عبد السلام المساوي: أكتب صرختي التي لم تسعفني فيها فيزياء الجسد وكيمياؤه

عبد السلام المساوي شاعر وباحث أكاديمي، وأحد أصوات الجيل الثمانيني البارزة في الشعر المغربي. تشعر في كل ما يكتبه بأن الشعر ليس صدفة أو ترفاً أغراه في طريق الحياة الكدرة، بل ضرورة تشرّب دواعيها من أصفى الينابيع. جاء إلى الشعر وعقد عليه زمام كينونته، متأثراً بما كان يلحُّ عليه المنهاج من بديهيات التجربة الأولى، وبما […]

عبد السلام المساوي: أكتب صرختي التي لم تسعفني فيها فيزياء الجسد وكيمياؤه

[wpcc-script type=”3a42b4ac2a9fdac439860c06-text/javascript”]

عبد السلام المساوي شاعر وباحث أكاديمي، وأحد أصوات الجيل الثمانيني البارزة في الشعر المغربي. تشعر في كل ما يكتبه بأن الشعر ليس صدفة أو ترفاً أغراه في طريق الحياة الكدرة، بل ضرورة تشرّب دواعيها من أصفى الينابيع. جاء إلى الشعر وعقد عليه زمام كينونته، متأثراً بما كان يلحُّ عليه المنهاج من بديهيات التجربة الأولى، وبما كان يجده من تشجيع من لدن شاعرين أساسيّين هما، إدريس الجاي، ومحمد بنعمارة الذي قدم ديوانه الأول «خطاب إلى قريتي». يتحدث المساوي عن جيله الذي جرفته المؤثرات وفعلت فعلها فيهم، وكيف غيروا مفهوم الشعر بشكل يساير شكل الحياة التي يعيشونها. كما يتحدث عن بداياته الشعرية والمغامرة المبكرة، وعن حضور السيرة في النصوص الشعرية، وهيمنة قصيدة النثر، وتقهقر نقد الشعر لصالح نقد الرواية بسبب إغراءاتها.

■ في عقد الثمانينيات الذي بدأت الكتابة فيه، ما هي أبرز العلامات التي أثارت انتباهك، أو اعتقدت بأنّها تقودك إلى «مغامرة» على نحو ما؟
□ في هذه المرحلة لم أكن قد امتلكت وعياً حادّاً بالفروق الفنية المفصلية، التي كانت سائدة بين المرحلة التاريخية السابقة (السبعينيات) والمرحلة الجديدة. لكن بالتأكيد كنت أشعر بضرورة كتابة ما يريح ذائقتي. ولربما كان ذلك إحساسا عاما عاشه شعراء جيلي بفعل المؤثرات التي جرفتنا وفعلت فعلها فينا. كنا نعرف الوزن ودرسناه في المدرسة والجامعة، ولكننا كنا نتجه إلى كتابة شيء حر غير مقيد.. شيء نشعر معه بالانطلاق، وأن يكون التركيز فيه على لغة مغايرة لا تصف ولا تقول الواقع بلغة التواصل، لغة نحس خلالها أنها معبر إلى المعنى، بل هي معنى المعنى. لغة منكتبة بعبارات بسيطة ولكنها مكثفة ولا تميل إلى صناعة الخيال المقولب، حسبما ترسخ في التشبيه المجاز والمجاورة. كانت قواعد الشعر التي رسختها تعريفات النقاد والدارسين ثقلا لا يطاق، وأنها تَحُدُّ كثيرا من طاقتنا وتلجم ما نريد التعبير عنه. وسنعي الخطوة الجريئة التي أقدمنا عليها في ما بعد، أي في بداية التسعينيات، مع مشاركتنا في تأسيس ملتقى الشعراء الجدد في مدينة سلا عبر جمعية الشعلة، وإصدار عدد من البيانات الشعرية المتمردة.

كانت قواعد الشعر التي رسختها تعريفات النقاد والدارسين ثقلا لا يطاق، وأنها تَحُدُّ كثيرا من طاقتنا وتلجم ما نريد التعبير عنه.

■ صار من الدارج أن جيل الثمانينيات الذي تمثل أحد شعرائه الأساسيين، حقق طفرة أساسية في سياق تحديث الشعر المغربي. في نظرك، ما هي أهم المكاسب والآثار التي تنسب له، والتي ما زالت تفعل فعلها المؤسس؟ وما هي مرجعيّات الكتابة التي استلهم منها سبل إبداعه الجديد؟
□ شعراء جيل الثمانينيات لم يحققوا مكاسب فنية وحسب، التي تمثلت في تحرير النص الشعري من تابوهات العروض والبلاغة الكلاسيكية، ومن ادعاء التغيير الاجتماعي والسياسي، وتمثلت كذلك في شعرنة اليومي والتركيز على التعبير بالصورة الجديدة القائمة على الرمز والمفارقة والسخرية السوداء، بل إضافةً إلى ذلك، غيروا مفهوم الشعر بشكل يساير شكل الحياة التي يعيشونها، ويتفاعل مع الجو الفكري والحضاري الذي أدركوه. لقد جعلوا من الشعر منهاجا للقول الجميل القادر على تجميع أشياء العالم وأفكاره، تبعا لصيرورة لغوية وذهنية تنتقي من لحظات التدفق الحيوي زمن الكثافة المجدية. لقد عرفوا أن النص الشعري لا يكتسب شرعيته، باعتباره فناً، من الرفض الجاهز، كما وعوا بأن النص الشعري ليس شارة احتجاج تعمل في السطح، بل هو الشكل الأخير الذي تسفر عنه مواجهة الذات للعالم باللغة المنفتحة على تعددها. لقد تحدد مصير الشعر عند هذه الثلة من الشعراء بمصير المفهوم الشعري، وتوجهات وظيفته الجمالية التي لا تنفصل عن الإحساس بالوجود والرؤية الكونية للحياة. فالشاعر الثمانيني لا يهمه أن يسمى شاعرا بقدر ما ينشغل بمواجهة مفارقات الوجود والمجتمع بمفارقات أحدّ وأقوى، وهو يركب أقصى درجات المكر التعبيري من أجل تحقيق هذه الغاية، متمثلا في ذلك كل ما تتيحه اللغة من وسائل الكشف، وما توفره كذلك من أستار الإخفاء. إن المتخيل عندهم يراهن على التحول الحقيقي للمعنى، وتحول المعنى كفيل بأن يخترع لغته معجما وتركيبا ورموزا.. هذا هو الحد الجوهري الذي تتأسس به الحساسية الجديدة التي تؤشر إلى وجود وعي شعري مختلف.
ولعل كل ذلك يعود إلى انفتاحهم على مرجعيات الشعرية العربية المعاصرة، مما كان يصدر عن شعراء الحداثة في لبنان وسوريا تحديداً، بتوجيه من النماذج الشعرية التي أخذت تفرض وجودها، كاتجاهات فنية قائمة الذات لشعراء من سوريا (أدونيس) وفلسطين (محمود درويش) والعراق (سعدي يوسف).. وتتكون هذه المرجعيات أيضا من رصيد المقروء الغربي إبداعا وفـكرا، خصوصاً بعد انفتاح المناهج التعليمية على الثقافتين الفرنسية والإنكليزية، بالإضافة ــ طبعا ــ إلى مرجعية المعيش المليء بالمفارقات في الزمن المغربي المعاصـر، تلـك التـي تعطـي للنص نكهته الحيوية.

الشاعر الثمانيني لا يهمه أن يسمى شاعرا بقدر ما ينشغل بمواجهة مفارقات الوجود والمجتمع بمفارقات أحدّ وأقوى، وهو يركب أقصى درجات المكر التعبيري من أجل تحقيق هذه الغاية.

■ أصدرتَ باكورتك الشعرية «خطاب إلى قريتي» سنة 1986. كيف تستعيد تلك اللحظة وحماس الشابّ الذي في الثامنة والعشرين وصورته «القروية»؟
□ إصدار ديوان في أواسط الثمانينيات كان مغامرة غير محسوبة العواقب. فإلى ذلك الحين لم يكن بعض رواد القصيدة المغربية المعاصرة قد جمعوا شعرهم في دواوين، كمحمد السرغيني، وأحمد المجاطي، ومحمد الخمار الكنوني، وغيرهم.. علاوة على أن الديوان اشتمل على نصوص كتبت بعضها وأنا في سن الثامنة عشرة. ومن ثم يمكن تصنيفها في إطار توثيق البدايات. البدايات التي تشي بالارتباك ولا تطمئن إلى درجة الوعي الشعري، الذي كان ما يزال يؤسس وجوده المعرفي والسيكولوجي. وهي مسألة تدفع الكثير من الشعراء إلى التنكر لها أو التبرؤ منها. وفي ذلك مغالطة شديدة، لأن الوجـود الفعلي لهذا الشاعر أو ذاك يتحدد أساسا في بداياته. ومن الصعب أن نتلمس النضج في بداياتنا. أذكر أنني بعت من الديوان آنئذ 500 نسخة عن طريق سوشبريس، وبعت خلسة منها 200 نسخة عن طريق التوزيع الخاص، وكان هذا الرقم مدهشا لبعض الأصدقاء الشعراء الذين كانوا قد سبقوني إلى النشر. وحينما أستعيد ـ اليوم ـ هذا الرقم اليوم (700 نسخة) باستحضار معطيات السوق، أستشعر مفارقة بين ما كان، وبين ما هو قائم حاليا. لقد كانت تجربة «خطاب إلى قريتي» بالنسبة إليّ أساسية في إعلان دخولي إلى ساحة التداول الشعري، ولو كنت استشرت المتابعين للهم الشعري والمكتوين بناره آنئذ، لكنت فوتُّ على نفسي جرأة تلك المغامرة المبكرة.
■ من خلال مجموع أعمالك الشعرية التي انتظمت في الصدور بعد ذلك التاريخ، انتصرت لقصيدة النثر وكنت من المتحمّسين للكتابة بها. هل ما زالت قصيدة النثر لسان حال الغائبين في التاريخ؟ إلى أيّ مدى باتت القصيدة تحتفظ بذلك الوهج الذي كان لها في البدايات الطليعية؟
□ أعتقد أن قصيدة النثر اليوم هي المهيمنة، فهي حازت الشرعية حتى من قِبَل الذين ناصبوها العداء في مراحل سابقة، وبات من يكتب النص العمودي والنص التفعيلي كمن يجزئ مكونات الشعر على نحو يثير الشفقة. فالوزن ما هو إلا مكون واحد من مكونات أخرى، إذا غابت غاب الشعر، ولو كان محكم الوزن. تعاريف الشعر اضمحلت اليوم مع التجارب الهائلة التي اختطتها قصيدة النثر لنفسها. سبق لي أن عبرت عما يشبه هذا في بيان شعري نشره موقع «جهات الشعر» الذي كان يشرف عليه الشاعر البحريني قاسم حداد، جاء فيه: «صار بوسع الجيل الجديد أن يعمل معوله في دسم البلاغة حتى تخرج اللغة من اللغة، وأن يعيد خلط البحور بكف النثر إلى أن يلفظ الإيطاء والإقواء والـ… آخر نفس كان معلقا على مشجب القوافي فيتسع حبل الإيقاع. صار، أيضا، بوسع الشاعر أن يجعل اللغة تابعة لمعانيه الرهيبة من أجل أن يصنع شكل حياته ويغادره إلى شكل آخر. لقد انفلت الزمام تماما وتعطلت بوصلة الكتاب النقدي».

قصيدة النثر اليوم هي المهيمنة، فهي حازت الشرعية حتى من قِبَل الذين ناصبوها العداء في مراحل سابقة، وبات من يكتب النص العمودي والنص التفعيلي كمن يجزئ مكونات الشعر على نحو يثير الشفقة.

■ انتبهت مبكّرًا إلى قيمة البعد الجمالي بدل الأيديولوجي الذي كان يسلب الشاعر صوته الفردي، في بناء ممارستك الشعرية. وضمن هذا البعد احتفاؤك بالسيرذاتي. كيف تنظر إلى مسألة السيرة الذاتية في سياق الشعر؟ ماذا يبقى منها، وما الذي ينضاف إليها؟
□ ما من شك في أن كل كتابة هي أثر دال على شيء قليل أو كثير من صاحبها، وعلى عصره. فالكتابة حياة والكاتب يُتْلِفُ معالمها الظاهرة بما ينفث فيها من رموز وظلال وإيحاءات. ولعل الشعر أن يكون الكتابة الأقرب إلى إظهار ذات الشاعر ولحظات دالة من مسار حياته، لأن الشعر إذا ابتعد عن التجارب الحيوية أوشك أن يفقد حرارته وتوهجه. لا يكتب الشاعر إلا ما يُدمي نفسه، وطبعا في علاقته بالآخرين وبالمرجعيات الاجتماعية والثقافية التي ينهل منها. لكل ذلك أرى أن حضور السيرة في النصوص الشعرية أمر بدهي لا يمكن نفيه، بل أكثر من ذلك في القصيدة يقول الشاعر أكبر معاني حياته، بدون أن يكون مضطرا لتفصيل ذلك في وقائع. وفي تجربتي الخاصة، وبدءاً من ديوان «سقوف المجاز» لاحظ كثير من الذين كتبوا عن شعري وجود نفس سردي بأساليبه الظاهرة، مثلما وجدوا إحالات على لحظات المعيش في أقصى تجلياته الواقعية أحياناً، بل أكثر من ذلك كنت أحياناً أضرب عن كتابة القصيدة لأنخرط في كتابة نصوص سردية حكائية.
■ كتبتَ سيرتك الذاتية التي نشرتَ أطرافًا منها. هل السيرة الذاتية سرداً أشفى للغليل، وتعيد ملء بياضات الشعر وفجواته المجازية؟
□ هذا سؤال يدعو إلى توضيح أكثر وإلى فصل النفس السيري في الشعر عن النفس السيري في النثر. قبل كتابة سيرتي الذاتية التي نشرت فصولا منها، وهي الآن مكتملة في مخطوط، بعد أن ضاع مبلغ الدعم الذي حصلت عليه من وزارة الثقافة بسبب ناشر غير مقدر لمسؤولياته، كنتُ قد نشرت مجموعة من النصوص السردية في ملاحق ثقافية مغربية وعربية، جمعتها بعد ذلك في كتاب «عناكب من دم المكان» صدر سنة 2001 بدعم من وزارة الثقافة. وكانت هذه النصوص سردية نثرية، ولكن تخترقها مقاطع شعرية. كأنني كنت أحاول فك أزمة ناشبة بين النثر والشعر وهما يتنازعانني، فلم أجد بداً من تلك المزاوجة. ولعل صدور الكتاب فسح لي، بعد ذلك، فرصة لتأمل هذه التجربة. ومن ذلك انطلقت لكتابة سيرتي الذاتية، لكن ليس على الطريقة التي درج عليها كتاب السيرة المعروفون، أي بالتتبع الكرونولوجي لمسار حياتهم، بل عمدت إلى كتابة تستحضر وقائع حقيقية في حياتي، لكن لا أدخل في تفاصيلها، بل أكتفي بما يتحصل لي من تأثيراتها.. بمعنى أنني كنت مأخوذا بمحاولة تحقيق بعد جمالي وفني ونفسي أكثر من اهتمامي بتفاصيل الأحداث… إن لجوئي لكتابة سيرتي الذاتية كان فعلا نوعا من تعويض استعصاء القصيدة ورغبة في الشبع من الكتابة.
■ انكببت في سياق مسارك الأكاديمي على نقد الشعر، فقرأت أبرز متون الشعر العربي الحديث والمعاصر. كيف تقيم العلاقة بين كونك شاعرًا وباحثًا في الشعر وعبره؟ وهل تتفق معي في أنّ النقد الشعري يعرف في وقتنا الحاضر تراجعًا مهولًا لصالح نقد آخر؟
□ سأكون صريحا في الجواب عن هذا السؤال، الذهاب إلى كتابة النقد الأدبي لم يكن اختيارا، وإنما جاء نتيجة حتمية لخوضي في بحوث الدراسات العليا: شهادة الدراسات المعمقة ودبلوم الدراسات العليا ودكتوراه الدولة. فالتمرس بالبحث العلمي الأكاديمي ومناهجه، بالإضافة إلى الانشغال بموضوع الشعر وشعرية القصيدة، باعتباره الموضوع الأقرب إلى النفس، هما السببان اللذان دفعاني إلى تجريب قراءة شعر زملائي من الشعراء المغاربة والعرب، كما أنني اقتديت في ذلك بشعراء كبار أقبلوا على كتابة نقد الشعر، أمثال أدونيس ومحمد السرغيني ومحمد بنيس وغيرهم. لكنني أبقي على المسافة اللازمة لئلا يغلب النقد على إبداعي الشعري، لأن كتابة النقد تبقى نوعا من الاحتفاء بأشعار زملائي التي تغريني بمشاكستها ومساءلتها، تلك المساءلة الجمالية، خصوصا في زمن يكاد يختفي فيه نقد الشعر، ويطغى نقد الرواية لأسباب غير أدبية. فالرواية بدأت تستقطب الجميع مبدعين ونقادا للإغراءات التي توفرها بعض الجهات الخليجية من مكافآت وجوائز.
■ ما هي طقوسك الخاصة أثناء الكتابة، وهل تعود إلى تنقيح ما تكتبه؟
□ ليست طقوسا بالمعنى المألوف، وإنما عادات متحكمة، فمثلا أكتب بإيقاع قليل وأظل أنتظر كأن الكتابة ستطرق بابي، أو كأنني أنتظر شيطان الشعر.. لكن الشيء الذي أنا متأكد منه هو أن الكتابة تسعفني عندما أكون في حالة غضب، أو يعتريني إحساس بالظلم، فتكون الكتابة الشعرية هي الملاذ الرؤوم الذي يعيد لي التوازن والهدوء. أما بخصوص التنقيح، فأعتبره على درجة كبيرة من الأهمية، إن لم يكن هو الكتابة الثانية للنص، لأن لحظة الكتابة بمزاجها الخاص وعنفها أحيانا قد تترك بعض الآثار التي تحتاج إلى تمحيص وإعادة نظر (تركيب عبارة ـ استبدال كلمة ـ شطب زوائد ـ تكثيف…إلخ). وقد أعود إلى تنقيح نص حتى بعد نشره. كما أنني آخذ بملاحظات بعض أصدقائي الذين أثق في ذائقتهم الفنية.

