‘);
}

فصاحة اللسان

تُعدّ فصاحة اللسان من الصّفات التي يتمتّع بها العرب منذ القدم؛ فهي توضّح المعنى، وتزيد اللفظ قيمةً وجمالاً، وقد جمع الجاحظ قيمة الفصاحة في قوله: (إنّه ليس في الأرض كلام هو أمتع، ولا آنق، ولا ألذّ في الأسماع، ولا أشدّ اتّصالاً للعقول السليمة، من طول استماع حديث الأعراب العُقَلاء الفُصَحاء والعُلَماء البُلَغاء). والفصاحة صفة مهمّة عند العرب، وهي ذات وجهين: عضويّ يتمثّل في طلاقة اللسان، ووضوح النُّطق عند المتكلّم، وتواصليّ يتحقّق في البيان، والفهم بين المتكلّم والمُستمِع.[١]

ومن حكمة الله -تعالى- أن أرسل كلّ نبيٍّ بلسان قومه، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،[٢] وقال تعالى: (الرَّحْمَٰنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ )،[٣] وإنّ ما جاء في القرآن الكريم على لسان موسى عليه السّلام: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)،[٤] ليُشير إلى أنّ موسى -عليه السّلام- سأل ربه فصاحة اللسان؛ ليفهم قومه لهجته، فتصلهم رسالته؛ إذ قال -تعالى- على لسانه:(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي).[٥]

إنّ من يقرأ التراث العربي يلاحظ شدّة اهتمام العرب بالفصاحة، والبلاغة، والبيان، وأنّ اللسان عندهم كلّما كان أكثر بياناً كان أفضل؛ فقد تحدّوا بعضهم بعضاً، وتباروا في إلقاء الشعر والخُطَب؛ لمعرفة من منهم أفصح لساناً، وقد كانوا يقيمون دُوراً وأماكن في الأسواق لتلك الغاية؛ خاصّةً في مكة المكرّمة.[٦] ومن يُريد تعلّم الفصاحة، أو بمعنىً آخر يريد أن يكون طليق اللسان فعليه بقراءة القرآن الكريم أوّلاً، ثمّ الشعر العربيّ، والأدب العربي القديم والحديث.