طيب‭ ‬جبار‭: ‬فلسفة‭ ‬القصيدة‭ ‬هي‭ ‬اغتراب‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬

يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬الفرنسي‭ ‬بول‭ ‬فاليري،‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬انتهاء‭ ‬لما‭ ‬يعنيه‭ ‬وقد‭ ‬يكمنُ‭ ‬سرُ‭ ‬الشعرِ‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يحتويه‭ ‬من‭ ‬معانِ‭ ‬ودلالات‭ ‬مُتعددة،‭ ‬وثورته‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العادية‭ ‬وارتياده‭ ‬آفاقا‭ ‬مجهولة،‭ ‬لأنَّ‭ ‬الشعر‭ ‬مجهول‭ ‬يبحثُ‭ ‬عن‭ ‬مجهول،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬شمس‭ ‬الدين،‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬يمكنُ‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬طالما‭ ‬معرفة‭ ‬ذاك‭ ‬المجهول‭ ‬تراود‭ […]

طيب‭ ‬جبار‭: ‬فلسفة‭ ‬القصيدة‭ ‬هي‭ ‬اغتراب‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬

[wpcc-script type=”6eaf5bb9fbe0b22b8d9138c0-text/javascript”]

يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬الفرنسي‭ ‬بول‭ ‬فاليري،‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬انتهاء‭ ‬لما‭ ‬يعنيه‭ ‬وقد‭ ‬يكمنُ‭ ‬سرُ‭ ‬الشعرِ‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يحتويه‭ ‬من‭ ‬معانِ‭ ‬ودلالات‭ ‬مُتعددة،‭ ‬وثورته‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العادية‭ ‬وارتياده‭ ‬آفاقا‭ ‬مجهولة،‭ ‬لأنَّ‭ ‬الشعر‭ ‬مجهول‭ ‬يبحثُ‭ ‬عن‭ ‬مجهول،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬شمس‭ ‬الدين،‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬يمكنُ‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬طالما‭ ‬معرفة‭ ‬ذاك‭ ‬المجهول‭ ‬تراود‭ ‬الإنسان‭. ‬فكانت‭ ‬الأسبقية‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الكردي‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الآداب‭ ‬الأخرى‭ ‬للشعر،‭ ‬فبرزت‭ ‬أسماء‭ ‬شعرية‭ ‬أغنت‭ ‬اللغة‭ ‬بإبداعها،‭ ‬فالشاعرُ‭ ‬طيب‭ ‬جبار‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬خصوصيتها،‭ ‬إذ‭ ‬يكتبُ‭ ‬الشعر‭ ‬ليحتفي‭ ‬بالذات‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الصخب‭ ‬والعبارات‭ ‬المشحونة‭ ‬بالنفس‭ ‬الأيديولوجي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬نظر‭ ‬النقاد‭ ‬إلى‭ ‬إبداعه‭ ‬الشعري،‭ ‬إذ‭ ‬نشرت‭ ‬دراسات‭ ‬عديدة‭ ‬عن‭ ‬مجاميعه‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬ترجمها‭ ‬الناقد‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬برزنجي‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬صدرت‭ ‬مؤلفات‭ ‬نقدية‭ ‬حول‭ ‬تجربة‭ ‬الشاعر‭ ‬منها‭ ‬‮«‬رائحة‭ ‬الالتفات‮»‬،‭ ‬‮«‬المرشد‭ ‬إلى‭ ‬الظلام‮»‬‭.‬

■‭ ‬من‭ ‬الهندسة‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لديك‭ ‬اهتمام‭ ‬بمجال‭ ‬اختصاصك‭ ‬إلا‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬يعزز‭ ‬عندك‭ ‬الذائقة‭ ‬الأدبية،‭ ‬هل‭ ‬أصبحت‭ ‬مقتنعا‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬الوظائف‭ ‬مدمرة‭ ‬للروح‭ ‬بأستثناء‭ ‬الشعر؟
□‭ ‬عفوا،‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬جئتُ‭ ‬إلى‭ ‬الهندسة‭. ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬الشعر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬اصبح‭ ‬مهندسا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬طالبا‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الهندسة‭. ‬بدأت‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬1970،‭ ‬واصبحتُ‭ ‬طالبا‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الهندسة‭ ‬أواسط‭ ‬سنة‭ ‬1972‭ ‬وتخرجت‭ ‬سنة‭ ‬1976‭. ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الهندسة‭ ‬من‭ ‬اهتماماتي،‭ ‬ولم‭ ‬أفكر‭ ‬فيها،‭ ‬ولكن‭ ‬كنت‭ ‬مهتما‭ ‬بالرسم‭ ‬الزخرفي،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬داهمني‭ ‬قبل‭ ‬الهندسة،‭ ‬وكنت‭ ‬أكتب‭ ‬الشعر‭ ‬خلال‭ ‬دراستي‭ ‬الجامعية‭ ‬وبعد‭ ‬التخرج‭ ‬أيضا‭. ‬نعم‭ ‬الوظائف‭ ‬والمهن‭ ‬مدمرة‭ ‬للروح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬إذ‭ ‬تُبعدك‭ ‬عن‭ ‬مدار‭ ‬اهتماماتك‭ ‬الذاتية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ممارستي‭ ‬للهندسة‭ ‬كمهنة‭ ‬توصلتُ‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشتركات‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والهندسة،‭ ‬الشعر‭ ‬فن،‭ ‬كذلك‭ ‬الهندسة‭ ‬علم‭ ‬وفن،‭ ‬كلاهما‭ ‬يحاولان‭ ‬خلق‭ ‬صورة‭ ‬جديدة،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬أداة‭ ‬الشعر‭ ‬هي‭ ‬الكلمة‭ ‬فإنّ‭ ‬أداة‭ ‬الهندسة‭ ‬هي‭ ‬المواد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬الشعر‭ ‬يخلق‭ ‬صورة‭ ‬معنوية‭ ‬تمنحك‭ ‬المتعة‭ ‬والدهشة،‭ ‬والهندسة‭ ‬بدورها‭ ‬تقدمُ‭ ‬صورة‭ ‬مادية‭ ‬ماتعة‭ ‬ومُفيدة‭. ‬الشعر‭ ‬يتعامل‭ ‬معنويا‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬مفردات‭ ‬الطبيعة‭ ‬والإنسان‭ ‬بواسطة‭ ‬اللغة،‭ ‬لخلق‭ ‬الصورة‭ ‬الجديدة‭ ‬وتوفير‭ ‬المتعة‭ ‬والإدهاش‭ ‬والسعادة‭ ‬الروحية،‭ ‬الهندسة‭ ‬تتعامل‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المادي‭ ‬مع‭ ‬المُعطيات‭ ‬الطبيعية‭. ‬

■‭ ‬استعادة‭ ‬الذكريات‭ ‬ركن‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬موضوعاتك‭ ‬الشعرية،‭ ‬ويبدو‭ ‬هذا‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬مجموعتك‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬الزمــــان‭.. ‬الظــلام‭ ‬كان‭ ‬أبيض‮»‬،‭ ‬هل‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الشعراء‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬خارج‭ ‬الشعر‭ ‬مساحة‭ ‬أخرى‭ ‬لسرد‭ ‬ذكرياتهم؟‭ ‬
□‭ ‬هذا‭ ‬رأي‭ ‬أكثرية‭ ‬النقاد‭ ‬والمفكرين‭ ‬بأن‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسي‭ ‬للإبداع‭ ‬هو‭ ‬الخيال‭ ‬والذاكرة،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يلعبان‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬لديّ‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الصورة‭ ‬وكتابة‭ ‬الشعر‭. ‬إذا‭ ‬كانت‭ (‬العبقرية‭ ‬هي‭ ‬استعادة‭ ‬الطفولة‭ ‬قصدا‭) ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بودلير،‭ ‬فإن‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬كذلك،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬الذاكرة‭ ‬هي‭ ‬موئل‭ ‬الإبداع،‭ ‬وأنا‭ ‬أستعيدُ‭ ‬سنوات‭ ‬الطفولة‭ ‬والبراءة‭ ‬والطبيعة‭ ‬الخلابة‭ ‬المتغيرة‭ ‬خلال‭ ‬الفصول‭ ‬الأربعة‭ ‬لقريتي‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬كركوك،‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سهلية‭ ‬محاطة‭ ‬بالهضاب‭ ‬والتلول‭ ‬والوديان‭ ‬والينابيع،‭ ‬فإن‭ ‬مكونات‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬تُرافقني‭ ‬وصورها‭ ‬تنبضُ‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭. ‬أعتقدُ‭ ‬أن‭ ‬مُحترف‭ ‬الشاعر‭ ‬هو‭ ‬ذاكرته‭ ‬ومخيلته‭ ‬لابتكار‭ ‬صور‭ ‬بديعة‭ ‬وبريئة‭ ‬ودافئة،‭ ‬تخلق‭ ‬الدهشة‭ ‬والإعجاب‭ ‬والفرح‭ ‬لدى‭ ‬المتلقي‭. ‬نعم‭ ‬الشعراء‭ ‬يحبون‭ ‬سرد‭ ‬ذكرياتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشعر‭ ‬وليس‭ ‬السرد‭ ‬النثري‭.‬

