الأديب النمساوي بيتر هاندكه حائز نوبل: أَكْتبُ كي تَتَّسِعَ رُؤْيَتِي على الْعالَمِ
[wpcc-script type=”20e2486fd0dd76f328d0f9ce-text/javascript”]

بيترهانكه أديب نمساوي ولد عام 1942، وقضَى سنواته الأولى في برلين الشرقية. في عام 1966 أصدر مسرحيته «إهانة الشعب» وروايته «حشرات لادغة» وهما كتابان لَفَتَا إليه الأنظار. وبمناسبة صدور مُذِّكْراتِهِ.. كان معه هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة «لوموند» الفرنسية منذ سنوات.
■ لماذا تَهْتمّ بكتابة المذكرات؟
□ لقد بدأتُ أَهْتمُّ بكتابة المذكرات عندما دخلت المستشفى عام 1975 وحتى ذلك الحين كنتُ أُدَوِّن بعض الملاحظات، فقطْ لتساعدني في تأليف كتبي..أما اليوم فلمْ أَعُدْ أُدوِّن شيئًا تقريبًا، وليس لديَّ رغبة في أن أكون مَنْهجيًّا تمامًا.
■ يُقال عنك إنك تحذف ثلاثة أرباع نصوصك قبل نشرها؟
□ نعم.. ذلك صحيح، خاصةً عندما يوجد في النص كثير من الاستشهادات والشرح والتفسير، لكيلا أزعج القراء.. ولكي يجد الهواء مكانًا يتجوَّلُ فيه عبْرَ صفحات كتبي.
■ هل يمنحكَ المكانُ فكرةَ كتابةِ قصةٍ ما؟
□ في الواقع.. أنا مُقيَّدٌ بالفضاء.. بالمكان.. بمنعطفات نهر.. برسم بين شجرتين. مكانٌ يَأْسِرني وقصةٌ تبدأ. إنني أعمل دائمًا هكذا وأعتقد أنَّ الفضاء هو الذي يُبْدعُ العبارات. لنلاحظ الأدب الروسي أو الأمريكي.. إنه شيء يُعطي رغبة في الحياة في بلد كبير.
■ هل هم حقيقةً الروس والأمريكان وعلى رأسهم فوكنر وأندرسون الذين وضعوكَ على طريق الحكاية؟
□ وهم ما زالوا يقودونني دائمًا نحوها، إضافةً إلى كونهم مَثَلِي الأعلى.
■ هلْ أنْتَ قارئٌ كبيرٌ؟
□ أنا أقرأ كثيراً.. كثيرًا جداً لكي أتأمَّلَ.. لكي أُطهِّر نفْسي.. ولكي أشعر ـ في الوقت نفسه ـ بأنني شفيف وقويٌّ. أقرأُ أيضًا لكي أَفكّ الرموز.
■ لقد ترجمتَ كثيرًا عن كُتاب فرنسيين مثل باتريك موديانو وفرانسيس يونج ورينيه شار.. فهل بفضل هذا الأخير كتبتَ (لقد اكتشفتُ أنني لم أتعلم القراءة.. غير أنني كان لديَّ ميل لالتهام الصفحات بدلاً من تأمل ترتيب كلماتها بتمهل)؟
□ حدث هذا مع فيرجيل وشار اللذين علَّماني حقيقةً أن أقرأ وأن أرى. وكان هذا مثل الولوج داخل جبل واكتشاف وجود ضوء آخر هو ضوء اللغة.
عندما أكتب أكون أكثر إنصافًا مني لحظة الكلام.. كما أتجرأ على العمق وعلى المجاز مثلما استطاع أن يفعل ذلك (ويتـجينستين) في فلسفته.
■ لو أُلْغيتْ كل وجهات النظر والْتزمْتَ (اللاوصف واللانموذج) هل تستطيع أن تمتنع عن الإساءة إلى البورجوازيين ـ سادة العالم الثرثارين؟
□ هذا صحيح.. إذ توجد في كل عصر معركة ضد التقزز. وأنا أعتقد ـ رغم ذلك ـ أن الرأي يستعصي على الكتابة. منذ خمسة عشر عامًا أَخَّرْتُ فِعْلَ الكتابة في الصباح إلى ما بعد الظهر، لأنه غالبًا ما كنتُ ألجأ في تلك اللحظات إلى الدعاية وتأمل وجهات النظر. وأنا هكذا.. عندما أعمل يختفي كل شيء وأظل أعمل حتى أصل إلى مرحــــلة التعب، وعندما أصل إلى حد الإعياء لا تكون لديَّ ـ وقتها ـ أي آراء.
■ هل تكتب لكي تتدخل في الأحداث؟ أم فقط لكي تُلْفتَ النظر إلى ما هو كائن بالفعل؟
□ أنا أكتب لكي تتسع رؤيتي على العالم. أحيانًا أريد فقط أن أوضح مشكلةً ما يجب أن نحيط بها بالعبارات.. مثلما نرسمها.
■ مع مرور الوقت أصبحت عباراتك طويلة ورحبة جداً.. فما هو تفسيرك لهذا؟
□ في عصر يقلق فيه حارس المرمى لحظة ضربة جزاء، مازلتُ أكتب عبارات قصيرة.. إنه نَصٌّ مكثف ذاك الذي وَدَدْتُ أن أنتهي منه قبل ميلاد طفلي الأول.. أنهيته قبل يومين..إننا مع الوقت ندرك أن جعل العبارات كالفلاشات له جانب الادعاء قليلاً، خاصةً مع ما نراه ونُعايشه كحقيقةٍ معقدةٍ تمامًا. يجب أن نَحومَ حول الْحَبْلِ لكي نصْطادَ الحيوان. لديَّ تَوْقٌ لكتابة جُمَلٍ قصيرة.. لكنها ستتركني غير راضٍ. أعود مرة أخرى إلى الجمل الطويلة التي تمنح الفرصة لكثير من الأشياء للمرور خلالها، كما أنها تدرك الحقائق المختلفة..حينئذٍ أُهْمِلُ كل شئ مُنْتبِهًا.. ويلزمني أن أصارع دائمًا ضد غنائية نثري. ودراساتي في القانون ساعدتني في هذا كثيرًا.
■ هل ثمة صِلة تربط بينك وبين اللغة الألمانية؟
□ اللغة الألمانية لغةٌ رائعةٌ. إنها لغة مجازية، دقيقةٌ جداً، وخطيرة أيضاً.. حقيقةً من السهل أن تتوه بين دروبها.
■ هل تقوم بعملية تنقيح نصوصك دائمًا؟
□ هذا شئ فظيع.. لديَّ القدرة على أن أفعل هذا حتى المرة الرابعة.. إذ أنني أحترم من ينشرون لي، ويقبلون مخطوطاتي التي تكون أحيانًا كأنها بلا رسم، بل هي ساحة وَغَى حقيقية. إنني أُنَقِّح حتى أفقد إيقاع الكتابة الأولى، وعندما أُغيِّر وأُبدِّلُ كثيرًا فيها يصير هذا شيئًا بَشِعًا. أنا لا أرى سوى الضوء، كما أنني قريب جداً من المفردات ولا يوجد فراغ بيننا .
■ في كتابك «سَنتي داخل كوة» نقرأ لك «أنا عنيفٌ جداً لكي أكون زعيم قضية في الحياة الاجتماعية، وكأبطال كتبي أستطيع أن أتصرف بخلاف هذا بكثير من المثابرة».
□ عندما أكتب أكون أكثر إنصافًا مني لحظة الكلام.. كما أتجرأ على العمق وعلى المجاز مثلما استطاع أن يفعل ذلك (ويتـجينستين) في فلسفته. الراوي هو الذي يفتتح ويستشف، أما كاتب الحوليات فيغلق الفضاء الوسيط والزمن.. أما عندما يصبح كاتب الحوليات راويًا فهذا شيء مثالي.