الجزائري محمد أدير جودير في خروج من ضجر الألوان
[wpcc-script type=”8be201e7e9693dde09d55ef7-text/javascript”]

يرتكز العمل الفني لدى الفنان محمد أدير جودير على عدة أساسيات لونية، تمتح من الفن التشكيلي المعاصر مقوماته الفنية، ويتخذ من التشكيل عنصرا رئيسا لنسج الرمزية والدلالات الإيحائية، لتسخير الفضاء بمسلك يضبط اللون ويقيده لخدمة المعنى الفني.
ويأتي هذا الطرح التشكيلي لدى المبدع في نطاق تجربة فنية تجريدية معاصرة، تجربة تضطلع بعدة مقومات تتسم في عمقها بالجدلية التكوينية أثناء عمليات البناء الموشوم بطابع الحركة، تبعا للمنجز الفني الذي يقدم من خلاله المبدع نسقا من الرموز والعلامات والأشكال والشخوصات الغامضة التي تتفاعل في شكل حركي بدءا من عملية البناء، مرورا بنسيج من الطقوس التشكيلية المحلية. وكل هذه العمليات يسخرها المبدع وفق وضع تشكيلي يستهدف إنجاز لمسة جديدة في المنجز التشكيلي المعاصر. إنه أسلوب ينبني على خزان من الأدوات الرمزية والأشكال التعبيرية والعلامات اللونية، ليشكل بناء عميق الدلالة، وهو يتخذ من فضاء اللوحة مادة بعيدة الرؤية، تتوقف على مسافات تضخم الشكل وتنقص من ضجر اللون في وضع تجريدي مغاير، وتعمق من رمزية العلامات وأبعادها، لسد كل منافذ الفضاء، بإلهام فني ورؤية تجريدية معاصرة، تدل على ذلك العلامات اللونية المنظمة التي تتجه نحو مقصديات فنية، وكذلك الأشكال المنسجمة التي تتوقف على مسافات تحدها أشكال لونية مغلقة.
واستنادا إلى قاعدة النقد التشكيلي، فإن أعمال الفنان محمد أدير جودير الإبداعية، وإن تبدت فيها بعض المفارقات بين اللون والشكل، فإنها تتبدى فيها اجتهادات تقارب ماهية العمل بالمادة والنسيج العملي التشكيلي الصرف، فهو الفنان المتمرس في العمل الفني، وهو المعتمد على تقنيات جديدة، وهو الذي يشتغل على مساحات كبيرة ومتوسطة، وهو الذي يضخ في منجزه التجريدي مواد إضافية، لذلك تتبدى تجربته الفنية مثقلة بالإيحاءات والإشارات، التي ترسل نبراتها العلاماتية المتنوعة والأشكال الرمزية الدالة على أشياء باطنية، وهي نابعة من سيميولوجيته المحلية. فالعديد من المضمرات تتستر في اللون وفي الشكل وفي الرمز وفي العلامات؛ وهي مفردات تشكيلية تضمر العديد من الدلالات وتستبطن العديد من المعاني في نطاق رؤية تجريدية، وفي إطار مفهوم فني معاصر. إنه مسلك تشكيلي يروم التجريد بأسلوب معاصر، ينسج من خلاله لمحات تعبيرية عن العديد من المضمرات.
العديد من المضمرات تتستر في اللون وفي الشكل وفي الرمز وفي العلامات؛ وهي مفردات تشكيلية تضمر العديد من الدلالات وتستبطن العديد من المعاني في نطاق رؤية تجريدية، وفي إطار مفهوم فني معاصر.
وهو وإن كان يتجه في هذا المنحى بما لديه من تقنيات معاصرة، فإنه في الوقت نفسه يشكل بمبعوثه الفني رؤية محلية تمتح من الهوية الجزائرية الأصيلة مقوماتها الأساسية، إنه ينفذ كل العناصر التشكيلية المقاربة للثقافة المحلية بروابط إبداعية صرفة، تروم الابتكار بخروج لطيف من ضجر اللون، وهو أمر أساسي في العمليات الإبداعية لديه، لأنه يعطي أعماله أبعادا زمانية ومكانية، ويتيح الفرصة لصنع سلسلة من العلاقات التحاورية بين مختلف المفردات التشكيلية والرموز والعلامات، ويصنع توليفة وجدانية بين العمل والقارئ، ويقود إلى تحقيق التوازن بين المفارقات المبنية على السكون والحركة، الذي تلعب فيه نفسية المبدع دورا محوريا للوصول إلى دائرة تفاعل القارئ. وهي طريقة ترتكز على مجموعة من الآليات كالتنغيم والتكامل والانسجام، لصنع أعمال تشكيلية وفق أبعاد فلسفية ومعرفية محسوسة، تنطلق من اللون المنظم والشكل تحديدا. وهي معالجات يقوم بها المبدع، باعتبارها محركا ثقافيا وفنيا يروم المنحى الجمالي في معالجة صريحة للوصف التجريدي والتعبير التشكيلي، عن طريق التجميعات اللونية والكتل والأشكال الرمزية، وأنواع الطلاء، ثم يبسط التحوير في شكل مريح بعدما يمرره بتطورات وتغييرات، وبعدما يخضعه لقناعاته الفنية الشخصية، بروح تواقة لصنع حيز من الجمال التشكيلي. وأيضا لتأكيده داخل الفضاء وفق مسلك تجريدي معاصر.
إنه يروم التجريد المعاصر من خلال تقديم بؤر تشكيلية ذات مسالك جمالية رائقة، وإحداث تآلفات ممتلئة بالمعاني المتنوعة والتعابير التي يروم بها ما هو مخزون في دواخله من انفعالات وأحاسيس، تتخذ صبغة رسالة حضارية، يزفها في معنى تجريدي، لا تحدها حدود ولا أمكنة ولا أزمنة. وهو يعتمد في منجزه هذا على إمكانات تقنية كبيرة، لنسج الألوان ووضعها في الشكل السليم، الذي يشكل بؤرا فنية تنطلق منها مختلف العمليات التي تصوغ التعابير المختلفة، وتتوالف مع مختلف الرموز والعلامات، إنه مسلك في إبداع يعكس تصوراته واختياراته في مجال التشكيل، وسعي لإرساء تخصص ينبني على أسس تشكيلية ذات معارف محلية جديرة بالاهتمام. إن السمة البارزة في الأسلوب التجريدي للمبدع محمد أدير جودير، يظل رهينا بالتجديد والتمسك بالأسلوب المعاصر، إنه خروج من ضجر اللون الفوضوي إلى منجز تجريدي منظم اللون والرمز وكل المفردات والعناصر التشكيلية، إنه توظيف يؤكده بأسلوبه الإبداعي الفريد وبتقنياته العالية ومهارته الكبيرة.
٭ كاتب مغربي