الروائية الفلسطينية سناء ابو شرار: الكتابة تمنحني عوالم أكثر اتساعا!
[wpcc-script type=”6a10f1ff2c3b366233cdca91-text/javascript”]
سناء أبو شرار قاصة وروائية فلسطينية تقيم في العاصمة الأردنية عمان وتعمل بالمحاماة، وهي حاصلة على ليسانس حقوق من جامعة دمشق، وماجستير في العلوم القانونية من جامعة مونبلييه في فرنسا، وهي عضو في اتحاد كتاب فلسطين وعضو في اتحاد كتاب مصر، وعضو في نادي القصة في القاهرة.
والرواية بالنسبة للكاتبة سناء أبو شرار ليست مجرد خيال، بل هي تراكم ثقافي واجتماعي وتعبيري خالص يعتمد في مجمله على البحث والتحقيق والمقابلات من أجل إنتاج عمل أدبي يعتمد على الحرفية والواقعية في ذات الوقت وبنفس المقدار. وهي ترى أن الرواية رحبة الاتساع، عالية السقف ولها حدائق غنّاء تتجوّل بها كما تشاء، وهي تمدُّها بعناصر أقوى وأعمق أدبياً وفكرياً ونفسياً وكذلك مكانياً، فمن من لا يحب أن يحيا في بيتٍ واسع وعالي السقف.
واللافت للنظر أن الأعمال الروائية لسناء أبو شرار تغوص في عوالم غير متوقعة وتسلط الضوء على عذابات متوارية، وهي تحمل رسائل عديدة للمجتمع، وتسلط الضوء على القضايا الإنسانية بأبعادها المختلفة، معتمدة على مقابلة شخصياتها في الواقع، وعكس هموم تلك الشخصيات في قالب إبداعي أدبي رصين.
أما بخصوص أعمالها الإبداعية فقد صدرا لها مجموعتان قصصيتان هما:- ‘اللاعودة، 1993′ و’جداول دماء و خيوط فجر،2004’. أما في مجال الرواية فقد صدر لها ‘أنين مدينة،2005′ و’رائحة الميرامية، 2005′ و’غيوم رمادية مبعثرة، 2005′ و’أساور مهشمة، 2009′ و’رحلة ذات لرجل شرقي،2011′ و’حالة روح لامرأة ما بعد الخمسين، 2012′ و’استرداد حياة، 2013’ و’رسائل الصمت من أميركا، 2013’، أما في مجال الأدب الموجه للأطفال فقد صدر لها مؤخراً عن دار الهلال المصرية كتاب بعنوان ‘أنا طفل، 2013’.
حول تجربتها الإبداعية ومنطلقاتها الفكرية والثقافية، التقيناها في العاصمة الأردنية عمان فكان هذا الحوار:-
*كثيراً ما ترتبط بدايات المبدعين بمحفز ما، أو موقف ما، أو ذكرى ما، كيف كانت بداية سناء أبو شرار مع الأدب؟ وماذا تعني الكتابة لك؟ وما هو دور الأدب في رأيك؟
*الأدب كان منذ طفولتي صديقي الدائم، لذا ربما لا يوجد محفز ما لأنه كان دائماً حجر أساس في حياتي ولا يزال. وقد كنت أكتب دائماً مقتطفات أو أفكارا، ولكن البداية الحقيقية هي رواية ‘مدينة في الروح’. وأعمق ذكرى تتعلق في الأدب بحياتي هي روايات ‘ديستوفسكي’ التي لا تزال تُبهرني ولا تزال مدرسة أرتادها من حين لآخر.
الكتابة بالنسبة لي هي نبضٌ آخر للحياة يختلف تماماً عن نبض حياتي الخاصة. بل إن الكتابة تمنحني عوالم واسعة رحبة أكثر ثراءً وامتداداً من حياتي الخاصة المحدودة؛ فأتجول عبر الكتابة في الأماكن والنفوس والأفكار والأرواح والعقول، إنها رحلات تتجاوز الحدود والآفاق المرئية، لذلك أحب الكتابة وبعمق وبغض النظر عن النجاح أو الشهرة أو أي اعتبار آخر، فيكفيني من الكتابة أن أكتب وأتأمل، بل من الحياة كلها يتبقى صوت القلم الخجول بأعماق الليل يخط الحروف والكلمات على الأوراق واعلم ساعتئذٍ أن الوجود ليس سوى شعور يصفه القلم، وفكرة تلتقطها الأوراق.
الأدب لا دور له، وحين يصبح له دور يصبح ميكانيكاً ولا يمكن للأدب أن يكون بأدوار محددة لأنه عالم يلامس الروح والفكر والشعور، وهناك كاتب يكتب لأنه لابد أن يكتب بموضوع ما وهنا فقط يكون للأدب دور، ولكن حين يكتب الكاتب فقط لأنه يحيا بهذه الحياة ويشعر بنبضها فلا يهتم لدور الأدب.
ولكن الأدب له أهمية كبيرة في حياة البشر، وهنا يمكننا رصد دوره، فهو يصقل الشخصية، يهذب السلوك، يخفف من وطأة المعاناة، يُضفي جمالاً على الحياة، يجعلنا نشعر بمعاناة الآخرين بطريقة شفافة وراقية؛ ولهذا فإن الأدب شديد الأهمية بالنسبة للفئة الشابة من المجتمع لأنه يرسم نهج حياة لا شعوري لديهم.
*إضافة الى الأعمال الروائية التي صدرت لكم، صدر لكم مؤخراً روايتان عن دار الهلال المصرية تم عرضهما في معرض الكتاب بالقاهرة لعام 2013، هما: استرداد حياة ورسائل الصمت من أمريكا. ماذا عنهما، وما هو الجديد الذي يميزهما عن بقية اعمالك الإبداعية؟
*بالنسبة لرواية ‘استرداد حياة’ هذه الرواية عبارة عن سرد أدبي لوقائع معاناة واقعية عاشتها امرأة، وهي معاناة فظيعة، وقد سجلت تفاصيل هذه المعاناة ثم كتبتها بصياغة أدبية، لم يكن هدف الرواية التجريح بالرجل، بل تمت كتابتها بصورة موضوعية وبسيطة لتكون الرسالة من خلالها أن من يرتكب الجريمة هو الضحية الأولى لذاته ثم من حوله.
ما يميز هذه الرواية هو بساطة السرد، حيث كتبت الرواية وفقاً لشخصية البطلة الحقيقية بضعفها وهشاشتها وتضحيتها التي لا تنتهي. وهو أسلوب رغم مظهره السهل إلا أنه صعب لأنه يتطلب دقة في الشعور وتبسيط لكل المعاني الانسانية.
أما رواية ‘رسائل الصمت من أمريكا’ فهي من أدب الرسائل، حيث تتبادل شقيقتان الرسائل، الأولى تعيش في أمريكا والأخرى في عمان، والرواية تصف ما تعرضَ له العرب من ظروف صعبة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغربة الانسان العربي في أمريكا؛ ومن الطرف الآخر تكتب الأخت الأخرى عن معاناتها في حياتها بعمان مع وصف لمدينة عمان حيث لا يخفف من معاناتها سوى تجوالها في المدينة التي تحب.
ما يميز هذه الرواية هو العودة إلى أدب الرسائل التقليدي، وهو أدب أحبه كثيراً ويمنحني مساحات واسعة من الفكر والمشاعر الانسانية، لأنه أدب إنسيابي، مرن، ويستوعب كل أنواع الأفكار ويُمّكن الكاتب من عرض روايته بأسلوب فني رشيق ومُفعم بالمشاعر. كما أنها تُشكل نوع من الحوار بين الثقافة الغربية والشرقية ليس بالمنظور النقدي بل بالمنظور الانساني، وأن تتم مقارنة حياتين كل واحدة منهما على الطرف الآخر من المحيط عبر رسائل صامتة ولكنها تحتوي على كل معاني الوجود.
*ماذا يمثل لك العنوان الروائي؟ هل هو عتبة موجهة لعملية القراءة؟ وهل يمكن للرواية أن تعيش بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا؟
*كما أن لكل جسد روحا، فإن العنوان هو روح الرواية، لذا وحين أختار عنوان رواية ما أصيخ السمع للصوت الخافت الذي تهمس به الرواية، ولا ابحث بعيداً في الكلمات أو التعقيدات، فأنا لا أختار عنوانا لرواياتي بل رواياتي تختار عنوانا لها، ولا أكتب عنوانا للرواية إلا حين الانتهاء منها، وحين تنتهي الرواية تصبح كيانا منفصلا عني وبذلك تهمس هي بالعنوان وتتوقف عملية بحثي عن الكلمات.
العنوان بالغ الأهمية لذلك هو بالفعل عتبة موجهة لعملية القراءة، لأنه مثلما يعرض الكاتب من خلال روايته أفكاره ومشاعره ويرصد الأحداث، فهو أيضاً يختزل كل هذه المعاني من خلال العنوان الذي يختاره، ولكن بالنسبة لي أعتبر أن العنوان جزء من الرواية ليس كعنصر جاذب، بل كنتيجة تلقائية لنهاية الرواية كما ذكرت سابقاً، لأن الرواية بالنسبة لي عمل فني جمالي قبل أن تكون أي شيء آخر.
بالطبع يمكن للرواية أن تعيش بعيداً عن السياسة والإيديولوجيا، ولكنها وبنفس الوقت أحد أهم أدوات السياسة والأيديولوجيا، فالعديد من الروايات أثرت في توجهات سياسة كبيرة، بل وأنها شكلت نهجا إيديولوجيا عميقا في الكثير من الدول. الرواية بوابة للتغيير وللثورة وللنهوض بالأمم، لذا كانت على درجة كبيرة من الأهمية. ومن أخطر ما طرأ على الرواية هو كتابة روايات حول مواضيع سطحية أو مُخلة بالقيم والأخلاق لأن الرواية عالم يتأثر بالحياة ومؤثر بها.
*صدر لكم مؤخراً عن دار الهلال المصرية كتاب جديد بعنوان (أنا طفل)، من وجهة نظرك ما أهمية دور الأدب الموجه للأطفال في التوعية والثقافة الوطنية؟
*هذا الكتاب تطرق إلى معاناة الطفل العربي في زمننا المعاصر، وقد كتبت عن معاناة الطفل على لسان الطفل، فهو يصف مشاعره وأفكاره حول المعاناة التي يعيشها.
والكتاب يتناول فئة الأطفال من 10 سنوات إلى 16 سنة. ما دفعني لكتابته هو عدم وجود أدب عربي يتوجه للأطفال بهذه السن، وما هو موجود إما مكتوب باللغة الإنجليزية وغالي الثمن أو مترجم للعربية لكتب قديمة لم يعد الأطفال يجدونها مثيرة للاهتمام. لذلك توجهت إلى أدب الطفل بهذه السن، لقناعاتي بأن ابتعاد أطفالنا عن الأدب سوف يشكل مشكلة معقدة في تكوينهم النفسي والشعوري خصوصاً مع تواجدهم شبه الدائم مع الوسائل الإلكترونية الحديثة. وندرك خطورة هذا الأمر حين نعلم أن نمو الخلايا العقلية لدى الطفل يرتبط بنشاطه الفكري وأن القراءة أحد أهم عناصر التطوير الفكري والعقلي للطفل. لم يعد دور الأدب يقتصر على التوعية والثقافة، بل إن الأدب أصبح طوق نجاه لأطفالنا قبل أن يغرقوا في عالم التكنولوجيا ويتعرضوا لأمراض غير مرئية مثل التوحد، الانطواء، فقدان التركيز، ضعف الذاكرة، ضعف المشاعر، الإنسحاب من الحياة الاجتماعية والحياة خلف شاشات لا تنطفىء. لابد لكل أم وأب أن يعي خطورة التكنولوجيا على تفكير ومشاعر والقدرات العقلية لأبنائهم وهي مسؤولية ليست سهلة بظل الإدمان على هذه الشاشات.
* ثمة تعدد للأمكنة في رواياتك، وفيها تجري الأحداث وتتحرك الشخصيات، وهذا يقودني للحديث عن الأمكنة والفضاءات التي تتحرك فيها قصصك ورواياتك، وهل أن هذا الحضور المكثف للمكان في أعمالك هو حقل من حقول البحث عن بنية جديدة للشكل الروائي؟ ماذا يعني المكان لسناء أبو شرار؟
*يمكن للكاتب أن يكتب رواية أو كتابا يكون المكان بهما العنصر الأساسي وتوجد عدة روايات تندرج تحت مفهوم أدب المكان، حيث يكون المكان ووصفه العنصر الأساسي في الرواية وتدور الأحداث والشخصيات في فلك هذا المكان. ولكن بالنسبة لي، أعتبر أن المكان جزء لا يتجزأ من شخصية الانسان، فمشاعر الانسان وأفكاره تتغير بتغير المكان، كما أن المكان عنصر مُلهم بشكل كبير للكاتب، لأنه يزخر بالمعاني والأجواء بل وبالصراعات أيضاً، لهذا كان الحضور المكثف للمكان في رواياتي، لأننا جميعاً لنا جذور في مكانٍ ما، ثم فروع، ثم ثمار ثم أوراق خريفية تتساقط وتنمو محلها أوراق خضراء يافعة في الربيع، نحن كبشر لا ننفصل عن الأماكن، حتى أن الله تعالى وصف لنا الجنة في القرآن الكريم. المكان بالنسبة لي هو الوجود بهذه الحياة، وقد نشعر أحياناً أنه حتى الجمادات لها روح، وإلا فلماذا تبدو الجدران وحتى أثاث البيت حزينةً جميعها حين يموت إنسان رحيم عطوف! ولماذا نشتاق لبيوتنا وحدائقنا بل لجبالنا وأشجارنا، نحن جزء من المكان وأوضح صورة لالتصاق الانسان في المكان هو أن النفي كان ولا يزال من أشد أنواع العقوبات، لهذا كله ولأسباب أخرى لا حصر لها يبدو المكان واضحا برواياتي.
*من خلال قراءتنا لمجموعاتك القصصية، نلحظ أنه وبالرغم من ابتعادك الدائم عن تصوير التفاصيل الصغيرة لخلق الاحساس بمكان الحدث أو عدم التركيز على تحليل الحالة النفسية للشخصية، الا أن التفاصيل القليلة والعبارات الموجزة تنجح في خلق الجو العام الذي يجسد القضايا الرئيسة أو الفرعية التي تشغل بال شخصياتك. فما رأيك؟
*بالطبع الرواية تختلف عن القصة، ولا استطيع في القصة تصوير تفاصيل صغيرة لأن هدف القصة هو المعنى العميق لحدث طويل أو قصير الأمد. كما أن تحليل الحالة النفسية مجاله الرواية بامتياز، فتكون التفاصيل القليلة والعبارات الموجزة جزءا من نجاح القصة، خصوصاً وأن من اختار قراءة مجموعة قصصية يتوقع أن تكون موجزة ومُجسدة لمعان أو قضايا كبيرة وهنا تكمن دقة القصة القصيرة بل وصعوبتها وكلما أتقن الكاتب هذا الإيجاز المُعبر للمعنى والحدث ولوصف الشخصية مع الحفاظ على المعنى أو القضية الأساسية للقصة كلما كانت قصته ناجحة وجذابة لأنه لا يمكن للقصة القصيرة أن تكون موجز للرواية ولكن يمكن للرواية أن تكون سردا مُفصلا للقصة القصيرة وهنا تكمن حدود القصة القصيرة باستعمال أقصى ما يملكه الكاتب من وصف دقيق ومختصر للحدث والشخصية والمكان وربطها جميعها بالهدف أو القضية.
*ما هي القضية الرئيسية عند سناء أبو شرار؟
*توجد عدة قضايا ولكن أهمها هو أن تكون لدى الكاتب رسالة جادة وهادفة فيما يكتب، فهو يقلل من تقديره لموهبته حين يكتب عن أمور تافهة، أو حين يتخطى الحواجز الأخلاقية سعياً وراء الشهرة عبر الكتابة عن مواضيع شاذة وغريبة بل وتشوه صورة المجتمع العربي بشكل عام والاسلامي بشكل خاص. في كل حرف أكتبه أعلم تمام العلم بأنني مسؤولة عنه في الدنيا والآخرة. حين يعلم الكاتب مدى أهمية رسالته وأنه يؤثر في الآخرين لابد أن يكون شديد الانتقاء فيما يكتب. أما القضية الثانية بالنسبة لي فهي جمال الكتابة، لأننا في عصر يخضع به الانسان لضغوطات كبيرة، فعلى الكاتب أن يقدم الجمال والشفافية ورقة الكلمة والشعور الصادق ليصطحب القارىء معه برحلة هادئة بعيداً عن الضغوطات، وأن يجد القاريء متنفسا ولو مؤقتا لهمومه؛ فالكاتب لا يجب أن يكتب عن ذاته بل يكتب عن الحياة، عن الآخرين، عن مشاعرهم، عن ما يسعدهم وما يُقلقهم، فلا بد للكاتب أن يكون من أشد الناس حباً وفهماً للبشر وأشد الناس سعياً وراء الجمال والكمال الأخلاقي والنفسي والعقلي.
*إلى أي حدّ تحضر ذات الكاتبة في كتابات سناء أبو شرار؟ وإلى أي مدى نهلتِ من تجاربك الحياتية في كتاباتك الإبداعية؟
*لا أكتب إلا بما منحني الله تعالى من موهبة، أما عن ذاتي فهي ضيقة ومحدودة دون عالم الثقافة والمعرفة والاطلاع على كل ما يتوفر من علوم سواء عربية أو غربية. ذات الكاتب ليست سوى شيء يخصه وله حياة عادية مثل أي شخص آخر ولا أحب الكتابة عن هذه الذات لقصورها ومحدودية أبعادها، ولكن الحياة غير المحدودة، الآخرون العظماء والمجهولون بعطائهم وتضحياتهم، تماوج الحياة والبشر والأحداث، ورصد الحكمة في كل حدث وفي كل زاوية من زوايا الحياة. مهما كانت تجربتي ثرية فمن حولي من لديهم ثراء أكبر، لأنه مهما أتسعت تجاربي تبقى في عالم صغير أسمه عالمي ولكنني أسعى لعوالم أخرى دنيوية ودينية، أيضاً هناك حيث تتلاشى الحدود ويطغى غير المرئي على المرئي والمجرد. ثم ان كان الكاتب يكتب عن ذاته فهو لا يكتب بل يصف نفسه، وإن كان يكتب عن الحياة والآخرين وحكمة الله تعالى في الكون فهو فعلاً يكتب لأنه أخيراً نجح في كسر الحلقه المُغلقة والتي تُسمى ذاتهُ.
*الرواية والقصة تنتميان لعائلة سردية واحدة، فما الذي دفعك للانتقال من كتابة القصة إلى كتابة الرواية؟ وهل أنت راضية عن رواياتكِ، وأيهما الأقرب إلى قلبك؟ أو بالأحرى أي رواية هي الأكثر تعبيراً عن نفسك وعن أفكارك؟
*أحببت الرواية لأنها تمدني بعناصر اقوى وأعمق أدبياً وفكرياً ونفسياً وكذلك مكانياً، فمن من لا يحب أن يحيا في بيتٍ واسع وعالي السقف، وهذا ما أحبه في الرواية فهي رحبة الإتساع، عالية السقف ولها حدائق غناء اتجول بها كما أشاء، أما القصة ورغم جمالها- فهي ضيقة على افكاري وتُجبرني على إختزال الشعور وهو فن آخر يختلف تماماً عن الرواية، كما وأنني من خلال الرواية وفي بعض الفقرات أتعمد أن أجعل من فقرة ما داخل نفس الرواية قصة قصيرة، لأننا نحيا الحياة في بعدين، البعد الواقعي المحدود والبعد الشعوري اللامحدود.
لم أسأل نفسي هذا السؤال، لأنني أكتب لحبي للكتابة، لم اسع من خلالها إلى إرضاء ذاتي أو الآخرين، الكتابة عملية انسيابية تتم بصمت وبصورة لا إرادية وحين تخضع لموازين الرضى أو الرفض تتوقف بها العملية الإبداعية، أكتب لأجل الكتابة ولحبي للكتابة وللحياة ولله خالق هذا الكون بكل حكمته وجلاله.
كتاب ‘أنا طفل’ هو الأكثر قرباً لمشاعري وأفكاري لحبي الشديد للأطفال وقلقي أيضاً على ما يدور حولي بخصوص الأطفال وانسلاخهم عن الأسرة والمجتمع بالتقوقع خلف شاشة باردة جافة تجعلهم يتخيلون بأنهم يعيشون حياة ممتعة والحقيقة أنهم يعيشون حياة صحراوية وحين يدركون ذلك بعد سنوات يكون ذلك متأخراً بعد أن يحصل ضرر كبير في الشخصية والتفكير بل وفي أدمغتهم أيضاً. كما أن معاناة الطفل تتحول إلى تعقيدات اجتماعية ونفسية وثقافية حين يكبر هذا الطفل ويصبح امرأة أو رجلا؛ لابد للمجتمع العربي أن يُعيد تقييم علاقته مع الطفولة وأدعو لذلك بجدية لأنها هذه الطفولة الهشة هي التي ترسم ملامح المستقبل للأسرة والمجتمع ثم للأمة بأكملها. فمعاناة الطفل جريمة، كل منا مسؤول عنها وإهماله جريمة أكبر وإقحامه في مشاكل الكبار هو عجز من قبل الكبار بحل مشاكلهم.
*ماذا عن التابو، كيف تتعاطين معه؟
* لماذا نستعمل كلمة تابو، لماذا لا نقول ‘مُحرم’ وهي الترجمة الحرفية للكلمة سواء في القاموس الفرنس أو الإنجليزي، فكيف لي أن أتعاطى مع ما حرمه الله تعالى سواء في الكتابة أو في الحياة العادية. في كل كتاباتي لا أتطرق لأي موضوع يشوه القيم الأخلاقية والدينية ليس تصنعاً للمثالية ولكن لأنني أمتلك من الأفكار والمشاعر والأدوات الأدبية التي تمكنني من الكتابة بأمور لا حدود لها، أمور أخلاقية، ثقافية، أدبية، نفسية، فلربما لو كنت على درجة من الخواء الفكري والنفسي لاضطررت إلى الكتابة عن التابو، أو إذا كنت اسعى لشهرة سريعة على حساب الطعن بقيم المجتمع وأخلاقياته قد أكتب عن التابو.
إذا كتبت يوماً ما عن التابو فذلك بإطار واحد وهو ما يوضح ما يمكن ان يهدم المجتمع وما يمكن أن يُعيد ترميمه بل بناءه من البداية.
*برأيك، ما هو أثر أدبك خارج الحدود؟ وهل تعتقدين أنك قمت بواجبك في هذا المجال؟
*لقد تم نشر جميع أعمالي في مصر ولاقت جميعها نجاحا والحمد لله. أمام خارج حدود الدول العربية فهذا يستدعي ترجمة أعمالي للإنجليزية والفرنسية وهو ما أقوم به حالياً وهو خطوة لابد أن يقوم بها كل كاتب لأن ما يُترجم هو الأعمال الأدبية التي فازت بمسابقات أو جوائز .
*كيف يمكننا التأسيس لفكر يبتعد عن الشعاراتية وتكون له مصداقية في القرن الجديد؟ وكيف ترى سناء أبو شرار مسؤولية المبدع في صنع المستقبل العربي، وما هي حدود العلاقة بين الإبداع والحرية من وجهة نظرك؟ وكيف تقرأ سناء أبو شرار تأثير الربيع العربي على المشهد الإبداعي في السنوات القادمة؟.
*تأسيس الفكر يكون بتقوية التاريخ، وبإعادة تدريس أبنائنا هذا التاريخ العظيم ليس بدافع المباهاة بل بدافع تقوية الروح المعنوية وخلق آفاق عبر الأساس الثابت والمتين للشخصية، فلا يمكن أن يحمل الانسان فكرا نيرا دون شخصية قوية تعلم تماماً ما هو هدفها في هذه الحياة، ولا يكفي معرفة الهدف بل لا بد من تدريس ثقافة الإصرار والمجاهدة والصبر حتى بلوغ الهدف. مصداقية القرن الجديد تكون بإعادة تأهيل الفرد باعتماده على ذاته وأن يدرك عميقاً وبعيداً أنه مسؤول عن كل يوم في حياته دون كلل او ملل، وألا يكون حلمه الرفاهية أو الثراء، بل الكد والعمل مع الثراء والجدية مع الرفاهية.
والشعاراتية أضعفت قدرات الفرد وخلقت منه شخصية ضعيفة تستمد قوتها من شعارات واعتبارات اثبتت فشلها سابقاً والآن وسوف تفشل لاحقاً أيضاً.
أما مسؤولية المبدع فهي تتلخص بالجدية والعمل الدؤوب وألا ينتظر الجوائز أو المنح بل أن يعمل لحبه للعمل وأن يعتبر نفسه مسؤولا عن التصرف والكلمة أيضاً بل والشعور كذلك، حينها فقط يكون شريكا في صنع المستقبل العربي.
كنا نعتقد أن الحرية شرط للإبداع، وأمام كل الحريات المتاحة حالياً ثبت فشل هذه الفكرة، الإبداع عملية عقلية نفسية وفكرية، تنمو بذورها في نفس طموحة جدية هادفة، وتُحصد ثمارها في ارض الاستقامة واحترام الذات والطرف الآخر. قد يُبدع الانسان وهو سجين، وقد يُبدع وهو مُعاق بل وهو مريض، ولكنه ليستطيع أن يبدع لابد أن يعلم تمام العلم بأنه يحمل إبداعا حقيقيا بداخله، أساس الإبداع هو هذا الإيمان، فحتى لو قال له كل البشر أنه لا يستطيع، هو يعلم فقط وبيقين أنه يستطيع فيصبح إبداعه دون حدود ولا قيود وهذه هي الحرية الحقيقية التي أعرفها واحترمها وأسعى إليها.
إن كان الإبداع يتأثر بكل ما يدور على الأرض سلباً وأيجاباً فهو ليس إبداعاً، لأن الإبداع يُنتجه المُبدع حتى رُغماً عن ذاته لأنه موهبة من الله تعالى، وعلى الانسان استشعاره والتعبير عنه بغض النظر عن الخريف أو الربيع أو الشتاء العربي، ويكفينا أن نُخضع الإبداع لظروف الوطن العربي الذي لا يعرف الاستقرار، لابد لكل منا أن يخلق زاوية مستقرة بحياته رُغماً عن كل الظروف، لأننا لا نعلم ما سيحدث غداً ولكننا حتماً نعلم ما يحدث الآن وأن يقدم كل منا أفضل ما لديه.
*كيف ترين علاقة المرأة بالأدب؟ وهل توافقين على تعبير الأدب النسوي والأدب الذكوري؟
*لا أوافق على هذا التعبير، لأن انسانية الكاتب وشمولية فكره تجعله يتجاوز ما هو مؤنث ومذكر، ولقد أفردنا أكثر من اللازم من الروايات والكتب حول هذا الموضوع، إن حضارة المرأة لا تكون بهدم صورة الرجل، وكذلك رجولة الرجل لا تكون بتشويه انسانية المرأة، ولابد أن نستيقظ من هذا الأدب الذي خلق فجوة عميقة بين الرجل والمرأة ويكاد كل منهما أن يخلط أدواره في الحياة. أكتب عن الانسانية جمعاء والانسانية ليست ذكورية أو نسوية.
*يعاني العالم العربي من ضعف الصلة بين الأدب وقرائه …. بين الثقافة العربية وأبنائها… ما مدى استفحال هذه الظاهرة في الغرب، وفي فرنسا على وجه التحديد؟
*لا يزال الأدب في العالم الغربي له قيمته العليا رغم الصعوبات الإقتصادية، لا نزال نجد أن الغربيين يقفون بالطابور لشراء الكتب، بل إن الأدب يساعدهم على تجاوز أزماتهم النفسية، لأنهم ومنذ عقود أسسوا لمجتمع مثقف لا ينسلخ عن الكتاب ويدركون أن الثقافة ليست شيئا كماليا بل أساسي في الحياة وأنها طوق نجاة حين تغرق الأمم في مشاكلها المادية.
*كيف تنظرين إلى النقد الذي تناول تجربتك، وهل من أثرٍ له في النص الذي تكتبينه؟
*لقد كانت جميع الكتابات النقدية جيدة وأقدر كل من منحني وقته للكتابة عن أي من رواياتي، ولكن أي نقد لايؤثر على كتاباتي لأنني سبق وأوضحت أنني أكتب لحبي للكتابة ولا افكر ولو للحظة إن كان ما أكتبه سيعجب الاخرين أم لا وهذا لا يقلل ما شأن النقد وأهميته، ولكنني فعلاً أكتب بهذه البساطة، كذلك لا يضايقني أي نقد لأنني مستمرة في الكتابة، ما يهمني هو أن أقدر وأشكر من منحني من وقته ليكتب عن أي من أعمالي. أما النقد فليس كل ما يكتبه الكاتب سوف يلاقي الاستحسان، وأنظر إلى النقد على أنه إثراء هام جداً لعمل الكاتب.
*الآن بعد كل هذا الذي تحقق، أين أنتِ؟ وما الذي تريدينه من الكتابة؟ وبماذا تحلمين؟ وماذا عن تصورك للمستقبل؟
*حين اكتشفت عالم الكتابة لم أعد أستطيع أن أرحل عنه وربما هذا هو أروع ما في الكتابة، أن يسمح لي بالدخول إليه من بوابة جميلة اسمها الإبداع. ما أريده من الكتابة هو لمس إنسانية الانسان من خلال المحبة والعطاء، وأن أرى جمال الله في هذه الحياة حتى عبر المعاناة والألم .
أحلم بانسان عربي قوي منتم للقيم الدينية والأخلاقية التي حضّت عليها جميع الأديان، أحلم بانسان لا يعتبر أن ضعفه المادي يعني انهيار انسانيته، وأحلم بمجتمع أكثر رفقاً بالضعفاء.
أما تصوري عن المستقبل فإنني أرى أن من كان قبلنا على هذه الأرض كانت له أحلام منها ما تحقق ومنها ما لم يتحقق وحتى ما تحقق منها أصبح مجرد ذكريات، أي أننا لا يجب أن نحيا على هذه الأرض كأننا عظماء ولن نغادر ابداً؛ وأرى أن المستقبل دون محبة واحترام لن يكون مستقبلا بل مجرد أعداد لسنوات متراكمة، مهما كانت عظمة ما يقدمه الانسان فلن تكون له قيمة دون هذه المحبة ودون التقدير والاحترام لذاته ولكل ما بهذا الوجود.