معرض الفنان المصري سمير فؤاد… حكايات من الزمن الذي فات
[wpcc-script type=”8b275324239774d4af90d63c-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: يستمر الفنان التشكيلي سمير فؤاد ــ مواليد القاهرة عام 1944 ــ في التأكيد على رؤيته الفنية لما يحيطه، محاولا تأصيله عبر العديد من معارضه التي أقامها مؤخرا. هذه النغمة نفسها لا تبتعد عن معرضه الذي أقيم في غاليري بيكاسو، الذي يضم ما يقارب الثلاثين عملا، تراوحت بين الأسلوب التأثيري والتعبيري.
تنحو أعمال فؤاد نحو موضوعات وحالات من زمن فائت، يصر على استحضارها كإعلانات لمنتجات قديمة ــ شاي ودواء شهير للصداع ــ كنا نطالعها في الصحف، أو في التلفزيون، وقت أن كان عبارة عن قناتين فقط. عالم هادئ بعيد عن ضوضاء وصراعات الميديا والتكنولوجيا الحديثة، كذلك بعض الألعاب الشعبية المعهودة كالأراجيح الشهيرة في الموالد، وتفصيل فساتين الزفاف لفئات متوسطة أو فقيرة. هذه اللوحات أو التذكارات يستتبعها أسلوب يأتي وكأنه من ذاكرة بعيدة تخاف أن تنسى أو تنمحي منها هذه المشاهدات أو الطقوس، إن صح التعبير. لقطات هاربة يحاول الفنان جعلها طقسا حتى يستبقيها قدر الإمكان. هنا أيضا تبدو لعبة الفنان أو الخدعة اللطيفة التي يمررها للمُتلقي بأن يُشاركه هذه الذكريات، ليعيد بدوره حكايات ظن أنه قد نسيها، حكايات حول كوب شاي، كان يجمع عائلة، أو عُرس في حارة أو شارع من شوارع القاهرة، وهكذا تتم استعادة زمن كامل من خلال لقطة مُغبّشة توحي أكثر مما تُجسد.

من التشخيص إلى التفاصيل
تأتي اللوحات في جزء منها في صيغة شبه مباشرة، كحالة تعتمد على الشخوص، أقرب إلى البورتريه، فاللقطات حجما إما قريبة أو متوسطة، نساء وحيدات، وحتى في اللحظات التي يُفترض أن تكون مبهجة ـ امرأة ترتدي زي الزفاف ـ فوجه المرأة لا ينم عن فرحة أو ابتهاج، وبالكاد تظهر تفاصيل المكان خلفها، لنجده أشبه بمكان خاص بتصميم الملابس (ترزي) وإلى جوار المرأة ينتصب المانيكان العاري مقطوع الكتف، حتى أن فؤاد يُماهي ما بين المانيكان وجسد حقيقي لامرأة تصبح مثله بلا ذراعين. هنا يمكن استنتاج واختلاق الحكايات حول هذه الشخصيات، حتى في اللوحة التي يضحك فيها الأطفال الثلاثة، نجد أن المساحة الأكبر من اللوحة عبارة عن سياج من الحديد تعلوه القضبان، وبالكاد تظهر وجوه الأطفال وأيدهم التي تتحايل على هذه القضبان وتلقي التحية، أو تداري ضحكة انفلتت في غفلة. ربما الأطفال فقط هم القادرون على ذلك. هذه اللوحات التي تعتمد التشخيص كموضوع للوحة، لا تستسلم له ـ التشخيص ـ في قِلة حيلة، بل تراوغ وكأنها آتية من ذاكرة بعيدة تحاول استحضار هذه التفاصيل في استماتة.
المستوى الآخر يأتي من خلال الأسلوب التأثيري، وهي لقطات تتسع رؤيتها أكثر، لتتحول في مجملها إلى لقطات عامة، هنا يصبح الأسلوب التأثيري هو المسيطر على تقنية اللوحة، وكأنها لقطات تم التقاطها في سرعة فتشوهت بعض الشيء. والأمر لم يعتمد على ذاكرة تقاوم النسيان، قدر اعتماده على الإلحاح بالتذكير بهذه الحالات وتفاصيلها. واللقطات هنا تبتعد عن المنظر الطبيعي ـ خاصة الطبيعة الحيَة ـ وقد تجاوز الفنان بذلك الرؤية الكلاسيكية للتأثيرية، وجعلها تتناسب والبيئة المصرية، والشعبية بشكل أدق.
الحركة والزمن
جميع اللوحات في المعرض ــ وكعادة سمير فؤاد ــ تدور حول ثيمة الزمن، ما كان ولن يعود. هنا يأتي الأسلوب متناغما مع هذه الحالة، ومُعبرا عنها إلى الحد الأقصى، فبخلاف اللوحات التي تعتمد الحركة في موضوعها ــ فتاة في أرجوحة ــ بحيث تصبح الحركة سببا فنيا لهذه التشوه المقصود، فالفتاة وأرجوحتها يصبحان جسدا واحدا، بحيث لا تستطيع أن تفصل بينهما، إلا أن حتى اللقطات الساكنة، تبدو عليها حركة الزمن، وهي لوحة تصل إلى أقصى شحنة تعبيرية، فقط كرسي وحيد، لكن التقنية وتداخل الألوان المحسوب لا يوحي إلا بحركة الزمن، هذه اللوحة تعد من أعمق لوحات المعرض، والأكثر تعبيرا عن الحالة العامة للوحات ككل، رغم المظهر الاحتفائي بكل هذه العوالم التي احتوتها اللقطات، والتي تجاوزت إطارها الوهمي، لتحكي بدورها عما كان ــ ليس في حالة من التأسي ــ فقط للحفاظ على ذاكرة لم تزل حيّة، والاحتفاء بــــذاكرة متلق، لم يزل بدوره يرى الحياة تعود إلى أشياء وشخوص وأماكن لطالما ظن أنه نسيها، أو بمعنى أدق قد نسيته متلاشية، وتركته في عالم متسارع لم يعد يتعرف حتى على نفسه من خلاله.
