عصفورية رؤساء سوريا القادمين
[wpcc-script type=”f185ed62985ee605756bf01b-text/javascript”]

تحول عالَم السوشيال ميديا السوري، خلال الأشهر الأخيرة، إلى عصفورية يدخلها زبائنها بدون معاينة، وبدون الحاجة إلى تقرير طبي يفيد بأنهم مجانين، وإذا سألتهم: أيش صار؟ لا يقولون لك (شي بيجنن)، بل ينفون عن أنفسهم أي مرض عقلي من قبيل الجنون، والخرف، والصرع، والهستيريا، ويحاججونك بأن ما طرحوه هو قمة العقل والمفهومية والعمق.
لو صرح دونالد ترامب رئيس الدولة الأضخم في العالم، بأن بشار الأسد سينتهي في شهر تموز/ يوليو 2020، لانبرى له عشرات المفسبكين والمغردين والأنستغراميين، وأبدوا استخفافهم بكلامه، وأظهروا ارتيابهم بمصداقيته، وقرّعوه، ووبخوه على مهادنته الأسد طوال أربع سنوات، ونكتوا سنسفيل سابقه أوباما الذي وضع لبشار خطاً أحمر إذا ضرب كيميائي، فلما ضرب بشار بالكيميائي، دُحرج وليد المعلم إلى أقرب طائرة تطبق ركاباً إلى موسكو، وأركبوه فيها، والموسكوفيون، بدورهم، اتصلوا بباراك أوباما وقالوا له:
– صلي ع اللي بيشفع لك، وروق يا أبو حسين، ترى المصارين في البطن بتتخانق، وابن حافظ الأسد بشر، والبشر بيخطئ، بقى معقولة تشيله من مكانه كرمى لـ1400 إنسان سوري قتلهم في الغوطة؟ أي مو حرزانة بنوب!
ولو قيل للمفسبكين والتويتريين والأنستغراميين إن فلاديمير بوتين نفسه حدد مهلة للأسد للمغادرة، وهو الآن يبحث عن شخص مناسب ليجلسه مكانه على الكرسي، لنكتوا تراب جدود بوتين وأفهموه، بالتي هي أحسن، أنه هو الذي حمى الأسد في أكثر من عشرين مناسبة، ورفع مندوبه في مجلس الأمن خمسطعش فيتو وفيتو، لأجل إبقائه على كرسيه..
ولكن إيدي كوهين مستشار رئاسة الوزراء الإسرائيلي قال، إن الأسد سيمشي في يوليو، والرئيس القادم مكانه هو فهد المصري، فصمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، ثم انطلقوا يحكون ويتناقشون، فيقول قائل منهم: ما هي حجتنا الآن؟ ألسنا نحن القائلين إن إسرائيل هي صاحبة الحل والربط في كافة القرارات التاريخية المفصلية التي تتخذها أمريكا وسائر الدول العظمى؟ ألم توعز إسرائيل لأمريكا وحلفائها بالحفاظ على بشار الأسد لأنها لا تتصور العيش في منطقة الشرق الأوسط دونه؟ ويرد عليه الآخر قائلاً: أي والله صحيح، وقلنا، كذلك، إن إسرائيل لا تقبل بإقامة دولة ديمقراطية على حدودها، لأنها تريد أن تبقى الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. ويفتل ثالث أصابعه ويقول: مين قال نحن بدنا نعمل ديمقراطية؟ لك عمي هاي الديمقراطية دين الغرب الكافر، خاصة بالسكرجية والمثليين. حلوا عنا ياه.
كان حرياً بكم، يا أبناء بلدي الأعزاء، أن تستخفوا بكلام إيدي كوهين، فلا تهبوا لمناقشة أحقية زيد وعبيد ونطاط الحيط في أن يكون رئيساً لسوريا مكان بشار الأسد، فكوهين، أولاً، موظف إسرائيلي صغير، وترشيحه فهدَ المصري لا يخرج عن كونه نوعاً من الترهات.
عَلَّق شريط البحث عن بديل لبشار الأسد الذي يتبناه رفاق السوشيال ميديا السورية عند معضلة البحث عن رئيس مناسب، وبدأ العقلاء منهم يبحثون عن شخصيات أكثر إقناعاً من المصري، فطرحوا أسماء شخصيات معارضة ذات قيمة، مثل برهان غليون، ولكنهم سرعان ما استبعدوه، لأن برهان غير مدعوم من أي دولة في العالم، بل إن دولاً ذات تأثير في القضية السورية مثل، روسيا وإسرائيل لا توافق عليه، وانتقلوا إلى فكرة تشكيل مجلس عسكري بقيادة ضابط سني قوي.
– يا سلام. الآن دخلنا في الجد. ولكن من هو هذا الضابط؟ مناف طلاس؟
– لا عمي لا. هذا كارت محروق لا تقبل به جماعة النظام الذين سيكونون جزءاً أساسياً من الحل.
– إذن علي مملوك؟ هذا حظه أكبر لأنه ضابط مخابرات وبرقبته قتلى، قوي كتير.
– معقول. ولكن موسكو لا تتبناه، يجب علينا أن نفكر بأسماء أخرى، ونطرحها على صفحات التواصل الاجتماعي وأمرنا لله.
وجاءت أزمة أموال رامي مخلوف، والفيديوهات الثلاثة ذات الحطب، وبدأت التكهنات التي وصل أحدها إلى أن الروس يفكرون بوضع رامي مخلوف نفسه مكان بشار الأسد! وهناك من طرح رفعت الأسد (ما غيره) وبلا خجل. ويا سيدي فكروا حتى بأسماء الأسد التي يمكن أن تحكمنا فترة، ريثما يكبر ابنها المدلل حافظ الأسد، فتورثه مثلما ورث جده أباه، وهكذا يعود حافظ الأسد بحلة جديدة، ونعود نحن كما يقول خالد العبود إلى المربع الأول.
شيء مضحك فعلاً، وكأن بشار الأسد الذي قتل مليون شخص وشرّد عشرة ملايين، ودمّر ربع أبنية سوريا من أجل الحفاظ على كرسيه، يمضي الوقت منذ تصريح إيدي كوهين وحتى الآن على الواقف، ينتظر حتى يتفق الشباب على بديل ليقول له:
– تعال بقى انقبر محلي وخلصني من هالعلقة!
دعونا نتوقف قليلاً عن الهزل، ونتكلم بشيء من الجد: أليس الأجدر والأليق بنا نحن السوريين، الذين تكبدنا كل هذه التضحيات خلال عشر السنوات الماضية، أن نفكر خارج نطاق البحث عن رجل يصلح رئيساً لبلادنا؟ هل تأكدنا من أن الروس سيتخلون أخيراً عن بشار الأسد؟ وإذا تخلوا عنه فعلاً، هل سيرمي بشار سلاحه ويستسلم بمجرد ما يعلم بذلك، أم سيجمع فلوله ويرفض الخروج لتذهب روسيا وقتها إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بإخراجه تحت الفصل السابع، ثم يأتي الناتو ويبدأ الخبط به حتى يعثروا عليه عند فتحة أحد المجارير؟ أم سيدحرج الأسد وليدَ المعلم إلى موسكو، ويذهب الجميع إلى رئيس أمريكا الذي سيأتي بعد ترامب ويقنعونه بتمييع قانون قيصر، ويلعبون لعبتهم التي جربوها مع أوباما، ويبقى بشار الأسد جاثماً على صدورنا؟ هل فكرنا بأفضل نظام دولة يصلح لبلادنا دون غيره: البرلماني؟ الدستوري؟ الرئاسي؟ فيدرالية إدارية؟ تقسيم على أساس طائفي؟ أم أن عقولنا ستبقى معلقة برئيس الجمهورية، ونتساءل: هل سيكون عربياً أم كردياً؟ مسلماً أم مسيحياً؟ سنياً أم علوياً؟ تقبل به روسيا أم تقبل به إسرائيل؟
أم سنتفق، بعد عشر سنوات، على إغلاق باب العصفورية؟
كاتب سوري