المثّال الراحل آدم حنين: الصوت الحداثي للفن المصري القديم

القاهرة ـ «القدس العربي»: «مع تراكم الخبرة أصبح لديّ مقياس قوي، أقيس عليه رؤيتي للفن والحياة، هذا الميزان هو الفن الفرعوني، وقد عصمني من تشوهات بصرية وفنية، والانضواء تحت راية مذهب، أو تيار، أو مدرسة فنية، كالانطباعية والسيريالية والتكعيبية وغيرها، فرغم أني أفدت منها جميعا، فإنني كنت أحس دائما بأنها غريبة عن طينتي وتربتي». (آدم […]

المثّال الراحل آدم حنين: الصوت الحداثي للفن المصري القديم

[wpcc-script type=”021bc87f4d33500dd7aa2f06-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: «مع تراكم الخبرة أصبح لديّ مقياس قوي، أقيس عليه رؤيتي للفن والحياة، هذا الميزان هو الفن الفرعوني، وقد عصمني من تشوهات بصرية وفنية، والانضواء تحت راية مذهب، أو تيار، أو مدرسة فنية، كالانطباعية والسيريالية والتكعيبية وغيرها، فرغم أني أفدت منها جميعا، فإنني كنت أحس دائما بأنها غريبة عن طينتي وتربتي». (آدم حنين)

لم تكن التجربة الطويلة أو الرحلة الفنية الثرية للفنان المصري آدم حنين (31 مارس/آذار 1929 ــ 22 مايو/أيار 2020)، إلا حالة من الاستمرارية للفن المصري القديم، حالة تقاطع معها الوعي الحداثي، لتتخلق منحوتات تحـــمل تبجيلاً لإرث فني وثقافي لا يمكن نسيانه.
جاءت تجربة حنين ضد الزمن، فلا يحكمها زمن يمكن أن تنتمي إليه، بل تتجاوزه ـ رغم تطور الأسلوب ـ لتصبح سمة هذه الأعمال البقاء، والتحاور الدائم مع الفراغ، حالة من السكون والمهابة والغموض في الوقت نفسه، لتقترب هذه الأعمال أكثر من الروح المصرية القديمة، بدون ادعاء أو تفاخر واهٍ، كما في الكثير من تجارب الفنانين المصريين.
يقول حنين في أحد حواراته الصحافية، «قد تشربت الفن الفرعوني وعشت في مناخاته، وما زلت أحس حين أقف أمام تمثال (شيخ البلد) في المتحف المصري، بأنه جدي. لقد حررني الفن الفرعوني من وطأة الإحساس بالزمن، بمعناه المادي الواقعي الضيق، وفتح عيني على زمن آخر، مترام، زمن الأبدية والخلود، زمن الفن.

التجريد المصري

تأتي أعمال آدم حنين، سواء المنحوتات أو التصوير في أسلوب يميل أكثر إلى التجريد، لكنه تجريد ليس كما هو الشائع أو المُتبع في التعامل مع اللوحة أو الكتلة، بل تجريد يتخذ من فعل التشخيص مبدأ له، أو نقطة انطلاق، فلا هو مُبهم تماماً، ولا هو تشخيص معهود، كما في أعمال محمود مختار مثلاً. فأسلوب حنين حافظ على جلال الشكل وغموضه، بدون ضياع معالمه تماماً، حتى باتت كائناته ومخلوقاته أقرب إلى أشكال أسطورية، ابتدعتها مخيلة الفنان. كما في تمثالي (أم كلثوم) على سبيل المثال، ومعظم منحوتات الطيور والحيوانات، وحتى المنحوتات التي تمثل حالة فكرية مجردة بذاتها. هنا يقترب أكثر من الرسومات البدائية، التي يمكن مطالعتها على جدران الكهوف، كما خطّها الإنسان البدائي.
من ناحية أخرى نلحظ أن لوحات آدم حنين تتبع الأسلوب نفسه، حتى أنه قد يرسم اسكتشات لمنحوتات مستقبلية، قام بتصميم بعضها، وترك البعض الآخر. وكانت تجربة حنين في رسم لوحات (رباعيات) صلاح جاهين دليلاً على النهج نفسه، ما بين أشكال تبدو وكأنها ثلاثية الأبعاد (منحوتات) وأشكال أخرى تمثل حالات من التصوير الشعبي (الحكايات الشعبية).
الأمر نفسه يتكرر في تعامل حنين مع (الوجوه)، فيرسم الوجه موضحاً حالته، بدون تفاصيله، حالة صاحب الوجه هي التي يستشعرها الفنان ويعبّر عنها. ويضم متحفه المقام في الحرّانية في محافظة الجيزة، قاعة بعنوان (شهود) تضم حوالي 130 بورتريها مرسوماً على ورق البردي، وكأن الوجوه نفسها مرسومة فوق جدار قديم، وهو ما يتواصل وشكل المنحوتات فوق الجدران.

سفينة آدم

ويضم المتحف نفسه ــ الحديقة المفتوحة ــ عملاً هائل الحجم، أطلق عليه حنين (سفينة الشمس ــ سفينة الحياة)، وهي تشبه أكثر مراكب الشمس الفرعونية ــ المراكب الجنائزية ــ التي كانت توضع في المقابر الفرعونية كي تصحب الملك إلى العالم الآخر. وبها يضع حنين العديد من منحوتاته الغرانيتية، وتماثيل من البرونز، وتماثيل لوجوه من البشر والطير والحيوان، كالبومة الشهيرة وحمارين يتصدران مقدمة السفينة. ورغم التماس الأسطوري مع عالم مضى، ذاهب إلى العالم الآخر في رحلة أخرى، وتكوين يتشابه أكثر وأساطير الكتاب المقدس ـ سفينة نوح ـ هنا أيضاً تبدو دلالة العمل أكثر، ما بين غياب أكثر إلى عالم أخروي تسوده العدالة، أو نجاة من طوفان مرتقب!

بيبلوغرافيا

ولد آدم حنين (صمويل هنري) في حي باب الشعرية في القاهرة عام 1929. تخرج عام 1953 في كلية الفنون الجميلة. سافر في منحة دراسية إلى ألمانيا لمدة عامين، لاستكمال دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في ميونخ تحت إشراف أنطوني هيلر. أقام في النوبة من خلال منحة التفرغ في الفترة ما بين 1961 حتى 1969. سافر حنين إلى باريس في بداية السبعينيات، واستقر فيها حوالي ربع قرن. عاد بعدها للمشاركة في ترميم تمثال أبو الهول عام 1990، كما أسس سمبوزيوم النحت الدولي في أسوان وأشرف عليه منذ بدايته عام 1996.
نال العديد من الجوائز، منها.. الجائزة الكبرى لبينالي القاهرة الدولي 1992، جائزة الدولة التقديرية في الفنون، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1998، وجائزة مبارك عام 2004.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *