دور الكثافة اللونية في أعمال المغربي محمد الرجفي
[wpcc-script type=”f27e9f1c9a9d6f61c0734fc3-text/javascript”]

■ تكمن دقة العمل الفني لدى التشكيلي المغربي محمد الرجفي في تجريديته، وهو كسائر الفنانين الذين يشتغلون في المجال الانطباعي والتجريدي بحرفية ودقة في الأداء، يعمد إلى تكثيف الفضاء بالألوان وتدجيجه بمختلف العلامات والرموز والشخوصات والأشكال التعبيرية.
واستنادا إلى العمل النقدي، فإن أعمال الفنان محمد الرجفي الإبداعية تظهر فيها ملامح التلقائية والعفوية والرغبة في ضخ أكبر طلاء ممكن في الفضاء، حتى يغلق كل منافذه ويثخنه بمزيد من الشخوصات والرموز والعلامات. إنه مسلك ينم عن الانفعالات الداخلية، والرغبة في التخلص من الهواجس لكن على حساب المادة الفنية، ما يفقدها الضوء وعنصر الفجوة الفنية. وهو وإن كان يثقل الفضاء ويسد كل منافذه إلا أن ذلك يتبدى في جوهره مليئا بالرموز الإيحائية، والعلامات الأيقونية الدالة على جملة من الأشياء. وهو في الأصل يؤثث لمسلك يخصب له الطريق لولوج عالم الإبداع المعاصر بروح تواقة إلى التجديد والتعبير برمزية في فضاء تجريدي يستمد حيويته من الفنان ذاته، ومن رغبته في تصبيب الإبداع بطرق مختلفة، فهو متعدد في الواحد بتعدد مواهبه التي تخول له الارتقاء بالفن عاليا.

إنه يتخذ من هذا النسيج الإبداعي أداة لنثر تدفقات الألوان الداكنة، والطلاء التلقائي، في انزياح صريح عن النمط المستهلك، فيسد الفراغات ليحيط العناصر التشكيلية ومختلف المفردات والشخوصات الوهمية بالعمق الفني ويعطي لوحاته أبعادا ثانية، وفلسفة غير مرئية، ويوحي بأحاسيس تنسج علاقات تحاورية بين المبدع والقارئ. فالألوان والرموز والعلامات ومختلف الأشكال التي تُجهز على الفضاء في نطاق التكوينات التي تستهدف إغلاق كل المنافذ تشكل سطحا متحركا مغلقا، ما ييسر التفاعل مع الأشكال الغامضة، ويحرر اللوحات من كل القيود. إنه البُعد الثاني الذي يجهز على السكون، ويؤصل لفلسفة تستجيب لضرورات الكثافة اللونية والشكلية.
إنها استجابة تبرر تقيد المبدع بألوان صباغية تتسم ببعد تجريدي أحيانا، وببعد انطباعي أحيانا أخرى، يتقيد بها المبدع حتى يستجيب للغته التشكيلية الخاصة ويعطي لأعماله ما تستحق من عناية تعبيرية، بمسلك تشكيلي حديث، وبمقاربة تروم الامتلاء الصباغي والشكلي. وهذا ينم عن تجربة عالمة يرسل من خلالها المبدع انطباعا حول ما تضمره كثافة الشكل واللون وما تثيره الرؤية البصرية وتترجمه إلى معنى.
إنه توظيف معاصر يبني به أسلوبه الإبداعي، وفق زخم من الشحنات اللونية في علاقاتها مع الأشكال المتداخلة، وما تحدثه من توازنات داخل الفضاء. فمختلف التوظيفات اللونية الغامقة، والتجسيد للأشكال والرموز والعلامات المختلفة تعتبر تأكيدا لاحتفائه باللون والشكل والحركة، وضخ نفَس جديد بِتَماهٍ مع الجمال الداكن، وضغط الشكل وكثرة الحركة ليحقق التنوع الجمالي بحنكة العارف بخبايا اللون وصيغ الجذب.
إن تجسيد التقنيات العالية وتوظيف المفردات التشكيلية المتنوعة، تجعل من أعمال المبدع صناعة فنية تتبدى فيها الجماليات المختلفة، وتبرز فيها سمات المسلك الانطباعي والتعبيري داخل البؤر التجريدية. وهو توجه معاصر في الفن التشكيلي الآني.
٭ كاتب مغربي
