رسّام القصص المصورة السوري رياض صطوف: اهتمامي بالعلم هو ما يجعلني متفائلا

يعتبر رياض صطوف ظاهرة فنية وأدبية مميزة في عالم القصة المصورة ليس فقط في فرنسا، بل في العالم أجمع؛ إذ بيعت في فرنسا مئات الآلاف من نسخ الأجزاء الثلاثة الأولى من روايته المسلسلة «عربي المستقبل، وما يناهز مليون نسخة منها مترجمة إلى أكثر من 14 لغة خارج فرنسا، كما أصدر الجزء الثالث من «دفاتر إستير». […]

رسّام القصص المصورة السوري رياض صطوف: اهتمامي بالعلم هو ما يجعلني متفائلا

[wpcc-script type=”a687b6b4a533d622bfacac23-text/javascript”]

يعتبر رياض صطوف ظاهرة فنية وأدبية مميزة في عالم القصة المصورة ليس فقط في فرنسا، بل في العالم أجمع؛ إذ بيعت في فرنسا مئات الآلاف من نسخ الأجزاء الثلاثة الأولى من روايته المسلسلة «عربي المستقبل، وما يناهز مليون نسخة منها مترجمة إلى أكثر من 14 لغة خارج فرنسا، كما أصدر الجزء الثالث من «دفاتر إستير». والتي ستصبح سلسلة رسوم متحركة لعرضها على الشاشة. وصطوف رسام ومخرج سينمائي ولد لأب سوري وأم فرنسية، في 5 مايو/أيار عام 1978 بفرنسا، عمل في «شارلي إيبدو» حيث نشر سلسلة «الحياة السرية للشبان» مدة عشر سنوات، ويعمل حاليا رساما مع أسبوعية «لوبس». نال جائزة أفضل أول فيلم سنة 2014 وجائزة أفضل ألبوم سنة 2016. ويكشف صطوف في الحوار التالي الذي أجرته معه مجلة الاكسبريس الفرنسية عدد 3424، عن تفاصيل من سيرته وعمله كرسام للقصة المصورة ..

■ ما المتعة التي يشعر بها المرء جراء الاشتغال بقلم رصاص وممحاة، وبرسم الخطوط؟ كيف يمكن تفسير ما يحدث؟
□ بداية، أنا أمسك بقلمي على نحو أخرق، بسبابتي في الخلف، إنه وضع سيئ، لم اتخلص منه قط. عدا ذلك فهو يعيد وصلي بالطفولة. الرسم شيء دقيق، مررت من أطوار كثيرة. عندما كنت مراهقا، كنت أرغب في رسم الخيال البطولي Heroic fantasy بتنانين وبنات جميلات. لكن رسمي عقدني، حينما انتبهت إلى كوني لست مبدعا في الواقعية. يوجد ترتيب عالمي للرسامين. في الأعلى يوجد جان جيرو. حاليا، يحتل بلاتش وبلان القمة، لكن المكان لا يسع الكثير من الناس.. أُفْسِح لي المجال يوم التقيت الكاتب والرسام إميل برافو الذي قال لي: «المهم هو ما ستحكيه. يريد القارئ في الحياة الحقيقية قراءة حكاية جيدة».
■ وماذا عن تأثير نجاح القصة المصورة «عربي المستقبل»؟
□ أرسم القصة المصورة منذ ثمانية عشر عاما، ودائما ما كنت أرغب في أن يكون لي قراء من «الحياة الواقعية» لا مجرد معجبين بالقصة المصورة. تحقق ذلك وأنا سعيد جدا به. اشتغلت مدة طويلة في ورشة مع جُوان سفار وكريستوف بلاين، وعندما حققا النجاح الأول بكتاب «قطة الراهب»، والثاني بكتاب «كي دوورسي»، حلمت بأن أعيش الشيء نفسه يوما ما. هل من حقي أن أقول: كان ذلك يجعلني أحلم؟ أنا شغوف بالقصة المصورة. أقرأ كثيرا، وبالأخص الألبومات القديمة. لقد جلب لي رسم القصة المصورة شكلا من الاحترام، لم أستطع أبدا الحصول عليه بمفردي. خلال الاحتفالات، ترافقني هالة كتبي، ولم أعد أمكث في زاويتي، بدون أن أكون قادرا على محادثة الناس بهامتي الغريبة المضحكة. جعلتني القصة المصورة أقل خجلا، ومنحتني صداقات، أنا مدين لها بكل شيء.
■ بِيع كتاب «عربي المستقبل» في العديد من البلدان. هل يوجد قاسم مشترك بين جميع قرائك؟
□ هم أناس في منتهى الذكاء، مهتمون بالتجارب الإنسانية. يحبون حكايات السفر، والغطس في عوالم مجهولة. استكشاف بداوة البشر الأصلية، والصراع بين التقاليد والحداثة. هذه ثيمات يتقاسمها الجميع، في منطقة بروتانيه، وفي سوريا، وفي البرازيل. لكن « دفاتر إستير»، تحظى هي الأخرى تقريبا بالقدر نفسه من النجاح الذي ناله «عربي المستقبل». يتعلق الأمر أيضا بحكاية رحلة في عالم بعيد: عالم صَبِيَّة. لكن لو تسنى لي معرفة سبب نجاح هذه الكتب، سيكون ذلك مفيدا لي، أحاول كتابة قصص مصورة في متناول أناس لا يقرأون القصة المصورة على الإطلاق؛ جمل مضحكة، جوانب الخانات مستقيمة، رسوم معبرة. نموذجي هو هيرجي الذي كان يقدم قارئه على أناه.