انتشار الثقافة الشعرية في العقود الأخيرة سمح بترسيخ الوعي الشعري لدى فئات عريضة من المهتمين.

■ بإيجاز، لماذا تكتب؟ ولمن تكتب؟
□ لماذا أكتب؟ أكتب صرختي التي لم يسعفني فيها فيزياء الجسد وكيمياؤه.. هي صرخة احتجاج على الحقيقة التي لا تريد أن تتجلى، وهي صرخة كينونة تريد أن تتجلى. أكتب لأعين نفسي على مواصلة الحياة. أما لمن أكتب؟ فأنا أكتب لنفسي وأكتب محبة في التواصل الرمزي والجمالي مع أشباهي.
■ بوصفك معنيًّا بسؤال الشعر المغربي، كيف تنظر إلى حاله اليوم، وإلى مستقبله بالنظر إلى الإكراهات الثقافية المتراصّة؟
□ يعرف الشعر المغربي حاليا تنوعا وتعددا في التجارب، وهي تأتي من تنوع وتعدد المرجعيات الوافدة، وكذلك من أصالة المرجعية الثقافية القائمة. إن انتشار الثقافة الشعرية في العقود الأخيرة سمح بترسيخ الوعي الشعري لدى فئات عريضة من المهتمين. هناك انتعاشة باتت ترى على المشهد الشعري المغربي في العقود الثلاثة الأخيرة، على مستوى تطور التجارب الشعرية. ومن حسنات هذه التجارب الجديدة معاداتها للتنميط وقبولها بالانفتاح على كل الحساسيات.
من جهة أخرى، يعاني الشعر المغربي من محدودية التداول وانحسار الجمهور المتذوق له. ولعل هذه سمة عامة تنسحب على الشعر العالمي ككل وإنْ بتفاوت. ربما يكون المستقبل أفضل بالنظر إلى الهياكل التي أنشئت في السنوات الأخيرة كبيت الشعر في المغرب الذي جاء ببرنامج طموح يتمثل في نشر الثقافة الشعرية على مستويات عدة ومن خلال برنامج متنوع يتمثل في نشر الكتب الشعرية الإبداعية والنقدية وتنظيم دورات أكاديمية وأمسيات شعرية. كما أن المشهد تعزز بتأسيس دارين للشعر في كل من مدينة تطوان ومدينة مراكش بتنسيق بين دائرة الثقافة في الشارقة ووزارة الثقافة المغربية، ومن شأن هذه المؤسسات أن تعطي دعما للثقافة الشعرية في المغرب.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *