عيون نسائية تحكي أوجاع الحرب في معرض تشكيلي في دمشق

مع انخفاض الحرارة لتلامس حدود درجة الصفر المئوية في شوارع العاصمة السورية دمشق، يسرع زوار صالة عرض «جورج كامل» للفنون في حي المزة إلى الدخول للبهو الكبير هرباً من برودة الجو، ليجدوا دفئاً من نوع آخر في انتظارهم، مع خمس وعشرين حكاية تجسدها لوحات الفنان السوري التشكيلي خيرالله سليم، في إطار معرضه الأخير الذي افتُتح […]

عيون نسائية تحكي أوجاع الحرب في معرض تشكيلي في دمشق

[wpcc-script type=”0aeef371ee02cceac9613440-text/javascript”]

مع انخفاض الحرارة لتلامس حدود درجة الصفر المئوية في شوارع العاصمة السورية دمشق، يسرع زوار صالة عرض «جورج كامل» للفنون في حي المزة إلى الدخول للبهو الكبير هرباً من برودة الجو، ليجدوا دفئاً من نوع آخر في انتظارهم، مع خمس وعشرين حكاية تجسدها لوحات الفنان السوري التشكيلي خيرالله سليم، في إطار معرضه الأخير الذي افتُتح السبت الفائت.
«لكل لوحة فكرة، وهي أشبه بقصص قصيرة رأيتها وعشتها أو عايشتها»، يقول الفنان في لقاء مع «القدس العربي» داخل صالة العرض. ولا تصعب ملاحظة ذلك عند التجوال بين اللوحات التي تبدو وكأنها تدعو المشاهد لرحلة من التأمل والغوص في تفاصيل ملامح وألوان شخصياتها، وهي بشكل أساسي شخصيات أنثوية.
من المرأة المتألمة بصمت أو تحت قناع ترتديه يومياً على وجهها، إلى تلك التي تحاول الحفاظ على كبريائها وأنفتها، إلى ثالثة أتعبها الانتظار اليومي، ورابعة تتماهى مع ظلم تعيشه من أقرب الناس إليها، وأخريات يقارعن الاستغلال أو المرض، يشرح سليم بأن حكايات لوحاته جميعها تتمحور حول الحرب، وتنطلق منها وتعود إليها، مع اختياره رسم الواقع الذي يعيشه المجتمع السوري اليوم، من خلال المرأة. «فهي مرآة المجتمع والأكثر قدرة على التعبير عنه نتيجة تجاربها وأحـــاســـــيسها وشخصيتها».


اختيار سليم لمواضيع وأشكال لوحاته جاء أيضاً في إطار رغبته بالحديث عما مرّ وشعر به خلال الحرب، من خلال حالة جمالية تحكي عن معاناة المرأة وهي من أكثر الفئات تضرراً بسبب الحرب، وليس من خلال تصوير مشاهد دموية أو مشوهة أو أعمال مأساوية، فملامح نسائه تمزج بين الجمال والقوة والحزن والغضب والانكسار، وعيون كل واحدة منهن تحكي قصتها للمشاهد بطريقتها وتعطيه، لدى التحديق بها، أحاسيس متناقضة بالبوح بأسرارها تارة، وإخفاء تلك الأسرار طوراً آخر، وكأنها تتقصد جذبه ليدخل في دوامة ألمها ويعيش معها كل تفاصيل تجربتها. العيون بالنسبة لسليم لها مكانة مهمة وحساسة في أعماله، «فأول ما أقوم به عند تحديد شكل اللوحة هو تحديد نظرة العينين والإحساس الذي ستقوم بإيصاله للمتلقي، ولذلك فإن لعيون كل لوحة خصوصية ما». أما الألوان فجاءت بمجملها مريحة للمشاهد، وهو ما تقصده الفنان في محاولة للتخفيف من مأساوية مواضيع لوحاته بالمجمل، حيث قرر اللجوء لألوان دافئة كان للخريف أثر كبير فيها، على اعتبار إنجازه مجموعة كبيرة من اللوحات خلال ذلك الفصل. ويضيف سليم ضمن هذا السياق: «لا تكمن مهمة الفن بالتعقيد وتصعيب مهمة التلقي على المشاهد وإنما على الفن أن يريح المتلقي ويعمق ثقافته في آن معاً».

لا يمكنني الانفصال عن شخصيات لوحاتي، وما دمت أنا قوياً لا أقــــبل بأن تعــــاني نساء أعمالي من الضعف.

معرض دون اسم

انطلقت تحضيرات الفنان خيرالله سليم لمعرضه الحالي منذ حوالي عامين، فبعد إنجازه خلال سنوات الحرب مجموعة أعمال بتقنية الغرافيك وصفها بأنها «متأثرة بالحرب وسوداوية لدرجة مخيفة»، قرر النأي بنفسه بعض الشيء عن مفرزات الحرب التي كانت في أوجها، ورغب بالعمل على لوحات تزاوج بين رغبته بأن يحكي ما بداخله، وإصراره على أن يكون ذلك بشكل جمالي بعيد عن بشاعة الحرب.
بذلك وقع اختيار سليم على المرأة، وهي أقدر كائن على التعبير عن حالة السوريين خلال الحرب، وقرر التماهي معها في كافة حالاتها كي يتمكن من الوصول لنتيجة مرضية له. «إنجاز اللوحة هو أشبه بالحوار بين الفنان وقطعة القماش البيضاء أمامه، حوار تتخلله حالات من السعادة أو الغضب الذي قد يصل حد تمزيق اللوحة وإعادة العمل عليها من جديد. هنا كنت أضع نفسي مكان المرأة وأتخيل تفاصيل حياتها، مستعيناً بتجاربي، وكل ما عايشته أثناء السنوات السابقة، وأيضاً تاركاً نفسي لانفعالاتي بكافة تقلباتها».
ورغم الضعف الذي قد تعاني منه المرأة في سوريا اليوم بعد عشرات التجارب المريرة، أصر الفنان على عدم رسم نساء ضعيفات بالمطلق، وإضافة مسحة من القوة والكبرياء حتى على أكثرهن هشاشة، «لا يمكنني الانفصال عن شخصيات لوحاتي، وما دمت أنا قوياً لا أقــــبل بأن تعــــاني نساء أعمالي من الضعف». وبعد عامين من العمل، كانت الحصيلة النهائية وفق حديث سليم إحدى وأربعين لوحة، اختار منها خمسة وعشرين عملاً لعرضها للجمهور، محاولاً أن تكون لها روح موحدة قدر الإمكان.
ولم يطلق الفنان اسماً على معرضه، ولا على أي من اللوحات، وهو ما اعتاده في كافة أعماله السابقة. «لا أفضّل حصر المتلقي بعناوين محددة كي لا تتحول تجربة المشاهدة لمحاولة ربط بين العمل والعنوان، أو بين المعرض ككل وعنوان محدد مسبقاً. أرى أن مهمتي كفنان هي أن أدفع المشاهد للوقوف أمام اللوحة وتحليلها، ومن ثم قد يطلق هو نفسه اسماً ما عليها. هنا تتحول المواضيع لمزيج من قراءاتي وقراءات المتفرجين مما يشكل غنى كبيراً لها».
ويُعد معرض الرسم هذا الثاني لسليم منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة باختصاص الاتصالات البصرية عام 1979، حيث أقام سابقاً معارض ملصقات سياسية حملت رسائل تضامن مع جميع الشعوب المقهورة والمظلومة في كافة أنحاء العالم، وانقطع عن العمل الفني لسنوات بسبب تفضيله الصمت المطلق، وعاد ليتابع الرسم عام 2008 حيث أنجز عشرات اللوحات وعرضها بشكل فردي وجماعي خارج سوريا بشكل خاص.

٭ كاتبة من سوريا

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *