‘);
}

قصة النبي في الطائف

توجّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وصوله إلى الطائف إلى ثلاثة إخوة من بني ثقيف، وهم: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب من بني عمرو، وقد كانت عندهم امرأة من قريش، فجلس إليهم يدعوهم إلى نصرته وإلى الدخول في الإسلام، فقال له أحدهم: “إن كان الله أرسلك”! وقال الآخر: “أما وجد الله أحداً يرسله غيرك”؟ وأمّا الثالث فقد رفض أن يردّ على رسول الله، وقال له إن كان رسولاً فإنّ من الخطر أن يردّ عليه، وإن لم يكن كذلك فإنّه كاذب، وليس من شأنه أن يتحدّث إليه،[١] فقام رسول الله من عندهم، وطلب منهم أن لا يصل ذلك إلى قومه فيزداد إيذاؤهم له، فقالوا له أن يخرج من أرضهم، وحرّضوا سفهائهم وعبيدهم عليه، فلما خرج وجدهم قد انقسموا نصفين وجلسوا على الطريق، فلما أراد رسول الله أن يمشي من بينهم بدأوا بضرب ورمي الحجارة على قدميه الشّريفتين حتى سال الدم منهما، وقد حاول زيد بن حارثة أن يحميه، فتعرّضوا له بالضرب حتى أُصيب برأسه، ثم لجأ رسول الله إلى أحد البساتين كي يحتمي منهم.[٢]

جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرةٍ كي يستظلّ بها في البستان، والدم لا زال يسيل من قدميه، وقد كان هذا البستان لعتبة بن أبي ربيعة وأخيه شيبة، وأخذ رسول الله يلجأ إلى الله -تعالى- بالدعاء،[٢] فأرسل الله -عز وجل- جبريل -عليه السلام- يقول له: (إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ، ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ؟ فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا)،[٣] وقد وصف رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن تلك الأيام كانت أشدّ عليه من يوم أُحُد.[٤]

ورأى عتبة وشيبة ما حلّ برسول الله من الضرب، فتحرّكت بداخلهما مشاعر الرحمة، فأرسلا إليه شابّاً نصرانياً اسمه عدّاس يحمل قطفاً من العنب ليأكله، فاقترب عدّاس حتى وضع القطف بين يدي رسول الله، وقال له أن يأكل، فوضع رسول الله يده على العنب وسمّى بالله، ثم أكل، فنظر عدّاس إلى وجه رسول الله وقال له: “وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَكَلامٌ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ الْبِلادِ”، فسأله رسول الله عن بلده ودينه، فأجابه أنّه نصرانيٌّ من أهل نينوى، فسأله الرسول إن كان من قرية يونس بن متّى، فقال له: وما يدريك به؟ فأجابه الرسول أنّه نبيٌّ كما أن يونس نبيٌّ، فاقترب عدّاس من رسول الله يقبّل يديه ورأسه وقدميه، ولمّا عاد سألاه ابنا ربيعة عن أمره، فقال لهما إنّه نبيّ، لكونه أخبره بنبوّة يونس، وهذا الأمر لا يعلمه إلا الأنبياء، فوبّخاه وكذّباه،[٥] ويعدّ إسلام عدّاس من أعظم ما خرج به رسول الله بذهابه إلى الطائف، ولم يقف الأمر على إسلام عدّاس فحسب؛ فقد آمن عددٌ كبيرٌ من الجنّ حين سمعوا دعوة رسول الله، وفي هذه الرحلة زاد الله -تعالى- رسوله ثباتاً بعدما أرسل إليه ملك الجبال.[٦]