الموصل تقيم أول مهرجان دولي للفن التشكيلي بعد هزيمة «داعش»

■ لم تتخل مدينة الموصل العراقية عن هويتها المدنية ودورها الحضاري الذي عرفت به تاريخيا عبر عشرات السنين، رغم التحديات الكبيرة التي باتت تواجهها هذه الأيام، خاصة بعد خروجها من محنة الحرب المهلكة التي خاضتها ضد تنظيم «داعش» الذي كان قد سيطر عليها لمدة ثلاثة أعوام، وهي بذلك تثبت للعالم مرة أخرى أن نوافذها ستبقى […]

الموصل تقيم أول مهرجان دولي للفن التشكيلي بعد هزيمة «داعش»

[wpcc-script type=”93393b56e79758bd4def88f4-text/javascript”]

■ لم تتخل مدينة الموصل العراقية عن هويتها المدنية ودورها الحضاري الذي عرفت به تاريخيا عبر عشرات السنين، رغم التحديات الكبيرة التي باتت تواجهها هذه الأيام، خاصة بعد خروجها من محنة الحرب المهلكة التي خاضتها ضد تنظيم «داعش» الذي كان قد سيطر عليها لمدة ثلاثة أعوام، وهي بذلك تثبت للعالم مرة أخرى أن نوافذها ستبقى مشرعة للأمل، وإن كانت دروبها قد اصطبغت بالألم والدم. ومن هنا جاء افتتاح مهرجان الفن التشكيلي الدولي يوم الثلاثاء 29 يناير/كانون الثاني 2019، الذي أقيم على قاعة البهو الملكي في متحف الموصل الحضاري، الذي سبق أن تعرضت محتوياته إلى تدمير تام من قبل عناصر «داعش» التي كانت تشمل قطعا آثارية أصلية تعود إلى الحضارة الآشورية ومقتنيات أخرى للفترات الإسلامية التي أعقبتها.
ضم المعرض الذي حمل شعار «العودة.. الموصل صراع من اجل الحياة»، أكثر من (80) لوحة تشكيلية، إضافة إلى أعمال نحتية، ووصل عدد الفنانين المشاركين إلى (37) فنانا عراقيا وعربيا.
ربما تأتي مشاركة فنانين من الأردن ولبنان وسورية والمغرب العربي، إشارة إلى أن تطلعات فناني الموصل تمتد بعيدا إلى خارج حدود وطنهم، فالتجربة القاسية التي مرّوا بها خلال حكم «داعش» دفعتهم إلى أن يضعوا نصب أعينهم العمل على يخترقوا بتجاربهم الفنية جدران الخوف والرعب، التي أحاطت بمجتمعهم المحلي وعزلته عن الحياة الإنسانية والعالم، وفي الوقت نفسه السعي إلى إزاحة الصورة المزيفة التي رسمتها أجندة إعلامية طائفية عن الموصل على أنها موطن للإرهاب.


تنوعت أساليب الفنانين المشاركين بين مدارس فنية مختلفة، ما بين التجريدية والواقعية والانطباعية، إلا أن غالبية الأعمال المشاركة كانت تحمل بين ألوانها وبنيتها الفنية تشظيات المرحلة التي يعيشها الإنسان، في زمن باتت تنحسر فيه مساحة الحلم والحرية والحياة الآمنة، مقابل أعمال أخرى ضمها المعرض كانت تبعث بين تكويناتها رسائل أمل إلى العالم من بقعة مازال جرحها نديا. بعد أن كانت القاعة الملكية وأرضيتها إلى وقت قريب ساحة يصرخ فيها الإرهابيون وهم يحملون معاولهم وينهالون بها على كل الشواهد والرموز الحضارية للمدينة العريقة، نجدها اليوم ونحن نتجول فيها وقد ازدانت مرة أخرى بكثافة الألوان والأشكال الفنية التي تعكس بهجة الإنسان وتوقه إلى الحياة. ومن هنا وجه الفنان ناطق عزيز أحد المشاركين في هذا المهرجان أثناء حديثنا معه، تحية حب واعتزاز لكل المساهمين في هذه اللحظة المدهشة والجميلة من عمر المدينة، التي كانت إلى وقت قريب منزوية خلف العتمة. وأضاف لقد شاركت بقطعتي نحت، الأولى حملت عنوان «الأمومة» أردت من خلالها أن اؤكد على أن الموصل كانت ولم تزل عنوانا للثبات وتقديس الحياة والجمال. والثانية حاولت من خلالها أن أستوحي اللحظة التي كانت فيها هذه المدينة عند مفترق طرق وضعها بين متاهات تلك الفترة المظلمة والانتماء لمستقبلها.

ضم المعرض الذي حمل شعار «العودة.. الموصل صراع من اجل الحياة»، أكثر من (80) لوحة تشكيلية، إضافة إلى أعمال نحتية، ووصل عدد الفنانين المشاركين إلى (37) فنانا عراقيا وعربيا.

أما الفنان طلال غانم فقد أشار إلى أن هذا المعرض يعد تظاهرة ثقافية كبيرة بالقياس إلى الظرف الصعب الذي تعيشه المدينة، وكان لابد أن يقام، ولهذا حرصنا جميعا على أن يظهر للعلن مهما كانت الصعوبات، إذ ليس من سبيل أمامنا إلا أن نواجه بالفن أكداس الزيف التي قيلت بحقنا وبحق غالبية أهلنا.
النحات قيس إبراهيم شارك أيضا بعملين نحتيين، وفي حوارنا معه أكد لنا على أنه بدأ العمل عليهما أثناء سيطرة «داعش» على الموصل وانتهى منهما قبل أيام من بدء هذه التظاهرة، وأضاف أن العملين ينسجمان مع رسالة المهرجان وتم تنفيذهما بطريقة اعتمد فيها على مزاوجة مادة الخشب مع المسامير، وفقا للإسلوب الحداثي الذي سبق عُرف به واعتمده في أعماله السابقة، كما أكد لنا أنه كان يهدف من خلالهما أن يحكي قصة فنان تحدى إجرام الظلاميين وأصر على العمل والعطاء، وقد حمل العمل النحتي الأول عنوان «حركة في فضاء كوني»، والثاني «جزيرة الأحلام».
مسك حوارنا كان مع الفنان خليف محمود رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين/في نينوى، الجهة التي تحملت مسؤولية الإعداد والتهيئة، حيث أشار إلى ضرورة أن يستعرض لنا الجهات التي دعمت المهرجان، في مقدمتها راديو «الغد» بالإضافة إلى مؤسسة كوكل التي وفرت مستلزمات الرسم ونقلت بشكل مباشر إلى العالم الورش التي أقمناها أثناء فترة الاستعداد، وأضاف لقد حرصنا على إقامة ورشتين لفناني المدينة، الأولى في الموصل والثانية للفنانين النازحين في مدينة أربيل.
وفي المجمل شارك في المهرجان 37 فنانا تشكيليا عراقيا وعربيا، وهنا لا بد أن أشيد بالموقف الجميل الذي عبّر عنه عدد من الفنانين العرب تضامنا معنا، وكانوا من المغرب ولبنان والأردن، واستطرد قائلا كان لدينا إصرار على أن نقيم المهرجان في المكان ذاته الذي اتخذه تنظيم «داعش» مقرا له من بعد أن دمر الآثار التي كان يحتويها، لأننا أردنا أن يكون عملنا في النهاية بمثابة رساله حب ملونه نهديها إلى العالم، ومن خلالها ندين كافة أشكال الإرهاب والتطرف وفي الوقت نفسه نؤكد على وجودنا الحي والفاعل.
إلى جانب المعرض كانت هنالك أنشطة ثقافية أخرى شهدتها قاعة العرض، تضمنت جلسات ثقافية كان محورها الحديث عن الكنوز الحضارية التي تتعانق في روح هذه المدينة التي كانت دائما ما تلعب دور الريادة في حضورها الثقافي والعلمي والفكري في تاريخ العراق والمنطقة. ساهم في هذه الجلسات مجموعة من رموز المدينة من فنانين وأكاديميين منهم: هاشم الملاح، نجمان ياسين، أحمد قاسم جمعة، والباحث الأكاديمي عبد الكريم سليم.

٭ كاتب عراقي

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *