معرض «سارق الفرح» للمصري مصطفى يحيى… محاولة الحياة والتحايل على عدم اليقين

القاهرة ـ «القدس العربي»: يواصل الفنان التشكيلي مصطفى يحيى ــ مواليد القاهرة 1948 ــ رؤيته الانتقادية من خلال معرضه المعنون بـ«سارق الفرح»، المقام حالياً في غاليري العاصمة في القاهرة. وعبر لوحات تستند إلى الأسطورة والموروث الشعبي، وأسلوب يقترب من السيريالية الشعبية في شكلها التعبيري، كما هو معتاد في أعماله، يحاول يحيى استعراض المشكلات والمناخ القاتم […]

معرض «سارق الفرح» للمصري مصطفى يحيى… محاولة الحياة والتحايل على عدم اليقين

[wpcc-script type=”e255c0b6e440ad5cc4ef0d18-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: يواصل الفنان التشكيلي مصطفى يحيى ــ مواليد القاهرة 1948 ــ رؤيته الانتقادية من خلال معرضه المعنون بـ«سارق الفرح»، المقام حالياً في غاليري العاصمة في القاهرة. وعبر لوحات تستند إلى الأسطورة والموروث الشعبي، وأسلوب يقترب من السيريالية الشعبية في شكلها التعبيري، كما هو معتاد في أعماله، يحاول يحيى استعراض المشكلات والمناخ القاتم الذي يتنفسه الشعب المصري، رغم مظاهر الفرح التي ينتهجها في سلوكياته وعاداته، إلا أن هذه المظاهر التي تبدو للوهلة الأولى تخفي حزناً عميقاً، حتى إن تحايلت عليه. حالة من عدم الثقة واليقين البعيد في استمرار حالة الفرح أو الصخب، هناك حالة من الترصد يشعر بها الجميع، حتى في لحظة موسومة بـ(الفرح)، ليصبح البحث عن إجابة في مَن هو سارق هذا الفرح؟ وهو ما حاول الفنان أن يوحي به تارة للمتلقي أو يصدمه به تارة أخرى، إن لم يستطع معه صبرا.

شخوص كاريكاتيرية

تستعرض اللوحات حالات ومواقف حياتية لبعض الشخوص الذين ينتمون للفئة الشعبية، التي تمثل سواد الشعب المصري. هذه الفئة تحاول جاهدة أن تختلق وتحتفي بحالة من الفرح، سواء في لقطة مباشرة كالعُرس الشعبي، من عريس وعروس وأقارب وفرقة موسيقية، إضافة إلى تعميق الحالة أكثر من خلال لحظات مختلسة لهذا الفرح، كامرأة تبدو لحظة مُبهجة في خيالها، تستلقي وتحلم بها، وعلى وملامحها شبه ابتسامة، هذه اللحظة تستغرق المرأة بالكامل. من ناحية أخرى تتجلى بطولات معهودة في الموروث الشعبي المصري، من خلال البطل في الملاحم والأساطير الشعبية، أجواء الموالد، حيث الرسومات والوشوم. ولكن هنا يناقض الفنان المعهود في هذا الوعي، لتبدو المرأة هنا هي التي تجسد حالة البطولة، فتمتطي الحصان وتشهر سيفها، حتى لو كان هذا الحصان من الخشب، كلعبة من ألعاب الأطفال.


ومسايرة لمناقضة الشائع، تأتي تفاصيل اللوحات وشخوصها في شكل المبالغة في هذه التفاصيل والملامح، شكل كاريكاتيري إمعاناً في السخرية من ناحية، وتأكيداً للأسلوب التعبيري، وتضخيم حالة الابتهاج أو افتعالها والاستمرار في طقوسها، ولكن هل هذا الإصرار ينفي حالة التوجس التي لا تخفى عن معظم اللوحات؟

 يجعل مصطفى يحيى من السلطة، العدو الأكبر والمتربص بهذه اللحظات المسروقة والمتوترة وغير الآمنة ومكتملة حتى النهاية، لكن الناس يحاولون رغم كل شيء، وربما يتصدرون اللوحات قريباً بدون خوف، وفي يقين تام بأنهم يمتلكون ويعيشون هذا الفرح بالفعل.

المرأة والرموز

تتصدر المرأة أغلب لوحات المعرض، فهي التي تحتفي بطقوس عُرسها، وهي التي تتخيل نفسها في فستانها الجديد، حيث لم ينته صانعه منه بعد. نساء مصطفى يحيى أقرب كثيراً للمصريات الشعبيات، جميلات وبدينات ــ سمة الجمال في المخيلة الشعبية المصرية ــ إلا أن الجميلات يعكسن دوماً جميع الأفكار والتشوهات التي تصيب المجتمع المصري، من قمع وتسلط وما شابه، ليس قمعاً ذكورياً ــ القمع الإعلامي الرخيص ــ لكنه قمع سلطة، فالمرأة التي تستلقي في سريرها حالمة وتنظر إلى المتلقي آملة في ما سيقدمه لها أو يفعله، وهي تحتل وجسدها مقدمة اللوحة، يبدو في الخلفية جنديان أو ما شابه من مخلوقات على شاكلة جنود الأمن المعهودة، الخوذة التي يمكن أن تصبح غطاء رأس المهرّج ــ طرطور ــ وكذلك دروع رجال الأمن، كذلك عصواتهم وأحذيتهم الثقيلة. ولا ينسى يحيى استعادة العديد من الرموز التي لطالما أصبحت من مفرداته (المكواة) كأداة للقهر، والتي تعبر عن تنفيذ أوامر هؤلاء ــ المكواة مرسومة على درع رجل الأمن ــ ورغم كل ذلك فالمرأة تتحايل على خوفها بالابتسام، وربما هي اللوحة الوحيدة التي يتحقق من خلالها شبه يقين، بأن تصبح الخلفية زرقاء تماماً في لون السماء، وأن يختفي رجُلي الأمن، ويسطع مكانهما قمر يضيء السماء بالكامل. ومن الرموز الأخرى التي يتحوّل من خلالها الإنسان إلى حيوان زاحف أو ما شابه، فهي دالة على مدى التشوه الذي طال هذا الجسد، أطراف وأصابع يتم تحويرها، بحيث تثير الخوف أكثر من كونها جزءا من الجسد، حتى وهو يتمايل أو يتراقص في لحظة فرح.

سارق الفرح

يتشابه عنوان المعرض مع عنوان فيلم داود عبد السيد الشهير «سارق الفرح» ــ عن قصة متواضعة لخيري شلبي ــ وإن كان هذا اللص في فيلم عبد السيد هو (الفقر)، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي شوّهت شخوص الفيلم، وما رحلتهم إلا محاولتهم بدورهم اختلاس الفرح وسرقته في غفلة من اللص الأكبر، إلا أن مصطفى يحيى يجعل من السلطة، العدو الأكبر والمتربص بهذه اللحظات المسروقة والمتوترة وغير الآمنة ومكتملة حتى النهاية، لكن الناس يحاولون رغم كل شيء، وربما يتصدرون اللوحات قريباً بدون خوف، وفي يقين تام بأنهم يمتلكون ويعيشون هذا الفرح بالفعل.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *