الأديب الكويتي طالب الرفاعي: أذهب إلى الكتابة بخاطري وفكرتي ومفردتي

يصحبُ العملية الإبداعية قلق وهواجس وقد تتصاعد حدة التوتر مع كتابة الرواية، كونها فنا يتطلبُ تراكما معرفيا وإدراكا واعيا لحيثياته، إضافة إلى ضرورة الدراية بتوظيف تقنيات السرد في المنجز الإبداعي، الذي يعدُ محاولة لإعادة تشكيل العالم، وفق ما يتخيله المبدع، وبذلك يكون الأخير مشاركا في إطلاق لعبة الفرضيات في الإطار الأدبي، حول تجربة الرواية ومشاريع […]

الأديب الكويتي طالب الرفاعي: أذهب إلى الكتابة بخاطري وفكرتي ومفردتي

[wpcc-script type=”c3de5d2151f178dead42126a-text/javascript”]

يصحبُ العملية الإبداعية قلق وهواجس وقد تتصاعد حدة التوتر مع كتابة الرواية، كونها فنا يتطلبُ تراكما معرفيا وإدراكا واعيا لحيثياته، إضافة إلى ضرورة الدراية بتوظيف تقنيات السرد في المنجز الإبداعي، الذي يعدُ محاولة لإعادة تشكيل العالم، وفق ما يتخيله المبدع، وبذلك يكون الأخير مشاركا في إطلاق لعبة الفرضيات في الإطار الأدبي، حول تجربة الرواية ومشاريع الكتابة الإبداعية. كان لنا الحوار التالي مع الأديب الكويتي طالب الرفاعي الذي تحظى مؤلفاته الروائية «سمر الكلمات، النجدي، ظل الشمس، الثوب» بالمتابعة والاهتمام في الوسط الثقافي.

■ منْ يقرأ سيرتك الأدبية يرى أنك بدأت بكتابة القصة في منتصف السبعينيات، ومن ثم انتقلت لكتابة الرواية في أواخر التسعينيات، فأين أنتَ الآن من القصة والرواية؟
□ نشرتُ أول قصة قصيرة لي في جريدة «الوطن» الكويتية بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 1978، أولا لأنني كنت ولم أزل عاشقا لفن القصة القصيرة قراءة وكتابة، وثانيا لأن القصة والشعر وقتها كانا يتسيدان المشهد الثقافي العربي. وحينها لم يكن سهلا أبدا الاعتراف بك ككاتبٍ للقصة، لا على مستوى تناول قصصك نقديا ولا على مستوى النشر في دور نشر محترمة، وكم كانت سعادتي حين نشرت مجموعتي القصصية الأولى «أبو عجاج طال عمرك» لدى دار الآداب البيروتية، يوم كان سهيل إدريس يُدير دفتها، وكيف أنها حظيت بدراسات نقدية كثيرة ومن مختلف نقاد الوطن العربي. وهكذا اشتغلت بفن القصة لعام 1996، يوم بدأت كتابة فكرة، لأرى أن ثوب القصة فنيا لا يتسع لها، ما أخذني لجنس الرواية، وكانت أن ولِدت أول رواية لي بعنوان «ظل الشمس» ونشرتها بطبعتها الأولى لدى دار «شرقيات» في القاهرة وكان ذلك عام 1998.
الآن، أعيش يومي في القراءة والكتابة بين القصة والرواية، وحين تأتيني فكرة أذهب أولا إلى القصة القصيرة، إلا إذا شعرت بامتدادات الفكرة زمنيا، وتعدد شخوصها بتقاطع مصائرهم، فإنني انتبه لإمكانية كتابة الفكرة كرواية. علما بأن كتاب القصة القصيرة تمتعني حد الفرح، بينما أعيش عوالم رواياتي كحياة أخرى لي.
■ كيف كانت علاقتكَ بفنّ الرواية قبل الشروع بكتابة نصك الروائيّ الأوّل؟ وهل تأثرت في تجربتك الأولى بأعمال معينة، أو صادفت حدثا شعرت بأنَّه لا يمكنُ التعبير عنه إلّا في الشكل الروائي؟
□ بدأت قراءاتي الأولى بروايات، ووقتها شعرتُ بأنني أنكشف على عوالم ملونة وساحرة، وأنني أمام حيوات كثيرة لا يمكنني معايشتها على أرض الواقع، لذا تعلقتُ بقراءة الرواية بوصفها معايشة حياة أخرى، توازي حياة الواقع. وهذا الإحساس ما زال يلازمني حتى اللحظة.
وقد تأثرت بكثير من الكتّاب العالميين والعرب، ولكنني كنت ولم أزل أذهب إلى الكتابة بخاطري وفكرتي ومفردتي وجملتي، وقد نسيت كل ما قرأت. قد يتسرب شيء من تأثري بأي كاتب عبر اللاوعي إلى كتاباتي، لكن ولأنني أعيد كتابة أعمالي القصصية والروائية مرة ومرتين وأكثر أحيانا، فإنني انتهي إلى كتابة ما أريد بمفردتي وجملتي ووجهة نظري. بعد سنوات خبرة طويلة في القراءة أو الكتابة، صرتُ أدرك بوضوح لحظة تلوح أمامي فكرة، إن كان يمكن كتابتها كقصة قصيرة أو رواية. فهناك أفكار لا يمكن كتابتها كقصة لا لشيء إلا لكونها تحمل في ذاتها امتدادات زمنية أفقية، وهو ما يتناسب أكثر مع البناء الروائي.
■ يرى بعض النقاد أنَّ الرواية الأولى عبارة عن استعادة للتجربة الذاتيّة، وسُمّي هذا النوع برواية التكوين، إلى أي مدى يمتثلُ عملك الأول لهذا التوصيف؟
□ كتبت عملي الروائي الأول وفق مدرسة التخييل الذاتي، التي تتخذ من السيرة الذاتية الحقيقة أساسا لها. لذا فإن رواية «ظل الشمس» تقدم جزءا من سيرتي الذاتية الحقيقية، كوني أحد شخصياتها وباسمي الحقيقي، وبوجودي في موقع العمل الإنشائي، كوني مهندسا مدنيا تخرجت في كلية الهندسة والبترول في جامعة الكويت عام 1982، وعملت في المواقع الإنشائية حتى عام 1996. حين كتبت روايتي الأولى، كنتُ حينها أودع عملي كمدير لمشروع إنشائي كبير في الكويت، وسط جيش من العمالة العربية والأجنبية، ولذا قدّمت الرواية توثيقا روائيا لحالة المغترب العربي والأجنبي على أرض الكويت، ومواجهاته لقساوة حياة الغربة والعيش.

واضح جدا انكفاء الحركة النقدية العربية، إلا من أصوات منفردة، وعدم قدرتها على مواكبة النتاج الإبداعي الروائي أو القصصي الغزير.

■ هل تعتقد أنَّ السر وراء تصاعد الإصدارات الروائية، يكمن في انفتاح المجتمعات وما توفّره الرواية من المجال لتناول المفاهيم الفكرية في إطار أوسع؟
□ هناك أكثر من عامل وراء تصاعد الإصدارات الروائية، من بينها: انتشار جنس الرواية، عالميا وعربيا، بشكل واسع خلال العقود الثلاثة الماضية، وكذلك طبيعة جنس الرواية، بقدرته على استيعاب أشكال متعددة من الكتابات الشعرية والقصصية وحتى المسرحية. وأخيرا سهولة كتابة الرواية مقارنة بالقصة، في زمن انزوى به الشعر والمسرح، وأخيرا سهولة النشر ووفرة الجوائز الخاصة بالرواية.
■ ثمة علاقة جدلية بين الإبداع والمتابعة النقدية، برأيك هل يواكب الحراك النقدي ما يسمى بالتضخم الروائي، وماذا يخسر النص الإبداعي في غياب النقد؟
□ واضح جدا انكفاء الحركة النقدية العربية، إلا من أصوات منفردة، وعدم قدرتها على مواكبة النتاج الإبداعي الروائي أو القصصي الغزير. ومؤكد أيضا أن النص الإبداعي يخسر الكثير، بعدم وجود حركة نقدية طليعية تقدمه للقراء، بتسليط الضوء على منعطفات عوالمه، وبكتابة نقدية توازي الإبداع الروائي وتضيف إليه كشفا يمكّن كل قارئ من الوصول إليه.
■ أطلقت عام 2015 «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، فما السبب وراء ذلك؟ كما أنك تشغل حاليا منصب «نائب رئيس منتدى الجوائز العربية» فكيف تنظر لمشاهد الجوائز العربية؟
□ أطلقت جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، لأنني عاشق لفن القصة القصيرة، ولأنه يلاقي شيئا من العزوف عند القارئ والناشر، وأشعر اليوم بسعادة كبيرة لقدرة هذه الجائزة، بعد مرور أربع دورات، على إثبات نفسها برعاية جامعة الشرق الأوسط الأمريكية في الكويت الـ(AUM) وأنها أعادت شيئا من الألق والحضور لهذا الفن الجميل، خاصة أن الجائزة تتلقى سنويا ما يزيد على المئتي مجموعة قصصية عربية، بما يوحي بحيوية المشهد القصصي العربي. أما في ما يخص كوني نائبا لرئيس منتدى الجوائز العربية، فإن المنتدى يمثل مظلة عربية واسعة لكل الجوائز العربية، ويعمل على زيادة التعاون في ما بين الجوائز، بغية رفع مستوى النتاج الإبداعي العربي، وتقديم كل ما يمكن تقديمه للمبدع العربي. وأنا أرى أن مشهد الجوائز العربية مشهد متحرك، وقد استطاع أن يخلق جسرا قويا بين النتاج الإبداعي العربي والقارئ في مختلف أقطار الوطن العربي.
■ تُرجمت أعمال الروائيين المعاصرين بغزارة، كيف انعكس ذلك على وعي القراء؟ هل أصبحوا أكثر إدراكا لخصوصيات العمل الروائي، ثم ألا تعتبر مقارنة القارئ لنصوص مترجمة مع الروايات العربية تحديا للمبدع العربي؟
□ أظن أن ترجمة أعمال روائية عالمية، بسوية ترجمة عالية وجادة ومقدِّرة لأهمية الترجمة بروح النص الروائي، يفيد القارئ العربي، لأنه يتيح أمامه فرصة جميلة للاطلاع على مستوى الإبداع العالمي، وكذلك لطبيعة عيش الإنسان في مجتمعات أخرى. فالرواية في جزء من تعريفاتها هي توثــيق لحالة اجتماعية تنطق بها.
وفي ما يخصّ التحدي الذي يواجه الروائي العربي بمواجهة نص أجنبي، فأنا أرى أن ذلك يشكل تحديا إيجابيا للروائي العربي في قدرته على كتابة نص روائي يمثل اللحظة الإنسانية العابرة، ويقف باعتزاز إلى جانب النص العالمي، ويكون صالحا للقراءة في أي مكان ولدى أي قارئ.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *