في معرضَي «جذور» و«تلك الرائحة».. الجسد الأنثوي وتجلياته

القاهرة ــ «القدس العربي»: الكثير من التشكيليين، سواء الفنانين أو الفنانات اتخذوا من الجسد الأنثوي ثيمة، يحاولون من خلالها التعبير عن أفكار وعوالم ورؤى، يمكن تأويلها حسب أسلوب وتقنية وفلسفة كل فنان. البعض نجح في إيصال إحساسه إلى المتلقي، والبعض الآخر سقط في التكرار والأسلوب الأجوف، وهو ما يُشير إلى حالة من الادعاء، التي يصر […]

في معرضَي «جذور» و«تلك الرائحة».. الجسد الأنثوي وتجلياته

[wpcc-script type=”144a1e3ccb6a28eba354c5e4-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: الكثير من التشكيليين، سواء الفنانين أو الفنانات اتخذوا من الجسد الأنثوي ثيمة، يحاولون من خلالها التعبير عن أفكار وعوالم ورؤى، يمكن تأويلها حسب أسلوب وتقنية وفلسفة كل فنان. البعض نجح في إيصال إحساسه إلى المتلقي، والبعض الآخر سقط في التكرار والأسلوب الأجوف، وهو ما يُشير إلى حالة من الادعاء، التي يصر البعض على تأكيدها، ظناً أنهم في النهاية سيتواصلون مع المتلقي، أو يُحسبون ضمن موجات الفن الحداثي وما بعده، أو حتى بعد ما بعده. من ناحية أخرى سيظل الجسد الأنثوي معيناً لا ينضب كنموذج مثالي للطبيعة وجمالياتها ـ لا نتحدث عن الأسلوب ـ لذا سنظل نشاهد المزيد من التجارب التشكيلية، التي تحاول جاهدة أن تضيف، أو حتى ترى بعين مختلفة هذا الجسد، لأن تراث الفن على مرّ عصوره جعل منه أيقونة تتحدى الكثيرين. ومن خلال معرضين لتشكيليتين مصريتين أقيما مؤخراً في القاهرة، كان (الجسد الأنثوي) ثيمتهما، يمكن قراءة المختلف في كل من التجربتين الجديدتين.

تلك الرائحة

عنونت الفنانة أسماء سامي معرضها، الذي أقيم في غاليري بيكاسو بـ«تلك الرائحة» ـ لا علاقة للمعرض بورواية صنع الله إبراهيم الشهيرة، التي تحمل الاسم نفسه ــ محاولة أن تجعل من الجسد الأنثوي ورائحته مركزاً يدور الكون حوله. هنا لا مكان سوى للجسد وحالاته المختلفة، ومن خلال ذلك يمكن أن تتآلف الطبيعة معه، زهورا وطيورا وأسماكا، وحتى الحشرات. هذه الحالات المختلفة من التواصل مع المخلوقات الأخرى كالنحل والورود، تشير بدورها إلى حالات حسيّة، للبعض منها مرجعية في أعمال أسطورية وكلاسيكية شهيرة ـ لوحة ليدا وطائر البجع ـ ولاستعراض هذه الحالات وتبايناتها يتم استعراض الجسد نفسه، من خلال تفاصيل الأجساد، التي قد تظهر كاملة أو البعض منها، تفاصيل تبدو وكأنها تومض للحظة، هذه الومضات هي التي تغيّب بدورها أي وجود للمكان، وبالتالي الزمن بدوره، حالة التجريد هنا لا تقتصر على المحتوى التشكيلي للوحات، بل تمتد إلى خارج إطار اللوحة، لتشمل عالما كبيرا مجردا، محوره المرأة. ذلك بما أن الأمر يقتصر على شيء مجرد، غير ملموس (الرائحة).
ومن كون الرائحة وصاحبتها تشكلان معاً مركزاً لكل ما يحدث ويدور حوله، فبالتبعية لن ينشغل هذا المركز سوى بذاته، غير آبه لما يقع خارجه، لكن هناك استشعار بأن حالة التأكيد على هذا الانشغال بالذات تؤدي إلى نفيه، حالة من الاضطرار بهذا الانشغال، الاضطرار بالاكتمال والتأكيد على الشعور به، وهو ما تكشفه لفتة عابرة أو تفصيلة من الجسد، تتم المبالغة في إظهارها، وكأنها إشارة دعوة خفية ــ رغم العالم الأنثوي المُشيّد بدقة ــ بأن أنظر.. أنا هنا.

جذور

تحت عنوان «جذور» أقامت الفنانة أمينة الدمرداش معرضها في قاعة الزمالك للفن. ومن خلال تكوينات متداخلة لتفاصيل المكان والجسد الأنثوي صاغت الفنانة لوحاتها، كذلك تكوينات الزهور، التي تكاد لا تفارق لوحة من اللوحات. نساء الدمرداش يخرجن من مخيلة خصبة ومشحونة بدلالات التمرد والسيطرة من قِبل الجسد الأنثوي، هناك سُلطة تبدو دائماً في أدق تفاصيل المشهد/اللوحة. لذا لا نرى لقطات معهودة عن امرأة تشتكي من الوحدة، بل مجموعات من النساء تتباين أجسادهن، ويشكلن في النهاية كتلة متداخلة، وكأنهن كائنات خرافية آتية من عالم الأساطير. وحتى عند لوحة تتمثل امرأة بمفردها، تبدو السيطرة من خلال الجسد الذي يشغل مساحة اللوحة بالكامل، وهنا تختفي تفاصيل المكان لصالح الجسد وعالمه، فلا مقاعد أو مناضد، وصولاً إلى المرأة المنشغلة بذاتها عن العالم ــ فلا يوجد عالم خارجها ــ فلا تواجه الآخر، بل فقط تعطي الجميع ظهرها، وهو وضع دلالي في التكوين الفني تشكيلياً أو سينمائياً، فصاحبه لا يهتم، ولا يريد التواصل، لا عن عزلة، بل عن عالم لا يرغبه، ولا يريد التورط فيه، فقط عالمه الذي يحياه. من ناحية أخرى تبدو الألوان الحارة هي المسيطرة كالأحمر ومشتقاته، كما تتجلى الطبيعة في تكوينات الزهور التي تتداخل مع أجساد النساء، أو يصبح التكوين بالكامل عبارة عن تفرعات وتشكيلات مختلفة لمجموعة من الزهور. وهناك ملمح حسي يتكرر كثيمة رئيسية في اللوحات، فالعالم الذكوري يبتعد تماماً، وحتى إن وجد، فهو مُهمّش، ولا يوجد إلا في مصاف قطعة أثاث، تائه وضائع في عالم النساء المشتعلات بحرارة وتفاصيل أجسادهن، الخارجة تماماً عن أي سلطة يمكن توهمها من أحد. تحاول أمينة الدمرداش من خلال معرضها أن تعود للأصل (الجذور) التي تجعل من المرأة إلهة جديرة دوماً بتقديم القرابين والصلوات التي لا تنتهي، ربما تستجيب.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *