أحيانا، وقد طلقتُ الجلد وملحقاته، عندما انبثق وعي جديد يتعلق بكينونة الإنسان، بدأتُ أسير على هداه، لم أضع المتلقي عندما أبدأ بالكتابة، أكتب بوضوح، ومن حق المتلقي قبول أو رفض ما أكتب. البيئة التي عشتها وتفاعلتُ معها ألقت حزنها على قلمي، وما كان الفقر يوما بابا للفرح.
■ هل تؤمن بنظرية النص المحلي، أم صار لزاما أن يكون الأديب متوافقا مع العالم أجمع؟
□ الأدب المحلي ينتهي بريقه بانتهاء بريق البطل، أو الحدث عندما يتجاوزه الزمن وبعدها يدخل هذا النوع من الأدب إلى حقل التوثيق والتاريخ، إذا كان مغلقا على محليته، وما أظن أديبا ناجحا ومشهورا قد تجرد عن المحلية في أدبه (تشيخوف، ديستوفسكي، همنغواي، ماركيز، هوغو، نجيب محفوظ، يوسف إدريس) وجميع المبدعين الكبار، ولكنهم جميعا خرجوا من محلياتهم إلى الفضاء الإنساني العام، تناولوا القيم الأساسية لوجود الإنسان، لدينا الكثير من الروايات ربما كانت مدهشة في وقتها، إلا أنها فارقت دهشتها عندما تجاوزها الزمن، لأنها ظلت متعلقة في المكان المحلي والحدث المحلي والبطل المحلي. فالكاتب ابن بيئته، إلا أنّ ينتكس عندما يتحرك وهو مقيد بأصفاد المحلية.
■ هل هناك طقوس محددة للكتابة أم تنبع حيث تنبع الفكرة؟
□ هذه اللحظة تشبه الجنين الذي ينمو في رحم أمه وعندما تقترب ساعة الولادة، لابد من الخروج إلى النور، في أحيان كثيرة يخرج المولود ميتا ساعة ولادته، وأحياناً معافى، ما يهمني هو التخلص من هذا الحمل ساعة المخاض، وأطير فرحا عندما أراه يتمتع بالعافية.
■ بعد تجربة الكتابة في مجالات مختلفة، أين تضع نفسك في صراع الأجيال؟
□ أظن أن مصطلح صراع الأجيال يحتاج إلى تمعن وتدقيق، إذا ما أدخلناه إلى عالم الإبداع، هناك صراع بين الآباء والأبناء، وهناك صراع بين جيل وجيل عندما يتمسك كل طرف بآرائه ومعتقداته، نتيجة التغيير الحاصل في مجمل التصورات نحو الكون والحياة. في مجال الإبداع تكون القراءة المستمرة والاطلاع على تجارب الآخرين، ودراسة مناهج النقد بروح رياضية منفتحة والتفاعل الإيجابي مع ما يستجد تساهم جميعها على تضييق الفجوة بين زمن وآخر. لقد انسلخت من مسيرة حياتي سبعة عقود وثلاث سنوات، وما زلت أشعر بالفتوة مع قلمي رغم أن جسدي يقترب من نهايته وكل مؤشراته تنذر بالرحيل.