أعمال الجزائري فاتح مراد بين كلاسيكية الحرف والتنويع في الشكل
[wpcc-script type=”812db352ec35046173898781-text/javascript”]

يتميز الحروفي الجزائري فاتح مراد بتجربته الخاصة في مجال الحروفيات وفن الخط العربي، فهو يقدم منجزا من تجربته الخاصة في مجال الخط العربي والحروفيات، حيث تناغمت أعماله بين إيقاعات الحروفيات والأشكال الجديدة الخفيفة التي يطعم بها هذا المنجز، فامتزاج الخطوط العربية بأنواعها المختلفة من فارسي ومغربي وديواني وثلث وسنبلي، بأساليب حديثة يدعم المجال التطوري للمبدع فاتح مراد. فهو قد أحدث لنفسه مساحة فنية للإبداع باعتماد التعبير بالخط في نطاق توالي الحركات التي يبسط أشكالها بأقل كمية ممكنة في الفضاء.
وبذلك فهو يحقق أشكال جديدة داخل الفضاء، تارة يحرر من خلالها الحروف ويبعدها مع الحفاظ على القواعد، إذ ينوع في الشكل وفي التموضع وفي الكثافة وفي اللون؛ وتارة يبسطها بالشكل الأمثل المتعارف عليه في الخط العربي، وهي موازنة متباينة إلى حد ما بين ما هو كلاسيكي محض وما هو تنويعي في الشكل. ويتبدى أن المبدع يطبق كل شق في ذلك وفق ما تستدعيه رغبته في العمل.
فهو يتقن القاعدة الأساس، وبالتالي فإنه يستطيع أن يبسط الحروف وفق الأشكال المعاصرة كلما دعت الضرورة، وذلك في إطار رصد مختلف العلائق بين جماليات الخط في قاعدته الكلاسيكية وجماليات الخط في نطاقه التعبيري.
وفي هذا المنحى نجد مفارقة طفيفة، على الرغم من كون المبدع فاتح مراد يحاول أن يوازن ويصنع انسجاما وتوليفا بين العنصرين عن طريق إصهار المجال الكلاسيكي أحيانا في المجال الحروفي، بتنويع في الشكل وفي قيمة المنجز، إلا أن هناك حيزا فارقيا خفيفا يتمظهر كلما تم تحرير مجال الشكل وبسطه بشكل طليق في الفضاء. ولكون فاتح مراد متمكنا من مادته الفنية فإنه يستطيع أن يدمج الحروف في الألوان، ويشكل من خلال الألوان بأشكالها المتعددة بؤرة حروفية معاصرة، عن طريق تطويع الحروف للألوان والأشكال، وتطويع الألوان للانصهار في الحروف، وهو ما ينتج بلاغة فنية جديرة بالمتابعة. وقدرة إبداعية تنم عن سلطة الأشكال التعبيرية الحروفية اللونية، التي تنتج قيما فنية وجمالية. إن أعماله تحمل خصائص جمالية تنتج عن استلهامه من عناصر الخط كل الغايات الإبداعية الجديرة بالاهتمام، ومن الفن المعاصر مختلف جمالياته، ليحقق بذلك من خلال عمليات التوظيف نسيجا إبداعيا معاصرا.
فاتح مراد متمكنا من مادته الفنية فإنه يستطيع أن يدمج الحروف في الألوان، ويشكل من خلال الألوان بأشكالها المتعددة بؤرة حروفية معاصرة.
إن تجربة فاتح مراد غالبا ما تتحقق في منجز حروفي دال على مناح فنية مثقلة بالتعابير، وهي وإن كانت – تجربة حمالة لمشهدين جماليين متباينين قليلا ـ فإنها تحدد مجموعة من العلائق ذات قيم أصيلة من جهة، وحضارية من جهة ثانية، وهي كذلك رمزية فنية تزيد التجربة العربية الفنية بسطة جمالية، بقدر ما تتيحه تقنيات الفنان فاتح مراد ومؤهلاته الفنية، من غنى لتطوير مجال الخط العربي في شموليته، وما تشكله تجربته في التفاعل مع الحرف العربي، من منظور أكثر جمالية يحتوي على طابع تجديدي يصل به إلى قيمة فنية قائمة بذاتها. وهذا ما تؤكده أعماله من خلال تموضعات الحروف وضبط إيقاعاتها، وتمركز أشكال رسمها، وتناسق ألوانها، فمختلف الصيغ الجمالية الإبداعية التي يستهدفها المبدع في عمليات التجويد يجعل من أعماله خاصية جمالية ذات قيم فنية تستجيب لشروط المرحلة المعاصرة. فما يتناوله المبدع يدخل ضمن الشكل الجمالي الفني الإبداعي، الذي يحول الحرف إلى معطى دلالي يحمل مفردات فلسفية ورؤى تعبيرية ومضامين قوية، غالبا ما تشكل قيمة أساسية في أعماله. إنه يؤكد مختلف مناحي الجمال داخل الفضاء الحروفي المتناغم بسلاسة وتبسيط، ويعبر بمفردات لغته الخطية التشكيلية الخصبة، لينسج عالمه الحروفي البديع بقدر وافر من التجربة التي تجعل من أعماله غاية في الإبداع.
٭ كاتب مغربي