أرسم القصة المصورة منذ ثمانية عشر عاما، ودائما ما كنت أرغب في أن يكون لي قراء من «الحياة الواقعية» لا مجرد معجبين بالقصة المصورة.

■ وهل كنت مندهشا لوجود الكثير من القواسم المشتركة بين القراء البرازيليين والأمريكيين أو الأوروبيين؟
□ نعم، إن قرائي ممتعون جدا. ولأكون دقيقا أكثر: إذا ما قام ترامب وبوتين غدا بتدمير الأرض، وإذا ما جاء بعض سكان الفضاء لإنقاذ بعض البشر، فمن المحتمل أن يحملوا معهم قراء «عربي المستقبل»، سيحظون بأفضل ما تحتويه البشرية، بدون أدنى شك. أنا أحب كثيرا قرائي. إنهم مثريون، لا أعرف قول غير هذا وهم جميعا مختلفون. منهم أخصائية الأعصاب التي التقيتها في مدينة ستراسبورغ، التي صرحت لي بأنه من الممكن الاحتفاظ بذكريات عن الطفولة الأولى ـ وهو ما يحدث لي- ومنهم الكهربائي الذي فسر لي عدم تعرضه لصعقات، لأن الكهرباء عبارة عن منطق صارم. مرة قالت لي عجوز ذات أربع وثمانين سنة، أن «عربي المستقبل» هي أول قصة مصورة تقرؤها منذ بيكاسين. ما أجمل هذا الإطراء.
■ صدر الجزء الثاني من «دفاتر إستير». ما هي نقطة انطلاق هذه الألبومات؟
□ رسمت «الحياة السرية للشبان» في جريدة «شارلي إيبدو» طيلة عشر سنوات، وبعد ذلك سئمت منها، لأن الأمر كان محبطا. توقفت. ثم التقيت بتلك الصغيرة إستير، ابنة أحد أصدقائي. سألتها يوما ما عن المعيار الذي تميز به بين صبي قبيح وصبي وسيم. أجابتني: «الجمال هو المرونة». فاجأني ردها. قررت سرد وجهة نظرها في شبابها. عمرها الآن 12 سنة. هي أكثر تفاؤلا مني. إنها تحب الفرح. بفضلها أستريح من طريقة نظري إلى العالم.
■ هل لتفاؤلها تأثير عليك؟
□ لنقل نعم .. فأنا لست متشائما جدا. اهتمامي بالعلم هو ما يجعلني متفائلا، رغم أن المعتقدات تعود، فأنا أقول إن العلماء سينقذوننا جميعا. أذكر أن عالم الفيزياء الفلكية نيل ديغراس تايسون طلب صنع قميص للأغبياء والمؤمنين بالخرافات، كُتب عليه «يا جماعة المغفلين أنتم بحاجة إلى العلم».
■ كيف تُحَل مسألة الأنا حينما يتم التطرق لحكايات شخصية، مثلما هو الأمر في هذا الألبوم الذي تحكي فيه طفولتك في سوريا؟
□ إنه بالفعل التساؤل الذي أطرحه قبل خمسة عشر عاما. ما هي المسافة الجيدة بين الذات والحكي البيوغرافي؟ بشكل عام، يتمثل الرسامون أنفسهم أكثر جمالا مما هم عليه في الواقع. كنت أميل إلى رسم شخصي بشكل قبيح جدا، وهو ما شكل موقفا أيضا، أعترف بهذا، لكن نظرا لأنني كنت طفلا رائعا، فإن ذلك حلّ كل المشاكل. دائما ما أشعر بعدم الارتياح من سرد حياتي، التي لا أظن علاوة على ذلك أنها تكتسي أهمية خاصة، لكنني كنت دوما متيقنا من عرض السنوات الأولى التي عشتها في سوريا لمادة إنسانية تقبل الحكي. كانت لي مشكلة صغيرة فقط: لم تكن لديّ الرغبة في أن أكون صاحب قصة مصورة باسم عربي، يؤلف منذ الوهلة الأولى كتابا عن أصوله. تعرضت في بداية مسيرتي المهنية، لأربعين رفضا قبل توقيع عقدي الأول. كنت أود الارتماء في الخيال العلمي لأن «غزو مارس»، مثلا، لم يكن إطلاقا مُوقَّعا باسم محمد عابد الجابري، بل باسم جون هاستنغ أو لافنستو، أسماء كبيرة ناطقة بالإنكليزية. كنت أريد رفع هذا التحدي، بدون أن أكون ملزما بتبرير أصولي. لم ينجح ذلك في الواقع.
■ هل رياض الصغير هو «تانتان» Tintin الذي يجعل القارئ يكتشف عالما آخر؟
□ نعم، إلى حدٍّ ما دون شك. كان بإمكاني أن أحكي الكثير مما عانيته، لكنني أبقى بعيدا لكي تكون القراءة موضوعية قدر الإمكان. لقد صار والدي أخيرا هو الشخصية المركزية لألبوماتي، الأمر الذي حررني من هَمّ السيرة الذاتية.
■ هل ما تحكيه خياليا أم هو قريب إلى الواقع؟
□ أعتقد أنه قريب جدا من واقعي. إنه وَفِيّ لما يوجد في ذهني. وهو خيالي ليكون قابلا للقراءة. يجد القراء أنه قاس وعنيف أحيانا. لكنه أقل مما عشته في بعض الأحيان. إن ما رأيته من الحياة السياسية، هو مجرد فتات، هي وجهة نظر طفل أُعيد تأويلها بنظرة شخص بالغ. لا شيء أُخضع حقا للتحويل الفكري. سوريا الثمانينيات التي عرفتها، مختلفة عن سوريا الزمن الحالي. ومع ذلك فالوضعية الراهنة لا تدهشني. حينما بدأتُ كتابة «عربي المستقبل»، كانت المظاهرات السلمية قد بدأت، وكنت متأكدا أن البلد يسير نحو دماره، وأن النظام لن يتم إسقاطه، وأن استقرار بقية العالم سيزعزع. إنه لمن السخافة بمكان أن أقول هذا الآن، لكنه صحيح مع ذلك.
■ مع ذلك، تنصت بانتباه حينما تسمع كلمة «سوريا» في المذياع؟
□ صارت الوضعية، بشكل غريب، مثل نموذج مصطنع لليومي. كمثل الأحداث التي عرفتها يوغوسلافيا سابقا منذ عشرين سنة. أنا مندهش من قلة الاهتمام التي أثارها مصير هذا الشعب لدى القوى العظمى. لقد تأثر الناس بدمار تدمر أكثر مما تأثروا لموت الآلاف!

٭ بتصرف عن مجلة الاكسبريس الفرنسية عدد 3424

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *