قراءات الشتاء ـ 2: ولكن، هل النساء المفكرات خطرات؟

اسم الكتاب: «النساء المفكرات خطرات»، وهو بالفرنسية. لفتني العنوان فاشتريت الكتاب إذ تساءلت: لماذا النساء اللواتي يفكرن خطرات؟ وعلى من؟ في نظــري، إنهن خطرات على التخلف، خطرات على مجتمعات تعتبر الرجل المفكر أمراً عادياً والمفكرة أمراً استثنائياً وخطراً! الكتاب جميل الطباعة، وبحجم كبير، ويقع في 256 صفحة بصور ملونة (للخَطِرات) اللواتي يتحدث عنهن الكتاب، وبينهن: […]

قراءات الشتاء ـ 2: ولكن، هل النساء المفكرات خطرات؟

[wpcc-script type=”98b93bcef67fd5794e6c50ed-text/javascript”]

اسم الكتاب: «النساء المفكرات خطرات»، وهو بالفرنسية. لفتني العنوان فاشتريت الكتاب إذ تساءلت: لماذا النساء اللواتي يفكرن خطرات؟ وعلى من؟ في نظــري، إنهن خطرات على التخلف، خطرات على مجتمعات تعتبر الرجل المفكر أمراً عادياً والمفكرة أمراً استثنائياً وخطراً!
الكتاب جميل الطباعة، وبحجم كبير، ويقع في 256 صفحة بصور ملونة (للخَطِرات) اللواتي يتحدث عنهن الكتاب، وبينهن: سيمون فيل (يهودية نجت طفلة من معتقلات النازية) وصارت وزيرة فرنسية للصحة وكانت وراء تشريع الإجهاض في فرنسا، وسيمون دو بوفوار المفكرة رفيقة الفيلسوف سارتر والمطالبة بحقوق المرأة، ومدام كوري العالمة التي كانت الوحيدة التي نالت جائزة نوبل للعلوم مرتين، وأوريانا فالاتشي الصحافية السياسية الجريئة، وسواهن.

كريستين اوكرانت: التقديم للمفكرات

مؤلف الكتاب الضخم حجماً ومعلومات هو الدكتور ستيفان بولمان (1950)، درس الفلسفة الألمانية وتاريخها والمسرح، ويعيش في ميونيخ، وقد قام بتأليف العديد من الكتب الناجحة (وبعضها من الأكثر مبيعاً)، منها: «النساء القارئات خطرات». (2006 ـ منشورات فلاماريون) و»النساء الكاتبات يعشن في خطر»، وسواهما.
قدمت للكتاب كريستين اوكرانت، وهي صحافية تلفزيونية مخضرمة معروفة في فرنسا وشريكة حياة الوزير السابق السياسي برنار كوشنر، وكان من الســـباقين إلى المطالبة بضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر. تقديمها لهذا الكتاب كان في نظري جيداً ووافياً، ومما جاء فيه قولها: النساء اللواتي يفكرن تستحق كل منهن التقدير.

25 امرأة مفكرة (خطرة!)

يتحدث الكتاب عن 25 امرأة من مختلف الحقول الأدبية والعلمية، وبينهن باحثات ومفكرات ومناضلات، منهن بهانا أردنت الثائرة، والعالمة مارغريت ميد، والسياسيات أنديرا غاندي ومارغريت تاتشر وأنغيلا ميركل، وكان مؤلف الكتاب منظماً في ذكر (مفكراتِه الخطرات)؛ إذ قسمه إلى بنود، وتحت كل بند ذكر الأسماء التي تحدث عنها، وحملت تلك البنود عناوين مثل: مفكرات كبيرات/نساء شجاعات/مناضلات لحقوق المرأة/شاهدات متمردات/صاعدات إلى السلطة، وغير ذلك.

متى نقرأ كتاباً كهذا بالعربية؟

شعرت ببعض الغيرة وأنا أطالع هذا الكتاب لافتقادنا لكتاب مشابه بالعربية عن نساء عربيات.
فالمرأة العربية لم تقصر يوماً في العطاء في الحقول كلها.
وذلك لا صلة له بالشهرة، والباحث المنقب سيجد لدينا أيضاً عالمات وسياسيات ومتمردات من أجل الحرية، ومناضلات ونساء مفكرات وغير خطرات إلا على التخلف.. وبينهن من تعمل بصمت ولا تطلب الشهرة. ثم إن نضال المرأة العربية من أجل التحرر يمتاز بخصوصية جميلة، وهي أن العربية غالباً لا تعتبر الرجل عدوها في طريق التحرر، بل شريكها الممكن لتحريرهما معاً؛ فالرجل العربي أيضاً لا يرفل في الحرية، وثمة قوى تقمع حريته، ولكن المرأة تتعرض لظلم مضاعف: كحكاية تزويجها ممن اغتصبها؛ بحيث ينجو هو من العقاب وتقضي هي بقية عمرها مع رجل تنفر منه، وتزويج القاصرات، وغير ذلك مما لا يتسع المجال الآن لتعداده، والقوانين العربية المجحفة بحق المرأة كثيرة.

اكتشاف أن السجين كان بريئاً

وعلى ذكر الظلم الذي تتعرض له المرأة العربية البريئة، أتذكر ظلماً آخر يتعرض له الإنسان في الشرق والغرب حين يقومون بالحكم عليه بالسجن لجريمة لم يقترفها، ثم يكتشفون بعد سجن ذلك المتهم أنه كان بريئاً ويطلقون سراحه مع الاعتذار وتقديم تعويض مالي! وأذكر على سبيل المثال خبراً قرأته وهزني هو حكاية دونتاي شارب (44 سنة) الذي بقي في السجن طوال 24 سنة، حيث حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القتل، ثم اكتشفوا مؤخراً أنه كان بريئاً حين تراجعت شارلين فرازيه عن اتهامها له، قائلة إنها كانت بنت 15 سنة و»انها بنت شهادتها ضده على ما كانت تشاهده على شاشات التلفزيون»! حكاية أليمة، إذ مَن يستطيع تعويض أي إنسان عن سرقة 24 سنة من عمر شبابه؟

سجناء في إسرائيل وسجينات متمردات

وذكرتني تلك الحكاية بكثير من النساء العربيات اللواتي يعشن ظلماً اجتماعياً دون أن يعترف أحد بأنهن كذلك. ويذكرني أيضاً بالسجينات العربيات في إسرائيل، البريئات إلا من التمرد على الاحتلال واللواتي يتعرضن للأذى في السجون الصهيونية، وذنبهن أنهن كن متمردات على الاحتلال، وذكيات وخطرات على مغتصب الأرض كما ذكور الوطن الفلسطيني. وربما لذلك أجد أنه لا يمكن فصل نضال المرأة عن الرجل في عالمنا العربي كله، وتقع على عاتق الرجل مهمة احترام نضال المرأة التي تقف إلى جانبه وجانب وطنها والتمرد معها وليس ضدها، فالأرض السليبة بحاجة إلى ثورتهما معاً.

الرتيلاء الحقيقية هي القمع النفسي

في عالم غني بالاضطراب والمخاوف والظلم، دب الذعر في (سوبرماركت) كبير في مدينة كاليه الفرنسية، إذ وجد الزبائن في قسم الخضار والفاكهة (مستوطنة) للرتيلاء السوداء المرعبة ـ جاءت في كيس للموز من بلد إفريقي وانتشرت وتكاثرت، وقال أحد الزبائن المذعورين إنه شاهد الوبر على سيقان تلك الرتيلاء السامة! وقبل أن يتم (إعدامها) طلبت إدارة المخزن من أحد موظفيها التقاط صور لها لطلب التعويض من شركة التصدير.

ذنبها أنها ولدت امرأة!

المرأة العربية لا تستطيع طلب التعويض من أحد، فالرجل مثلها يعاني من رتيلاء القمع والتخويف والتخوين.. ولكنني بعد كل ما تقدم، أتمنى أن أرى كتاباً مثل كتاب ستيفان بولمان، فالمرأة العربية منحت بسخاء في الحقول كلها، ووقفت بتحد في وجه رتيلاء العدو الإسرائيلي وفي وجه الحكم عليها بالحرمان من معظم حقوقها في وطنها كإنسانة كعشرات السجناء الذين يعيشون خلف القضيان لذنب لم يقترفوه.. والمرأة أول المعاقبين في وطننا العربي على ذنب لم تقترفه، وهو أنها ولدت امرأة!

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *