نزار عبد الستار: أغلب الإنتاج الروائي العراقي يفتقر إلى الخيال
[wpcc-script type=”41ad2558a83e6195af4cf611-text/javascript”]
لفت القاص والروائي العراقي نزار عبد الستار ــ مواليد بغداد 1967 ــ نظر القرّاء والنقاد منذ صدور روايته الأولى (ليلة الملاك) 1999، والتي نال عنها جائزة أفضل رواية عراقيّة عن اتّحاد أدباء العراق. ثم توالت أعماله ما بين المجموعة القصصية والرواية، ومنها .. مجموعة (رائحة السينما) 2002، رواية (الأمريكان في بيتي) 2011، مجموعة (بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء) 2013، رواية (يوليانا) 2016، ورواية (تِرتِر) 2018. ليصبح صوتا روائيا متميزا، سواء داخل العراق والوطن العربي. وعن رؤيته للرواية العربية والعراقية بوجه خاص كان هذا الحوار ..
■ عادة ما تحوم الرواية العربية حول الدين والسياسة والجنس، فهل تختصر هذه الثيمات التقليدية الواقع؟
□ هذه الثيمات صممت لمرحلة ما قبل نكسة يونيو/ حزيران العربية وجرى التهاون معها في سبعينيات القرن الماضي، وهي بالطبع لا تختصر الواقع العربي ولا تمثله وسقطت فعليا مع ثورة مواقع التواصل الإلكترونية وولادة فكرة الافتراض، ونحن الآن لدينا ثيمات جديدة تنخر في الوعي الجمعي العربي وهي، الجهل والتخلف والتشدد وهذه الثيمات للتعميم وليست للتحريم وهنا تكمن المشكلة.
■ هل تؤثر الثيمات المطروحة في الرواية على تحديد لغتها؟
□ اللغة هي وسيلة الروائي الأولى، وهي فئة فنه ودرجة تميزه، وحين تضيق الحرية ويشتغل الخوف باعتباره المراقب والمحذر، فإن الرواية تسير في منحنيات الترميز والتلغيز، وهذا قد لا يؤثر على التلقي إذا ما امتلك الروائي أدواته، وبلغ النضج الفني الذي يؤهله لإيجاد منطقته المثلى، وفي العموم ما يحدد لغة الرواية هو نسبة الوضوح الكامنة في عقل الروائي، فجودة التوصيل هي قضية فنية في الدرجة الأساس، والروائي الكبير هو ذلك الذي يمتلك عقلا دقيق القياسات ولغة مشذبة ورشيقة وصافية الحس.
انتقلت الرواية العراقية عبر تاريخها من المدرسة الروسية إلى الرواية الفرنسية الجديدة، وهذا لا يؤشر إلى وجود نمو وحاجة فعلية، وإنما إلى التقليد والاستسلام لمزاجية الترجمة.
■ اللعب في إطار الشكل الفني والخيال، تقنيات فنية باتت تفرض حضورها في بنية الرواية العراقية، فهل هذا يكسرالحدود مع المتلقي؟
□ هذا الأمر تعمق في العقد الأخير من القرن العشرين، ولكنه سرعان ما ضعف في الرواية العراقية بعد عام 2003 لأن الكل انشغل بالكتابة عن الاحتلال الأمريكي للعراق، وكان لابد من استخدام تقنيات سهلة وبدائية، لكن الرواية العراقية عبر تاريخها انتقلت من المدرسة الروسية إلى الرواية الفرنسية الجديدة، وهذا في رأيي لا يؤشر إلى وجود نمو وحاجة فعلية، وإنما إلى التقليد والاستسلام لمزاجية الترجمة، فنحن في العراق لا توجد لدينا لغة ثانية، وبالتالي لا توجد احتكاكات إبداعية، فالرواية العراقية شديدة الانتماء لموروث الشخصية العراقية وخارجة عن المبنى المدني للطبيعة الروائية، فأغلب الذين كتبوا الرواية عاشوا في القرية، لهذا فهي غير مفهومة وغير مستساغة حتى وإن كتبت بشكل جيد، والأهم من كل هذا هو خضوعها لطبيعة النظام السياسي في العراق، ومثقفنا مؤدلج في العموم ويتبع السلطة، لذلك كلما ظهر تيار وارتفعت أسهمه سرعان ما تصيبه اللعنة ويغيب أثره.
■ من أين تستمد الشخصية الروائية حيويتها وحضورها المؤثر؟
□ من صدقها ومعقولية نموها وتميزها وخروجها عن النمطية. القضية هنا تتعلق بالموهبة وقدرة الروائي على الالتقاط والمراقبة والانتماء للحياة. من السهولة كشف تخلف أدوات الروائي من خلال شخصياته، فكلما كانت الشخصية سطحية ونمطية كان الروائي متواضع الوعي، ولا يمتلك تجربة إنسانية غنية. الشخصيات العظيمة والمؤثرة هي تلك التي تولد من وعي الكاتب بالحياة.
■ ما تعليقك على الرأي الذي يقول أن الشخصيات في النتاج الروائي العراقي تكاد أن تكون نمطية، وغالبا ما تكون انعكاسا لشخصية المؤلف؟
□ أؤيد هذا الرأي وأرى أنها واحدة من مشكلات الرواية العراقية، فأغلب الروايات لا تمتلك الهوية الفنية الصافية، وهي أقرب إلى التحقيق الصحافي منها إلى الرواية ومزاجية الكاتب ودرجة وعيه مهيمنة بشكل صادم، وهي لا تنم عن تجربة حقيقية، فضلا عن عيوب الثرثرة والاستطرادات غير الفنية، وهناك بعض الكتاب يعتمدون على الحجم في تجنيس أعمالهم، فكلما زادت الصفحات بنظرهم استحقت أن يكتب على غلافها «رواية».
■ هل من جماليات يمكن الحديث عنها في النتاج الروائي العراقي؟
□ عند غائب طعمة فرمان جماليات تستحق الاحترام.
■ هل تنتابك مخاوف من الكتابة؟
□ نعم..دائما وأبدا..
■ في عالم الكتابة الروائية هل هناك أسئلة تلح عليك؟
□ أسئلة تتعلق بمراقبة مديات الاختلاف بين عمل وآخر، وكيف يمكن تحقيق المزيد من الانضباط. الكتابة تحتاج إلى مهارات عدة ومشغل مختبري يدقق في كل النتائج. لقد تعبت كثيرا في كتابة رواية «يوليانا» ولكن الأمور كانت أسهل بكثير مع رواية «ترتر» والسبب أنني شخصت التجربة السابقة ودققت فيها.
■ إلى أي مدى أنت مرتبط بالتراث الحكائي المحلي، خاصة أن الفن الروائي قد تلاقحت مفرداته مع التراث؟
□ ارتبطت به في وقت مبكر جدا وكان يمثل مرتكزا فنيا بالنسبة لي وقد نضج عندي في الكتابة القصصية واستعنت به لاحقا في روايتي الأولى «ليلة الملاك» وبعدها «رائحة السينما» .مجمل المدون من التراث الحكائي كان يعتمد على أحادية المبنى، وهذا الأمر يجعله غير متناغم مع التقنيات الحديثة في القصة والرواية، لذلك كان لابد من تطوير التكنيك الحكائي وإيجاد بنى تكون قادرة على إنتاج الحكاية من الواقع المعاش بدون الاعتماد على الزمن الحكائي التراثي.
■ يتسم النتاج الروائي العراقي بالجمود من حيث ما يطرحه من أفكار،فما رأيك ؟
□ نعم والسبب قلة نضج الكاتب وغياب التجربة وتسيد الذاتية بينما الكتابة الروائية تتطلب الكثير من الطاقات العقلية، فضلا عن المنهج الفني العلمي.
■ هناك تقانات فنية استهلكت كثيرا، ومع ذلك ما يزال العديد من الكتاب يلجأون إليها، ألا يعد ذلك انسدادا في أفق الكُتَّاب؟
□ هو نوع من التقليد، فحين تنجح رواية غربية تجد العديد من الكتاب يلهثون في تقليدها، وهذا يكشف عن فقر الموهبة وعدم جدية النص الروائي، علما أن هذه التقنيات تعود إلى بدايات فن الرواية وهي مستهلكة إلى درجة نافرة لكن نراها الآن تتكاثر بشكل غير مسبوق وهذا دليل تراجع.
■ في رأيك ما هي علامات ضعف الإنتاج الروائي العراقي؟
□ ضعف الأسلوب وركاكة الجملة وفقر الموهبة وارتباك البناء وعدم القدرة على خلق التناغم، وهناك ضعف في الخيال وأغلب الإنتاج العراقي الروائي يفتقر إلى الشد ولا يمكن التواصل معه إلى النهاية.
■ اذا قارنا النتاج الروائي العراقي مع النتاج الغربي، أو أدب أمريكا اللاتينية، ما الذي يمكن أن نخرج به من ملاحظات؟
□ النتاج الغـــربي واللاتيني فيهما فن وحياة وهذا ما تفتقـر إليه الرواية العراقية في تجاربها الجديدة.