(طاجيكستان) إحدى جمهوريات آسيا الوسطى التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي عقب تفككه عام (1991م)، يحدها من الشرق إقليم تركستان الشرقية، ومن الشمال جمهورية (قرغيزستان) ومن الغرب والشمال جمهورية (أوزباكستان) ومن الجنوب (أفغانستان).ويشكل المجرى الأعلى لنهر (جيحون) الحدود بينهما، يبلغ تعداد سكانها حوالي (6) ملايين نسمة، وتتراوح نسبة المسلمين فيها بين 85 – 90%، ويتكلمون اللغة الفارسية، وغالبيتهم من السنة الأحناف.
يشكل الطاجيك الفرس حوالي 58% والأوزبك 23% من جملة السكان والتتار 2.5% بالإضافة إلى أقلية من القرغيز. وتشكل هذه الجماعات مسلمي (طاجكستان) أما الروس والإيرانيون فتصل نسبتهم إلى حوالي 15%.
وصل الإسلام إلى طاجيكستان بعد معركة (القادسية)، حيث امتد نفوذه إلى بلاد فارس، ثم وصل نهر (جيحون)، ثم انتقل إلى منطقة وادي فرغانة، وفي الفترة الواقعة بين عامي(94 – 96 هـ) فتح القائد قتيبة بن مسلمة منطقة وادي فرغانة، وتجاوزها نحو الشرق حتى وصل إلى حدود الصين، ثم تلا ذلك بفتح (كاشغر) وبعد سلسلة من الفتوحات عاد قتيبة بن مسلمة وتولى أخوه صالح بن مسلمة، فأكمل فتح باقي منطقة وادي (فرغانة)، ثم اجتاح المغول منطقة وسط آسيا بعد ضعف الدولة السلجوقية، ولما ضعفت دولة المغول سيطر الروس عليها، وكانت أكثر محاولات السيطرة الروسية في سنة 1869، حيث استولوا على (طاجيكستان) سنة 1343هـ، وأصبحت جمهورية اتحادية ضمن الاتحاد السوفيتي السابق سنة 1348هـ.
وفي أوائل 1411هـ – 1990م، شهدت البلاد انتفاضة ضد السلطة السوفيتية، مما أدى إلى عدد من المظاهرات والعصيان المدني، وقبل أن ينتهي عام 1991 تفكك الاتحاد السوفييتي، وأعلنت طاجيكستان استقلالها.
أما أهم مدنها فهي العاصمة (دوشنبه)، وقد عادت لاسمها القديم بعد أن أطلق عليها الشيوعيون اسم (ستالين آباد)، وتقع غرب البلاد في المناطق السهلية، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، ومدينة (ترمذ) وتقع غرب البلاد، وهي ذات طابع تاريخي إسلامي، وإليها ينتسب الإمام الترمذي صاحب صحيح الترمذي، ومدينة خوجند: وكانت تسمى (لينين آباد) أيام الاحتلال، وفيها نسبة عالية من الأوزبك، وتقع شمالي البلاد في عمق الأراضي الأوزبكية، وهي من أكثر المناطق نمواً في طاجيكستان، ومن أغناها باليورانيوم.. وتضم مصانع ضخمة لإنتاجه وتنقيته.
جمهوريات آسيا الوسطى (طاجيكستان – قيرغيزستان – أوزبكستان – أذربيجان- تركمانستان) دول مسلمة، لكن طاحونة الحكم الشيوعي (1917 – 1991م) فرمتْها، وحاولت صياغتها صياغة شيوعية إلحادية بكل معنى الكلمة، ورغم ذلك، ظلت العقيدة الإسلامية راسخة في القلوب دون اهتزاز، فأهلها بذلوا المستحيل حتى يحافظوا على دينهم، ويورثوه لأطفالهم جيلاً بعد جيل، في سراديب تحت الأرض سميت بـ”المدارس السرية”.. وهكذا حافظ أهل تلك البلاد المسلمة على دينهم، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي إذا بالمسلمين يشدهم الحنين لدينهم، وبدأت مظاهر الإسلام تعود سريعاً، فانتشرت المساجد، وكثر التدين، وانطلق كثير من الشباب في دراسة العلم الشرعي بالبلاد العربية، ولا شك أن هذه العودة تتطلب واجباً من الأمة الإسلامية لترشد هؤلاء إلى الطريق الصحيح في التعريف بالإسلام، وترسيخ دعائمه، وفهمه بعيداً عن الغلو والتطرف، ومن هنا كان (للندوة العالمية للشباب الإسلامي) دور سباق في تلك المهمة، حيث تبنت المشاركة في طباعة وترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الطاجيكية المحلية، ليتسنى لأبناء طاجيكستان، الذين حرمتهم الشيوعية من كتاب ربهم ردحاً من الزمن، أن يعودوا إليه برغبة وشوق كبير، وأن تتوافر لهم قراءته صباح مساء.. جاءت هذه الاتفاقية من خلال الزيارة التي قام بها الأمين العام المساعد للندوة الدكتور (محمد بن عمر بادحدح) لطاجيكستان، والتي كانت ثرية بما حققته من إنجازات وجهود ورؤية عميقة للواقع الطاجيكي، ومن ثم كان حوارنا معه ليصور لنا واقع الإسلام بين أبناء هذا الشعب العائد لدينه، وما تستطيع الندوة أن تنجزه من أعمال تحتضن الشباب المسلم، وترسي لمعالم الإسلام.
* بدايةً كيف رأيت الإسلام والمسلمين في طاجيكستان؟
size=3>– الناس في لهفة وشغف للعودة للإسلام، الذي حرموا من ممارسة شعائره على الملأ في المساجد والحديث عنه في الجامعات والمحاضرات، وحرموا من سمته وزيه وكل صورة تمثله، وحين انزاحت الغمة الشيوعية، وتنسموا ريح الحرية رجعوا لدينهم بقوة، ربما أكثر مما كانوا عليه من قبل، وهذه سنة الحياة حينما تحرم الشعوب من حقوقها، بمجرد أن تفتح الأبواب تعود هذه الشعوب سريعاً إلى ما كانوا عليه، وقد صليت في مساجدهم ورأيتها ملأى بالمصلين، وتكاد تكون أكثر مما هي عليه في العالم العربي، وغالبية روادها من الشباب الذين تصل نسبتهم إلى (80%) وهذا ما يبشر بنهضة إسلامية قوية في المنطقة.
* كيف رأيت الشباب؟
size=3>الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل وهم الصورة المستقبلية لأي أمة، وإن أردت أن تقرأ مستقبلها فمن خلالهم، وفي زيارتي لم أقم بدراسة عميقة للشباب وأحوالهم، ولكني استقرأت حالهم من خلال لقطات عابرة هنا وهناك، وخرجت بانطباع قوي وهو أن هذا الشعب مثل غيره من الشعوب المسلمة في آسيا الوسطى، يحن بشغف إلى جذوره الإسلامية، ومستعد أن يضحي في سبيل هذه العودة بكل ما يملك وواجب على الأمة الإسلامية أن تقوم بمسؤوليتها في توفير ما يساعده على هذه العودة من خلال مؤسسات معتمدة تعرض له دينه بأسلوب عصري بعيداً عن الغلو والتطرف.
* طاجيكستان لها إرث إسلامي كبير من العلماء والفقهاء، فهل لمست اعتزاز أهلها بهذا الموروث؟
size=3>size=3>- الاعتزاز بالإسلام، كامن في نفوس أبناء طاجيكستان، وبمجرد زوال القيود رجعوا سريعاً، ولكن لا بد من التأكيد على أن العاطفة لا تكفي فهم يحتاجون لمزيد من المعرفة والإطلاع والعلم عن تاريخه وإرثه الإسلامي ودوره الرائد في الحضارة الإسلامية، والدولة بدأت تهتم بهذا الجانب، ووضحت دور شعبها الكبير في العصور الذهبية للإسلام.
* اتصلت بالمسئولين بداية من رئيس الدولة وعرضت ما تستطيع أن تقدمه الندوة، فهل ترى هذا العمل يعطي واجهة طيبة للمملكة أم أن الصورة معكوسة على الندوة فقط؟
size=3>size=3>- الذي أنشأ الندوة ملك من ملوك السعودية، وهو جلالة الملك فيصل – رحمه الله – والندوة طول مسيرتها التي تقارب الأربعين عاماً، ما كانت تنطلق في أعمالها إلا من المملكة بلد المقر والتمويل، وكل القيادات على مر تاريخها يمنحونها ثقتهم، فمن الصعب فصل الندوة عن المملكة في حس هذه الشعوب ومسؤوليهم، ولذلك تتحمّل الندوة مسؤولية تمثيل المملكة بأفضل ما تستطيع، وتتحمل عبء تمثيل دولة تحتضن الحرمين الشريفين وأرضها مهد الرسالة.
* ماذا عن أهمية إقدام الندوة على المشاركة في طباعة وترجمة معاني القرآن باللغة المحلية الطاجيكية؟
size=3>size=3>ترجمة القرآن باللغة الطاجيكية هو مشروع رئاسي تولاه رئيس طاجيكستان (إيما لي رحمن) والذي يعتمد طبع ترجمة لمعاني (القرآن الكريم) تحت شعار (مصحف لكل أسرة) بحيث تتوافر هذه الترجمة لكل بيت، وهو مشروع جيد خصوصاً في تلك المنطقة التي حرمت زمناً كبيراً من كتاب الله، في عصر الاحتلال الشيوعي، الذي كان يجرم اقتناء المصحف ويعاقب على ذلك، وكانت هذه العقوبة لمن يمتلك مصحفاً باللغة العربية، فما أدراك اليوم وهم يمتلكونه بلغتهم المحلية، وهو بدوره يقربهم من تعاليم الإسلام، ويزيد من فهمهم لدينهم، ويوفر لهم الإطلاع عليه كل وقت وحين، وهو أفضل الطرق لربط هؤلاء المسلمين بدينهم، وعلى هذا طلبت (الندوة العالمية) أن تسهم في المشروع، وأن تكون إحدى الشركاء في تنفيذه، وتمت الموافقة على ذلك، وبدأنا الاتصالات والعمل لطباعة كميات غير محدودة.
* كيف تثمن حرص الرئيس الطاجيكي على تنفيذ هذا العمل؟
size=3>– هي مبادرة رائعة بغض النظر عن دوافعه وخلفياته، ويجب أن تؤيد على المستوى الرسمي والشعبي، وهو عمل غير مسبوق يجب أن يشكر عليه.
* من جملة ما تنفذه الندوة طباعة وترجمة كتاب(الهداية) في الفقه الحنفي، فلماذا الفقه الحنفي بالتحديد؟
size=3>– الندوة منظمة تؤمن بالوسطية والاعتدال، وترى أن المذاهب الإسلامية الأربعة معتبرة وأساسية وتمثل أهل السنة والجماعة، وترى كما قال الإمام مالك: (تفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمصار وأصبح لكل قوم علم) وذلك حينما أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على كتابه الموطأ، فالمذهب الحنفي والمالكي والشافعي، ليست مذاهب بقدر ما هي جهود لعلماء وطلاب علم وصلوا لتلك المناطق ونشروا بها ما تعلموه، أما تحديد الفقه الحنفي فهذه البلاد ينتشر فيها مذهب الإمام أبو حنيفة، وهو فقه مستمد من الكتاب والسنة، والاجتهاد الشائع المشروع، ولا داعي للاصطدام مع الناس، فهذا علمهم الشرعي، وهذه مدارسهم وثقافتهم، وكلها مذاهب إسلامية.
* هل تم رصد أعداد أو أرقام معينة لطباعة المصحف المترجم وكتاب الهداية؟
size=3>– نحن في المنظمات الخيرية لا نضع أي سقف لعمل ما فنحن مجرد وسطاء خير بين المانحين والمحتاجين، وقد نضع سقفاً للطموح الكبير أما الحد الذي يغلق الطريق أمام رغبات وهبات المانحين فلا نضعه.
* هل تعد مشاركة الندوة في مثل هذا العمل خدمة للمسلمين سبقت بها غيرها من المؤسسات؟
size=3>الندوة منظمة تعمل لخدمة الدين بكل تجرد وإخلاص، وحينما نرى أن هذا الموضوع مطلوب وله قبول عند الناس نتبناه، فالمرجع الأساسي لأي مسلم على ظهر الأرض منذ عهود النبوة هو (القرآن الكريم)، وحينما يكون هناك مشروع لتقريبه من هذا الشعب بلغته التي يتكلم بها كل يوم، فلا شك أن هذا هو المفتاح الأول لخدمة هؤلاء وربطهم بدينهم.
* من خلال هذه الزيارة كيف ترى انطباع المسؤولين الطاجيك عن الندوة؟
size=3>– اسم الندوة معروف لديهم وهناك ترحيب حار بجهودها ونشاطها، ومن خلال هذا الترحيب تقدمنا بطلب إنشاء مكتب رسمي للندوة، وقوبل بالترحيب على المستوى الرئاسي، وهو ما يلقي مسؤولية كبيرة على الندوة، ولابد من الالتزام بها.
* عرفنا أنه تم اعتماد اللغة العربية لديهم كلغة أساسية تدرس في المدارس فماذا يمثل ذلك؟
size=3>– هذا حقيقة من التغيرات الهامة والواعدة في تلك المنطقة التي خرجت من أسر الفكر الشيوعي والماركسي عبر (70) سنة محكومةً بالحديد والنار، وهو قرار رئاسي يقضي بتدريسها من المراحل الابتدائية، ويعني هذا أنه خلال (12) عاماً نتوقع أن يتحدث غالبية الشعب باللغة العربية، وهو جسر مهم للربط بين الثقافة الإسلامية مع هذا الشعب المسلم.
* تهتمون باللغة العربية في كل بلد تعملون بها، من حيث تعليمها ومساعدة باحثيها، فهل ستهتمون بها في طاجيكستان، خصوصاً بعد هذا القرار؟
size=3>– الندوة منذ زمن بعيد لها تعاون سابق مع كل أقسام اللغة العربية في الكليات الطاجيكية مثل الكلية الوطنية، ومعهد اللغات، ومركز الترجمة والمخطوطات، ويتمثل هذا التعاون في تقديم مكتبات ومعامل للحاسوب، وما زال هذا التعاون قائماً ومن خلال هذه الزيارة وجدنا هناك احتياجاً لمعمل حاسوب بقسم اللغة العربية بالكلية الوطنية فوفرناه بفضل الله.
* نشاطكم حاضر ومتقدم في قرغيزيا، فلماذا تأخر في طاجيكستان وهي جارتها؟
size=3>– لا نقول لماذا تأخر، ولكن نقول لماذا تقدم العمل في قرغيزيا، فهي الدولة الوحيدة التي استطاعت وبسرعة أن تتكيف مع المعطيات الحديثة بعد استقلالها، وطورت أنظمة وقوانين موغلة في الديمقراطية، وفتحت الأبواب والحريات بأكثر مما يتوقعه الجميع، ولذلك توجد بها مناشط في كل الاتجاهات، فالكنائس موجودة وتعمل مؤسسات غربية وشرقية وآسيوية، بكل حرية ونشاط، ولذلك وجدت الندوة بيئة خصبة للعمل وقبول كبير من الشعب المسلم المحب، ومن ثم تقدم العمل بها، أما طاجيكستان فالوضع مختلف ويسير بوتيرة نمطية، وآمل بعد تلك الزيارة أن ينطلق الاهتمام باحتضان الدولة واهتمامها بالعمل الإسلامي ككل.
* علمنا أنه تم الاتفاق مع الحكومة الطاجيكية على إنشاء مكتب للندوة ببلادها، فما أول الأعمال التي تولونها اهتماماً فور قيام المكتب؟
size=3>– قبل النشاط لابد من بناء شبكة من العلاقات الميدانية التي تساعدنا على العمل فالندوة وافد جديد تحتاج التعرف على المجتمع ورموزه وشخصياته، ويكون ذلك عبر رموز اجتماعية ومؤسسات رسمية وجمعيات اجتماعية تتوافق مع الندوة في أهدافها وتوجهاتها، وهو ما يمنحنا الفرصة للتعرف على الميدان والاحتياجات، وكيفية تلبيتها ووسائل تحقيقها، وبعد ذلك تأتي مرحلة التطبيق العملي ويتم عبر برامج مشتركة، مع جهات لها اهتمام يتفق مع عمل الندوة كما سيكون للندوة مشاريعها الخاصة لأنها أصبحت منظمة مسجلة رسمياً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الدعوة 2261