الروائي اللبناني محمد حسين الأطرش: حين يوقن المتحاربون أنّ لا دين للدولة سوى المواطنة… سيكون المستقبل
[wpcc-script type=”6f84833aad4dc87f81ce1874-text/javascript”]
عمان ـ «القدس العربي»: محمد حسين الأطرش روائي لبناني، من مواليد بلدة «عرسال» في لبنان عام 1971، مُقيم في كندا منذ سنوات. أصدر أوّل أعماله الروائية عام 2011 بعنوان «مريم ذاكرة وطن» عن دار «فضاءات» في عمّان وبدعم من الصالون الثقافي الأندلسي. إلى جانب عمله كمحامٍ، يشغل الأطرش عضويّة مجلس أمناء المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط. كما وتولى لعدة سنوات إدارة تحرير جريدة «المستقبل» الكندية.
في تشرين الأول/أكتوبر 2014 احتفل الأطرش مع صديقيه سميح مسعود وجورج عزاره بمرور أربع سنوات على تأسيسهم «الصالون الثقافي العربي» في مونتريال- كندا للتعريف بالثقافة العربية، في الوقت نفسه الذي احتفل فيه بإصدارات الصالون التي بلغت أكثر من خمسة وعشرين كتاباً ورقياً ورقمياً، ناهيك عن عشرات المحاضرات الثقافية.
حول تجربته الإبداعية كان لصحيفة «القدس العربي» هذا الحوار الخاص معه.
■ كيف كانت بداية قصتك مع الأدب؟ وماذا تعني الكتابة لك؟
□ أدخل عالم الكتابة من بوابة الفضول لأتعرّف على أشخاص يشبهون من أقابلهم في الحياة. الكتابة رسم على الورق لذواتٍ جديرة بالاهتمام. لكنها أيضاً محاولة لتفريغ شحنات داخلية تضطّرب في لحظة ما، دافعة الكاتب لتسجيلها.
■ لماذا اخترت «مريم ذاكرة وطن» عنواناً لروايتك الأولى؟ وكيف ترى روايتك هذه بعد مرور أربع سنوات على صدورها؟
□ لم أفكر أصلاً بعنوانٍ آخر. في الرواية مريم هي الوطن وذاكرته والبوح الداخلي, والسرد هو كلّهُ ذاكرة مريم. أشعر الآن بأنّه كان من الممكن أن تحمل الرواية اسم المكان «كفر المنسي» بدون أن يتغير الكثير لأنّ «كفر المنسي» هي أيضاً صورة الوطن وذاكرته. وبعد أربع سنوات وأنا على مسافة قصيرة من إتمام روايتي الثانية أشعر بأنّ «مريم» طفلتي الأولى التي وضعت فيها روحي، لذلك أراها بعين الأب لا بعين الروائي.
■ ماذا يمثل لك العنوان الروائي؟ وهل يمكن للرواية أن تعيش بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا؟
□ العنوان الروائي هو المفتاح الذي يديره الروائي ليدخل العالم الذي يسعى إلى تأسيسه.
ولا أتصور عملاً روائياً استطاع الابتعاد كُليّاً عن السياسة والإيديولوجيا, لأنّ كلاهما أحد مكونات الزمكان في عالم الرواية.
■ ما هو الهاجس الذي يحرك قلم محمد حسين الأطرش، وما هي القضية الرئيسة لديك؟
□ ما دفعني لكتابة «مريم ذاكرة وطن» وما يدفعني للكتابة أيضاً, وما أشعر بأنه قضيتي الرئيسة هو مأزق الهويّة. أسئلة الهويّة واللغة.
■ لمن تكتب, وكيف تبدو لك لحظة الكتابة؟ وهل تعاني من مأزق الورقة البيضاء؟
□ أكتب لأستمر على قيد الحياة. الحياة التي تحملك الكتابة إليها لفهم ما يحيط بك في أغلب الأحيان. إذ قد تعيش لأشهر أو سنوات متنقلاً بين عالمين, الأمر الذي يمنحك إحساساً من نوع خاص جداً. عندما تولد الرواية كائناً مستقلاً تشعر بأنك خلقتَ حياة جديدة تتنفس بعيدا عنك. ما بعد ذلك لا يعنيني كثيراً فأعود قارئاً يبحث عن رواية يقرأها ليحيا فيها.
■ هل تعتقد أنّ بوسع أيّ كاتب أن يصبح روائياً؟ ومن هم أساتذتك القدماء والجدد في الرواية؟
□ «مريم ذاكرة وطن» لم تمنحني الإحساس بأني أصبحت روائياً. ربما لأنني لم أشعر بأني كتبتها بقدر ما شعرت بأنّي أديت واجباً تجاه مريم وتحقيقاً لوعد قطعته لها وأنا ابن عشر سنوات. لكي تكتب يوماً، لا بُد أن تكون العلاقة بالأدب قوية ومستمرة ولسنوات طويلة. ليس كل قارئ جيد يصبح بالضرورة كاتباً أو روائياً، لكن الكاتب أو الروائي بالضرورة قارئ جيد.
والقارئ الجيد نوعان. نوع تدفعه للكتابة لحظة مُحفّزة يلجأ إلى تحليل ظروفها واستخلاص النتائج وهو ما يقوم به الكاتب عموماً. في حين أن النوع الثاني ينطلق من لحظة ما متخذاً مساراً طويلاً في البحث عن خلفية الشخصية التي ارتكبت أو وقع عليها الحدث، ليبدأ مرحلة تقصٍّ نفسي واجتماعي وزمني ومكاني ليشعر بلحظة امتلاء تدفعه لتفريغ ما تشكل من ألوان في داخله فتولد اللوحة على شكل رواية. بمعنى آخر، لا يحتاج الكاتب لمخيلة خصبة في حين لا يولد روائي من دون مخيلة فذة.
■ كيف يتحدّد مفهومك للحداثة، من التراث الذي يجب الاتكاء عليه وتمثّله، أم من الغرب الذي تنبثق منه الآن الحداثة؟
□ أعتقد بأنّ العرب لم يدخلوا مرحلة الحداثة كما عرفها الغرب. ما عرفه العرب هو نماذج حداثية ربما حتى قبل أن يدخل الغرب هذه المرحلة، فكما يقول «محمد أركون» (يُعتبر «الجاحظ» من ناحية الحداثة المعرفية من أفضل المُحدثين لكل المواقف الفكرية). الغرب دخل مرحلة الحداثة مرة واحدة في كافة المجالات، زمنياً ومعرفياً، وصار يتحدث عن مرحلة ما بعد الحداثة. في حين أنّ ما يتحدث عنه العرب ليس إلاّ حداثة موضعية في مجال الأدب دون غيره.
■ يقول البعض بوجود أزمة ثقافة، ويذهب آخرون إلى تسميتها أزمة مثقفين، ما رؤيتكم لهذه القضية؟
□ أزمة الثقافة هي بحد ذاتها أزمة مثقفين, وهي ترتبط إلى حدٍ ما بمفهوم الحداثة. الأرقام لا تكذب فنحن رغم المناخ الإيجابي الذي تعيشه الرواية حالياً، إلاّ أنّ نسبة ما يُطبع ويُقرأ في الوطن العربي لا يعادل بالأرقام ما عليه الحال في أصغر بلد أوروبي.
العربي لا يقرأ لأسباب عديدة يبقى الفقر أهمّها، وغياب الدور التثقيفي في المدارس. إن المناهج التربوية في الوطن العربي ترجع لعقود من الزمن، بحيث يغيب عنها كُليّاً مفهوم الحداثة، وبالتالي باتت الهوّة عميقة بين المواطن وما يُقدّم له ثقافيّاً. من جهة أخرى إنّ سعي المثقف للتماهي مع حداثة الغرب جعله في غربة عما حوله, فصارت المصيبة أعظم.
■ ما المؤثرات التي أسهمت في تكوين تجربتك السرديّة، وما المرجعيات الفكرية والثقافية التي استندت إليها في بلورة روايتك الأولى, وهل لطفولتك من تأثير على كتابتك؟
□ أنهيت قراءة مؤلفات «جبران خليل جبران» كاملة ولم أتجاوز الخامسة عشرة من عمري, في الوقت نفسه أنهيت كتاب «نهج البلاغة» للإمام علي و»الحسبة» لابن تيمية. فقط لأقول بأنني كنت أقرأ كل شيء يصل إلي. لكن يبقى بالنسبة لي أدباء أمريكا اللاتينية، وفي مقدمتهم «غابريال غارسيا ماركيز» المدرسة التي ما زلت مًقيماً فيها.
أما بالنسبة لروايتي الأوّلى التي تجري أحداثها في «كفر المنسي» فهي على تماس مباشر مع سني طفولتي وشبابي. كثيرون وجدوا في ذاك المكان صورة بلدتي «عرسال», وهذه حقيقة لأنّ المكان بكل أبعاده هو المكان الذي ولدت فيه وأحفظ تفاصيله غيباً, وإن كانت أحداث الرواية يمكن أن تكون في لبنان أو سوريا أو فلسطين أو العراق.
■ ماذا يعني المكان لمحمد الأطرش؟
□ لم أستطع يوماً فصل المكان عن الزمان. الزمكان هو فضاء الرواية وبُنيتها. لذلك يبقى المكان العنصر الأول المُتغيّر زمنيّاً بسرعة الضوء, وهو ما يقوم الروائي بإعادة تأسيسه وبنائه.
■ ساهمت في تأسيس «الصالون الثقافي الأندلسي» في مونتريال بكندا، أرجو أن تعطي القارئ العربي نبذة موجزة عن جهودكم في هذا الإطار؟
□ قام «الصالون» على فكرة قدمها سميح مسعود وتشجّع لها جورج عزارة، وكنت مُتحمّساً منذ اللحظة الأولى لها لكن لم أتصور أبداً أن نستمر ثلاثتنا بالحماس نفسه بحثاً عن كل جديد يمكن تقديمه للتعريف بالثقافة العربية. بعد أربع سنوات صرنا نفخر بأنّ أصدقاء «الصالون الثقافي الأندلسي» يتزايدون باستمرار، ويُشار إلى أمسياتنا الثقافية بكونها من المواعيد المُهمّة على المفكرة الثقافية لمدينة مونتريال.
كتب الصالون الورقية توجد في معظم معارض الكتب العربية، عبر دار «فضاءات» أو مؤسسة «نون» للنشر. ويمكن تصفّح كتبنا الرقمية مجاناً عبر الإنترنت. ولدينا اتفاقيات تعاون مع «رابطة الكتاب الأردنيين» ومع «جمعية شروق» الجزائرية، حيث قمنا بنشر ديواني شعر لشعراء جزائريين، ومن المنتظر أن تقوم الجمعية بإصدار كتابين لكل من سميح مسعود ومحمد حسين الأطرش.
ندفع حالياً إلى المساهمة في تعزيز النشر الرقمي، خصوصاً للكتاب الشباب، من خلال مسابقة ثقافية يقيمها «الصالون» وننشر مجاناً الأعمال الفائزة. خلال عام 2014 قمنا باختيار خمسة أعمال وهي متاحة من خلال الموقع الإلكتروني: www.ekitabe.com
■ كيف ينظر المجتمع الكندي للمهاجرين العرب في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد أحداث الصحيفة الفرنسية، وهل تشعرون بمضايقات داخل المجتمع الكندي؟
□ منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر, مروراً بحادثتين صغيرتين قام بهما شابان كنديان سبق لهما أن أعلنا إسلامهما، وصولاً إلى حادثة «شارلي إيبدو», يشعر المهاجرون العرب بالذات بمضايقات, لكن لا ينبغي أيضاً إعطائها أكثر من حجمها. المجتمع الكندي عموماً مجتمع منفتح ومضياف, ولا ينبغي لأحداث فردية أن تعطي طابعاً سلبياً عنه. لكن تنبغي الإشارة أيضاً إلى أنّ موقف الكندي، أو أي شخص عموماً، تجاه الآخر إنما ينبع أصلاً من الصورة التي يقدمها هذا الآخر عنه، فبعض الخوف الناشئ من العرب تنامى بفعل بعض الممارسات لمُتطرّفين مُسلمين.
■ يُعاني العالم العربي من ضعف الصلة بين الأدب وقرّائه, بين الثقافة العربية وأبنائها, ما مدى انتشار هذه الظاهرة في الغرب، وفي كندا خاصّة؟
□ لا يمكن إجراء أي مقارنة من هذا النوع. يُشكّل الكتاب هنا رفيقاً دائماً. في وسائل النقل العام، في الحدائق والمنتزهات وحتى على مقاعد الانتظار فوق الرصيف. معرض الكتاب في مونتريال هو تظاهرة سنوية للكنديين من مختلف الأعمار. في كل حي أو دائرة هناك مكتبة عامة وصارت هذه المكتبات تخصّص قسماً فيها للكتاب العربي.
وأعتقد بأنّ الهوّة الموجودة في الثقافة العربية، مردها أنّ معظم الشعراء العرب درجوا على اعتبار الحداثة في الشعر معناها الابتعاد بالنص قدر المستطاع عن إمكانية الفهم, فصار الشعر في معظمه لغة كرشونية غير مفهومة.
أتذكر هنا أنّ الشاعر السوري «فرج بيرقدار» قام مع بعض أصدقائه في السبعينات باختيار عشوائي لجمل شعرية من قصائد مختلفة, وجمعوها في قصيدة واحدة فتم اختيارها للنشر في مجلة «شعر»!!.
■ كيف ترى دور الأدب في حركة المجتمع، وما هو باعتقادك المعوّق الأساسي في أن يكون للمثقف دور مؤثر على حركة الشارع والتاريخ؟
□ يمكن للأدب أن يشكل دوراً محورياً في المجتمع إذا ما توافرت الظروف ليصل فكره إلى المتلقي، وهو ما تفتقده أكثر البلدان العربية لأسباب تتعلق بالفقر والجهل والقمع وانعدام الثقة بالمثقف وليس فقط بدوره. إذ من غير المتصور أن يدافع المثقف عن قاتل، مُبرّراً ذلك- بحذلقة لغوية- باعتباره وجهة نظر. ارتهن العديد من المثقفين لدوائر السلطة فيما انصرف آخرون إلى إبداع نخبوي لا يلامس أو يصل أذهان الناس.
■ كيف ينظر محمد حسين الأطرش للوضع الراهن في بلدان الربيع العربي, وما هي تصوراتكم للمرحلة المقبلة؟
□ رغم قتامة المشهد إلاّ أنني ما زلت مُؤمناً بأنّ ما حصل كان ربيعاً في غاية الروعة, هدَمَ لأوّل مرّة حاجز الخوف، والطبيعة علّمتنا بأنّ الربيع قد تعتريه عواصف جليدية تقضي على ثماره في طور التكوين الأول، لكن لا يمكن لها أن تقضي على شجره, لذلك سرعان ما سيستعيد الشجر قدرته على الإثمار مُجدّداً.
يوماً ما سيدرك المتناطحون بسيف الدين والمذهب أنّ الدولة لا دين لها سوى دين المواطنة الذي يساوي بين الجميع من دون تميّيز على أساس الجنس أو العرق أو الدين. عندها فقط سيكون مستقبل.
نضال القاسم