الشعر‭ ‬يخلق‭ ‬صورة‭ ‬معنوية‭ ‬تمنحك‭ ‬المتعة‭ ‬والدهشة،‭ ‬والهندسة‭ ‬بدورها‭ ‬تقدمُ‭ ‬صورة‭ ‬مادية‭ ‬ماتعة‭ ‬ومُفيدة

■‭ ‬بخلاف‭ ‬مجايليك‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬تغيب‭ ‬قصائد‭ ‬تعبوية‭ ‬في‭ ‬نتاجك‭ ‬الشعري،‭ ‬كيف‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬أطر‭ ‬هذه‭ ‬الأنماط‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬راجت‭ ‬لمدة‭ ‬غير‭ ‬قصيرة؟‭ ‬
□‭ ‬أنا‭ ‬لديّ‭ ‬قصة‭ ‬غريبة‭ ‬مع‭ ‬الشعر،‭ ‬قصتي‭ ‬تنقسم‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل،‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ (‬1970-1987‭) ‬التي‭ ‬ضاعت‭ ‬أكثر‭ ‬قصائدي‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬بسبب‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية‭ ‬والنضال‭ ‬الكردي‭ ‬المسلح‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ (‬1987-2008‭) ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬أتوقف‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متنوعة،‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأكبر‭ ‬بالشعر،‭ ‬كما‭ ‬دأبتُ‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬دراسات‭ ‬ومقالات‭ ‬نقدية‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر‭ ‬والهندسة‭. ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ (‬2008-‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭) ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬العودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر،‭ ‬ولكن‭ ‬بصورة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬قصائد‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬وبأسلوب‭ ‬مُغاير‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬سائدا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الشعري‭ ‬آنذاك‭. ‬واستنفدت‭ ‬القصائد‭ ‬التعبوية‭ ‬رصيدها‭ ‬لذا‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الهموم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والجمالية‭ ‬والفردانية‭. ‬إنَّ‭ ‬جُلَّ‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬والمترجمة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬قصائدي‭ ‬السابقة،‭ ‬وحاولت‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬النمطية‭. ‬ولستُ‭ ‬ضمن‭ ‬المشهد‭ ‬الشعري‭ ‬السائد‭ ‬وهم‭ ‬يعترفون‭ ‬بذلك‭. ‬

■‭ ‬عندما‭ ‬تكتب‭ ‬قصائد‭ ‬سياسية‭ ‬تختار‭ ‬أسلوبا‭ ‬تهكميا،‭ ‬ألا‭ ‬توجد‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى‭ ‬لمقاربة‭ ‬موضوع‭ ‬السياسة‭ ‬غير‭ ‬التهكم‭ ‬والسخرية‭ ‬اللاذعة؟‭ ‬
□‭ ‬جميع‭ ‬قصائدي‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الاولى‭ ‬تقريبا‭ ‬قصائد‭ ‬سياسية‭ ‬وتعبوية‭ ‬مؤيدة‭ ‬للكفاح‭ ‬التحرري‭ ‬الكردي،‭ ‬جمعتها‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬واحد‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مرثية‭ ‬الرماد‮»‬‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬فإن‭ ‬قصائدي‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وكردستان‭ ‬العراق‭ ‬تطرق‭ ‬أبوابنا‭ ‬يوميا،‭ ‬مهما‭ ‬حاولنا‭ ‬الابتعاد،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬نفتح‭ ‬الباب‭ ‬فتدخل‭ ‬من‭ ‬الشباك،‭ ‬لذلك‭ ‬دخلت‭ ‬السياسة‭ ‬بعض‭ ‬قصائدي‭ ‬عنوة،‭ ‬مثل‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬دعاية‭ ‬انتخابية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬زمان‭ .. ‬الظلام‭ ‬كان‭ ‬أبيض‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬القصيدة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قوائم‭ ‬حزبية‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ولكن‭ ‬بصور‭ ‬وجمل‭ ‬شعرية‭ ‬جمالية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬وفيها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التهكم‭ ‬والسخرية‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬والانتخابات،‭ ‬حيث‭ ‬تجتمع‭ ‬جميع‭ ‬القوائم‭ ‬في‭ ‬المقطع‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬واحدة‭ (‬الكل‭)‬،‭ ‬الكل‭ ‬يرددون‭ ‬الشعارات‭ ‬الجوفاء‭ ‬والتعهدات‭ ‬الفارغة‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬قصائد‭ ‬سياسية‭ ‬مباشرة‭ ‬تحمل‭ ‬شعارات‭ ‬وأفكار‭ ‬مستهلكة‭. ‬

■‭ ‬يجول‭ ‬شبح‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬قصائدك‭ ‬وأنت‭ ‬تتخيل‭ ‬سيناريو‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬فيها‭ ‬أيامك،‭ ‬وما‭ ‬تتوقعه‭ ‬يوحي‭ ‬بمشاهد‭ ‬آخروية‭. ‬لماذا‭ ‬استباق‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬مستبصرا‭ ‬حيثياته،‭ ‬هل‭ ‬الدافع‭ ‬هو‭ ‬الرغبة‭ ‬لسرد‭ ‬حدث‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬سرده‭ ‬حين‭ ‬يقع؟‭ ‬
□‭ ‬إن‭ ‬شبح‭ ‬الموت‭ ‬موجود‭ ‬لدى‭ ‬أكثرية‭ ‬الكتاب‭ ‬والشعراء‭ ‬لجميع‭ ‬الشعوب‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا،‭ ‬لأن‭ ‬الموت‭ ‬يقين‭ ‬وحيد‭ ‬وحقيقة‭ ‬خالدة‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أشاطرك‭ ‬الرأي‭ ‬بأن‭ ‬الموت‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬قصائدي،‭ ‬لأنني‭ ‬بصراحة‭ ‬لا‭ ‬أفكر‭ ‬كثيرا‭ ‬بالموت‭ ‬لحد‭ ‬الآن،‭ ‬مازلتُ‭ ‬أرى‭ ‬نفسي‭ ‬شابا‭ ‬نشيطا‭ ‬رغم‭ ‬تقدم‭ ‬العمر،‭ ‬وإن‭ ‬قصيدتي‭ ‬الطويلة‭ ‬المشهورة‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬أموت‮»‬‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬يوم‭ ‬مماتي‭ ‬وماذا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬وليس‭ ‬الموت،‭ ‬وإن‭ ‬فلسفة‭ ‬القصيدة‭ ‬هي‭ ‬اغتراب‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬وفيا‭ ‬معه،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬قدمتَ‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬التضحيات،‭ ‬فيوم‭ ‬موتي‭ ‬مكونات‭ ‬وظواهر‭ ‬الطبيعة‭ ‬تبكي‭ ‬وتتأسف‭ ‬على‭ ‬رحيلي‭ ‬وتقيم‭ ‬لي‭ ‬مراسم‭ ‬الدفن‭ ‬والعزاء‭ ‬وليس‭ ‬الإنسان‭.‬

■‭ ‬المباغتة‭ ‬الناشئة‭ ‬من‭ ‬المفارقات‭ ‬اللغوية‭ ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكلمات‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تستأثر‭ ‬بنصوصك‭ ‬الشعرية‭. ‬من‭ ‬أين‭ ‬تأتي‭ ‬هذا‭ ‬الرغبة‭ ‬لنزع‭ ‬الصفات‭ ‬المألوفة‭ ‬من‭ ‬المعطيات‭ ‬وتقديمها‭ ‬في‭ ‬صيغ‭ ‬وعبارات‭ ‬مغايرة؟‭ ‬
□‭ ‬الإبداع‭ ‬هو‭ ‬خلق‭ ‬شيء‭ ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجودا،‭ ‬والشعر‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬شعرا‭ ‬بدون‭ ‬خلق‭ ‬أواصر‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الكلمات،‭ ‬سواء‭ ‬بالمفارقات‭ ‬اللغوية‭ ‬أو‭ ‬إنشاء‭ ‬علاقات‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الأشياء‭ ‬الحسية‭ ‬وظواهر‭ ‬الطبيعة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتحويل‭ ‬المألوف‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬المألوف‭ ‬وبالعكس،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬خلق‭ ‬لغة‭ ‬جديدة‭ ‬بموازاة‭ ‬لغة‭ ‬متداولة،‭ ‬فالشاعرُ‭ ‬يستمدُ‭ ‬مواده‭ ‬اللغوية‭ ‬من‭ ‬قراءاته‭ ‬المُتشعبة‭ ‬ومشاهداته‭ ‬اليومية‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬الشــاعرُ‭ ‬في‭ ‬تثوير‭ ‬اللغة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬مخزونه‭ ‬الثقافي،‭ ‬لا‭ ‬يتمكنُ‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬شيء‭ ‬مُختلف‭ ‬فبالتالي‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬صوره‭ ‬الشعرية‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬تبدو‭ ‬فارغة‭ ‬من‭ ‬عنصر‭ ‬اللذة‭ ‬والدهشة‭ ‬والإعجاب‭ ‬لدى‭ ‬المتلقي‭.‬
‭ ‬وكما‭ ‬قلتُ‭ ‬سابقا‭ ‬فأنا‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬ذاكرتي‭ ‬ومخيلتي‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬قصائدي،‭ ‬لذا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬قصائدي‭ ‬مختلفة‭ ‬وأعتمد‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬غير‭ ‬الواقعية‭ ‬الميتافيزيقية،‭ ‬التي‭ ‬تتجسد‭ ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المتلقي‭ ‬وليست‭ ‬الصور‭ ‬الغامضة‭ ‬المعقدة،‭ ‬ولا‭ ‬أعتمد‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬والطروحات‭ ‬والشعارات‭ ‬الواقعية‭ ‬المستهلكة‭.‬

■‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬قراءاتك‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الشعري‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تتابع‭ ‬الرواية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الشعر‭. ‬ماذا‭ ‬يضيف‭ ‬فن‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬الشعر؟‭ ‬
□‭ ‬نعم‭ ‬أنا‭ ‬أقرأ‭ ‬الرواية‭ ‬وأتابعها،‭ ‬وكذلك‭ ‬أقرأ‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عدة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والتاريخ‭ ‬والفلسفة،‭ ‬قراءاتي‭ ‬متنوعة،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الروافد،‭ ‬خاصة‭ ‬الرواية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬عناصر‭ ‬أساسية‭ ‬لديّ‭ ‬لكتابة‭ ‬الشعر،‭ ‬وإنما‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬اعتبرها‭ ‬عوامل‭ ‬تمدني‭ ‬بأجواء‭ ‬صافية‭ ‬تساعدني‭ ‬للدخول‭ ‬إلى‭ ‬كهف‭ ‬الشعر‭. ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬مصادر‭ ‬كتابية‭ ‬أو‭ ‬هوامش‭ ‬توضيحية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬إلهام‭ ‬وإشراقات‭ ‬تأتيني‭ ‬في‭ ‬مواعيد‭ ‬وأماكن‭ ‬غير‭ ‬محددة،‭ ‬وإن‭ ‬بعض‭ ‬انطباعاتي‭ ‬اليومية‭ ‬وحواراتي‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬نواة‭ ‬تنبثقُ‭ ‬منها‭ ‬الصور‭ ‬والقصائد،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الرئيسي‭ ‬للمخيلة‭ ‬والذاكرة‭. ‬

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *