التشكيلي الليبي رمضان أبوراس: لا يوجد في قاموس اللوحة فكرة «العمل الكامل»

التشكيلي رمضان أبوراس من مواليد 1956، يقيم في صبراتة، حاصل على إجازة التدريس الخاصة، شعبة التربية الفنية من معهد ابن منظور للمعلمين سنة 1976 في طرابلس، وليسانس جغرافيا في كلية الآداب من جامعة بنغازي عام 1983. أقام وشارك في العديد من المعارض الشخصية والجماعية. وله أعمال مقتناة في عدة دول منها، سويسرا، إيطاليا، النمسا، مالطا، […]

التشكيلي الليبي رمضان أبوراس: لا يوجد في قاموس اللوحة فكرة «العمل الكامل»

[wpcc-script type=”c221ab1e0b553d36608b7882-text/javascript”]

التشكيلي رمضان أبوراس من مواليد 1956، يقيم في صبراتة، حاصل على إجازة التدريس الخاصة، شعبة التربية الفنية من معهد ابن منظور للمعلمين سنة 1976 في طرابلس، وليسانس جغرافيا في كلية الآداب من جامعة بنغازي عام 1983. أقام وشارك في العديد من المعارض الشخصية والجماعية. وله أعمال مقتناة في عدة دول منها، سويسرا، إيطاليا، النمسا، مالطا، المغرب، تركيا، الأرجنتين، ألمانيا، بلجيكا، فرنسا وفنزويلا. ويعد من المؤسسيين لجمعية الفنون التشكيلية في الزاوية وجمعية الفنون التشكيلية والخط العربي في صبراتة. وعضو في الجمعية الليبية للفنون التشكيلية وفي جماعة رؤى الدولية للفنون في تونس، إضافة إلى كونه باحثاً في جماليات العمارة، وله عدة مؤلفات في الترميم وتنفيذ النصب والمجسمات، وبعض المكملات الجمالية في الساحات والميادين العامة، وكان لـ«القدس العربي» معه هذا الحوار:

■ ما هو تأثير المكان عليك كفنان تشكيلي؟
□ تأخذ الأمكنة بمفهومها المادي مساحة كبيرة من تفكيري، وأعشق تفاصيل جمالياتها المتعددة لما تحويه من غنى وثراء ثقافي وحضاري، وانعكاساتها الاجتماعية والثقافية والفنية على حياة الناس، فانسجها بروح من التناغم بين عناصرها البشرية (الناس من رجال ونساء وأطفال) وعناصرها المادية، أبواب، نوافذ، أقواس، قباب والمقرنصات، بانوراما يتداخل فيها المقدس وأقصد به العمارة الدينية والزوايا والأضرحة مع غيرها من بيوت التساكن، فيتأثث المشهد البصري عندي ويتراكم بهذا الكم المادي المحسوس، مع الأمكنة الوجدانية وما تحمله النفس من مواقف وأحداث وتفاعلات مختلفة مع ما يحيط بها لتحول الحالة إلى شعورك بأنك اصبحت جزءا من النص تحاكيه وتحدثه ويحدثك.
■ كيف تقرأ الإنسان في لوحاتك؟
□ الإنسان ذلك الجسد والروح المفعمة بالعديد من الانفعالات عند الفرح أو الحزن، عند الطرب والانسجام، أو عند الألم والغضب، وبأشكال تعبيرية مختلفة عند الرجال والنساء والأطفال، متمثلا في حركية التعبير، وبالتالي سنجده مكانا مهما للرصد وطاقة كامنة للإبداع أثناء تنفيذ اللوحة، وهو النقطة التي انطلق منها عادة عند البداية في تخطيط اللوحة، أضف إلى ذلك، العودة إلى الروح، فالإنسان ذلك الكم الهائل من الأحاسيس والخبرات والتجارب والمعارف، وكم من الأحداث أو الحالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والظروف التي تجعله يأخذ أشكالا متعددة عند التعبير عن نفسه وهي ستكون مادة مهمة لأي رسام، أو فنان، وهنا سيصبح أو يكاد يكون جزءا مني، أعبر عنه ويعبر عني.

تأخذ الأمكنة بمفهومها المادي مساحة كبيرة من تفكيري، وأعشق تفاصيل جمالياتها المتعددة لما تحويه من غنى وثراء ثقافي وحضاري، وانعكاساتها الاجتماعية والثقافية والفنية على حياة الناس.

■ من يتعب الآخر داخلك.. التخطيط لعمل جديد، أم الخوف من النجاح؟
□ تقصد المعاناة، تمثل المعاناة جانبا وأساسا مهما بالنسبة للفنان، ولا أسقط المعاناة على الجانب المأساوي فقط، لكنني أعني به كل التأثير الإيجابي والسلبي، الذي يتعرض له الإنسان ومدى ملامسته وملاصقته وقربه وبعده عن هذه الحالة، ولو عدت لعملية التخطيط، فهي عادة ما تكون لحظة الميلاد، أو البداية، وكثيرا ما أكون سعيدا ومزهوا بها، لأنها ستكشف لي الكثير من المجهول، وبها سأسترسل في بناء وتكوين مفردات اللوحة. أما عن مسألة الخوف فلم نصل بعيدا في الشهرة، ولم نصبح من مشاهير العالم حتى تنتابنا هواجس الخوف من النجاح الساحق، وبالتالي سيكون جانب اكتساب الشهرة صعبا، رغم تعدد وسائل الاتصال والتواصل، وعليه يبقى جانبا استثنائيا أو بعيدا عن الواقع الحالي.
■ من أين تولد الأفكار عندك؟
□ من الصعوبة بمكان أو يكاد يستحيل تحديد آلية توليد أو توالد الأفكار عند الفنان، أي من أين ستولد الأفكار. كثيرا ما تولد الأفكار نتيجة أحداث أو مواقف أو مشاهد بسيطة وعادية جدا، فقط لأنك عندما نظرت من داخلك لكل هذه المشاهد أو الحالات كانت درجة الوعي أو الفهم أو الحساسية عالية جدا. قد تولد الفكرة من الحلم وتتحول إلى لوحة أو عمل فني، تمثال أو قصة أو قصيدة أو مسرحية، وحتى معزوفة موسيقية وكثيرا ما تكون الأفراح بأشكالها المختلفة وحالات اللعب والمرح وحالات الرقص وحالات الازدحام والتراكم مصدر إلهام مهم جدا بالنسبة لي، وبالتالي ستجدني منتشيا برسم كل هذا التراكم والحشد في حالات الفرح والاحتفال. ويبقى الأثر الباقي، لكل الحضارات الليبية والشواهد المعمارية والموروث الشعبي، والمقتنيات والمشغولات الليبية والأزياء والصناعات التقليدية، كلها مصدرا مهما للإلهام، بالنسبة لي ولأغلب الفنانين تقريبا. كذلك وفي أحيان كثيرة تولد الفكرة في مكان أو زمان غير مناسب أقصد خارج المرسم، قد تكون في العمل أو السوق أو حتى في السيارة، عندها أقف وآخذ ورقة وقلما وأكتب المشهد بشكل صور وتخطيط لفظي للوحة واستعيد هذه اللوحة بمجرد وصولي للمرسم ووضع اللوحة على الحامل، ومن خلال هذه القصاصة فأعود بالذاكرة إلى مكانها الأول وأبدأ برسم اللوحة.
■ لوحاتك تضج بالشخوص وحركية مزدحمة المشاعر والأحاسيس، هل هو تركيز على الحياة الاجتماعية الليبية بشكل خاص؟
□ جزء كبير من الإجابة موجود في هذا السؤال والجزء الآخر سأذهب بك بعيدا فيه ليشمل جماليات بلادي، أو جماليات ليبيا أو الجماليات النفسية والإنسانية وتأثيراتها المختلفة عليّ، وانعكاس كل ذلك بحركية مزدحمة وحشد وتراكم هذه الشخوص وفق بنية محلية، في ما أرى، وقد تحمل شكلا ونصا آخر لدى الغير. فالعمل التشكيلي أو النص البصري يجب أن يكون مفتوحا على كل التأويلات وقابلا للزيادة من عند المتلقي، فهو للجميع وبالتالي هو خطاب وجداني وإنساني يرسله الفنان للعالم ليتلقفه الجميع كل حسبما يرى فيه من تجاوب أو تفاعل أو حس أو ملامسة أو مقاربة.

من خلال اللوحة يمكن لنا تحديد الهوية، أو الاقتراب منها أكثر فنجدها ترتبط أو تقترب من هوية صاحبها، أو من هوية المجتمع الذي عاش فيه الفنان آنذاك.

■ وأين تصل حدود خيالك في اللوحة؟
□ تصل حدود الخيال إلى مناطق بعيدة جدا، سواء على مستوى التفكير أو أثناء التنفيذ، فمثلا تولد أولا الفكرة ونبدأ بتخطيط اللوحة، وهنا ستتكاثر وتتوالد الصور والأشكال ويشتغل العقل ويعمل على استرجاع الذاكرة البصرية للفنان، ويحشد طاقته ويستنفر كل حواسه في لحظة أشبه بصراع، أو معركة أو تنظيم هجوم من الأفكار والتداعيات على الفنان، ليحوله إلى مشهدية غنية بكل المعاني والدلالات، وهذا ما أسميه الاستغراق في اللوحة، أي انصهار الفنان مع ذاته ومع لوحته، ليصبح هو جزء منها وهي جزء منه بما يشبه الانغماس. ويستمر هذا الحوار حتى تأتي لحظة اسميها التشبع أو الامتلاء، عندها فقط تترك الفرشاة معتقدا أن العمل تم الانتهاء منه، ويحتاج فقط إلى التوقيع، وحتى هذه قد تخضع للمراجعة في أحيان كثيرة، فنظرتك للعمل اليوم غير الأمس، وربما غير السنوات التي خلت، وبالتالي ليس هناك في قاموس اللوحة العمل الكامل، لكن نسبة الرضى كثيرا ما تكون الحد الفاصل بين الاستمرار في اللوحة، أو الاكتفاء بما وصلت إليه اليوم، وكثيرا ما نعود لدراسة أو إعادة القراءة للأعمال السابقة فنكتشف، أو نقول لو عملنا هنا لمسة خفيفة سيكون العمل أفضل، أو هذا العمل يحتاج إلى كذا وكذا.
■ في رأيك هل يمكن تحديد هوية اللوحة؟ وهل ترتبط هذه الهوية بصاحبها أم انها تنفصل عنه؟
□ يمكن جدا تحديد هوية اللوحة أو العمل الفني التشكيلي، فمن خلال دراستنا لتاريخ الفن والمدارس الفنية، نتلمس وجود الخصوصية وبروز الهوية بشكل واضح، لتستطيع من خلالها وبكل بساطة أن تتعرف على هذا الأسلوب وغيره، وبالتالي من خلال اللوحة يمكن لنا تحديد الهوية، أو الاقتراب منها أكثر فنجدها ترتبط أو تقترب من هوية صاحبها، أو من هوية المجتمع الذي عاش فيه الفنان آنذاك. فالفن الإسلامي والفنان المسلم مثلاً يعد أحد الشواهد على تجذر هويته في العمل الفني، وعند استخدامه للزخرفة والخط العربي، وفي أعمال الأرابيسك ونقش الخشب، أو تلوين الزجاج، وحتى في باقي مشغولاته المختلفة. كما يتفرد الفن الإفريقي بخصوصية ألوانه الصريحة وخطوطه القوية وجمال تزويقه، فالأقنعة على سبيل المثال كانت ولا تزال مكامن بحث وجمال استطاع بيكاسو في فترة من الفترات استلهامها، كما استلهم كاندسكي روح تجريده من الشرق، وكذلك جسّد هنري ماتيس جماليات المغرب والجزائر وشمال إفريقيا في لوحاته، وكثيرا ما ارتبطت الهوية بصاحبها، وفي أحيان أخرى قد تنفصل عنه.
■ ألا ترى أن الحداثة تتراجع بشكل مفجع أمام انتشار وسيطرة التطرف في المجتمعات العربية؟
□ لا اتفق معك تماما في تراجعها المفجع، لكنني أقول بأن هذا التراجع، أو التوقف الحالي وخلال الثماني سنوات الأخيرة في الدول التي تتعرض إلى الحروب والدمار في مشروع تدميري مبرمج لطمس الهوية العربية والإسلامية، بشتى الطرق، وبالتالي فتح المجال لانتشار وسيطرة التطرف، ومن ثم تراجع كل المشاريع الثقافية والإبداعية وتوقفها خلال هذه السنوات، على حساب تطوير وتنمية هذه الدول والارتقاء بشعوبها نحو الأفضل. ليلقى الإبداع عموما الإهمال، كما يقع تحت دائرة الإلغاء والتهميش والتحريم، وفي هذه الأثناء يتراجع العمل الإبداعي وقد يقف، أو يبقى ضعيفا بعدها بفترات طويلة.

٭ كاتب وصحافي ليبي

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *