التشْكيلُ بِـ(الرسكلة)… صياغة الجمال من المُهْمَل

يعتبر الفن التشكيلي كسائر الفنون وسيلة جمالية نعبر عبرها عما يجيش في وجداننا من أحاسيس تجاه ما يعتمل في حياتنا اليومية. ولكل فن أدواته فإذا كانت الفنون الأدبية تنبني على العبارة المنتقاة بعناية وفق نوعية النصوص، وإذا كانت الموسيقى تعتمد على النغمة واللحن وبآلات متنوعة، فإن الفن التشكيلي فن يشتغل على الخامات فتتحول إلى أشكال […]

التشْكيلُ بِـ(الرسكلة)… صياغة الجمال من المُهْمَل

[wpcc-script type=”e3b95f5ac4487b00e6da01dc-text/javascript”]

يعتبر الفن التشكيلي كسائر الفنون وسيلة جمالية نعبر عبرها عما يجيش في وجداننا من أحاسيس تجاه ما يعتمل في حياتنا اليومية. ولكل فن أدواته فإذا كانت الفنون الأدبية تنبني على العبارة المنتقاة بعناية وفق نوعية النصوص، وإذا كانت الموسيقى تعتمد على النغمة واللحن وبآلات متنوعة، فإن الفن التشكيلي فن يشتغل على الخامات فتتحول إلى أشكال وتشكيلات جميلة رائعة، ومن ذلك نقف على أنواع تشكيلية لها حضورها القوي في حياتنا كالنحت والتصوير والعمارة وغيرها.

الرسكلة

وتعد الرسكلة تشكيلاً باعتبارها إعادة تركيب وإخراج جمالي للأشياء تحتاج إلى عين مبدعة تتلمس الإبداع في كل المرئيات، كما تستند إلى قدرة فائقة على الابتكار والتحويل، إنها تجديد الصياغة للأشياء وتحويلها من ملمح وحال إلى آخر، وهي عملية مرتبطة بالحس الإبداعي والخبرة في الابتكار والخيال الخلاق الذي به نضع الصور الإبداعية الممكنة في مخيلاتنا قبل إخراجها إلى الواقع في شكلها النهائي الجميل. وحين يتعلق الأمر بالرسكلة التشكيلية فإن الأمر يتعلق بتجميع تركيبي لأشياء مختلفة من أجل التوصل إلى تشكيل ما يحيل على ملمح إبداعي معين. ولتحقيق ذلك ينبغي استحضار ملكات ينبغي التوفر عليها قصد تحقيق إبداعيات جديرة بالقبول والمدح، وفي مقدمتها سعة الخيال باعتباره العنصر الخلاق في كل أشكال وأجناس الإبداع، تليها القدرة على التعديل والانزياح بالعمل نحو صفة غير اعتيادية كي تحقق بهما مفهوم الإبداعية، ولا بد في كل ذلك من أسلوب يبرز لمسة المبدع الخاصة التي تميزه عن غيره من المبدعين في المجال ذاته. وانطلاقا مما سبق، وارتباطا بواقع استهلاكي مرتبط بالأغذية المعلبة صارت الرسكلة للمتلاشيات والمخلفات أمرا يفرض نفسه علينا، ومن هنا وجد الفن التشكيلي ضالته فصارت الرسكلة مجالا له وزنه اليوم من حيث فوائده الجمالية والانتفاعية.

الرسكلة والإبداعات التشكيلية

تعددت المتلاشيات، فتعددت التركيبات التشكيلية انطلاقا منها، فازدهر فن (الروسيكلاج)، ومال إليه المبدعون والجمهور، والسر في ذلك إظهار البراعة في الابتكار والإبداع بأشياء تبدو عديمة الفائدة قبل أن تتحول إلى جمال أخاذ يعيد إليها قيمتها لتصير في قلب الاهتمام بعد الإهمال، وقد كانت الرسكلة في عهود مضت اتجاها إبداعيا ضمن التجديد والثورة على السائد من الإبداعات، بينما صار اليوم إضافة إلى ذلك ردة فعل لمحاربة النفايات التي صارت تضايق محيط الإنسان وتؤثر سلبا على صحته. صارت النفايات والمتلاشيات تحفا جميلة بعد أن فقدت حياتها ووظيفتها، وكأن الإبداع يحييها بعد موتها لتأدية أدوار جديدة تفيد الإنسان جماليا واستخداما. فتحولت القنينات إلى مزهريات جميلة، وإلى حدائق وشلالات، وإلى ألعاب الأطفال، وديكورات منزلية تعلق على الجدران وتوضع فوق المكاتب.
كما تحولت علب السردين إلى لعب وإلى تحف ديكورية لتزيين طاولات غرف النوم. وأصبحت سدادات القنينات جداريات جميلة، وأشجارا وأزهارا. الأوراق والجرائد القديمة والمجلات والأقلام المستعملة والكراتين مواد خام تحول إلى تحف رائعة نجد بعضها في مطاعم ومقاه وفنادق. إطارات السيارات وسائل لصناعة الكراسي وأصص الزهر والورد، ولصناعة حيوانات وتحف لتزيين الساحات العمومية. إنه الفن التشكيلي، الفن القادر على تحويل التافه إلى وازن، والمرمي المهمش إلى المهتم به، والبشع المهجور إلى جميل محبوب، وبدل أن تصير المتلاشيات والمخلفات مضايقة لنا تصير حاضرة بجانبنا نستغلها في حياتنا اليومية نستمتع بها وننظر إليها نظرة فخر، شاكرين الله الذي جعل الإنسان كائنا مبدعا يكيف الأشياء لصالح بيئته وحياته. فـ(الرسكلة) تعيد الحياة إلى المهمل من الأشياء فتصير ذات قيمة وفضل حين تتغير فتصير شيئا آخر، فكم من قنينة تحولت إلى مصباح أو شمعدان أو كأس، وكم من جريدة تحولت إلى سلة جميلة بألوان جميلة مغرية، وكم من قميص بال يتحول إلى حقيبة يد جميلة، وكم من أقلام تحولت إلى أشجار بعد أن انتهت صلاحيتها، إنها عملية صياغة للجميل من المتروك المرمي المهمش.

من الإمتاع إلى الانتفاع

وبعيدا عن فوائد الرسكلة إبداعيا فلها فوائد كثيرة جدا في حماية البيئة، فهي طريقة جميلة للتخفيف من أخطار تراكم النفايات التي تضايقنا في الفضاءات العمومية كالشواع والحدائق والمدارس، كما أنها البديل لأضرار حرق أو طمر النفايات أو مراكمتها، كما أن عملية التدوير كفيلة بتوفير فرص للشغل، واقتصاد في المواد الخام مما يؤثر إيجابيا على البيئة وهي تشكو من الاستهلاك المفرط لمعطياتها، مما يوفر المال الكثير الذي يصرف في البحث عن المواد الخام، علاوة على الطاقة الباهظة التي ستصرف من أجل التصنيع. وانطلاقا من أهمية الرسكلة يتحتم على المكلفين بقطاع الفن التشكيلي في كل بلدان العالم أن يعملوا على القيام بمعارض فردية وجماعية وبمهرجانات تتخذ من حماية البيئة إبداعيا شعارا لها.

٭ كاتب من المغرب

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *