هيمنة عراقية لمزاد «كنوز» للفن التشكيلي العربي في لندن

برعاية مؤسسة «تنمية المرأة الناجحة عالميًا» أُقيم معرض ومزاد «كنوز» الخامس للفن التشكيلي في إحدى صالات فندق Bvlgari في لندن. وقد ضمّ المزاد 47 عملاً فنيًا لـ35 فنانًا من تسعة بلدان وهي، العراق، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، السودان، لبنان، فلسطين، مصر، عُمان وتركيا. وقد هيمن الفنانون العراقيون على المعرض والمزاد، إذ بلغ عددهم 21 فنانًا […]

هيمنة عراقية لمزاد «كنوز» للفن التشكيلي العربي في لندن

[wpcc-script type=”c4d41cd27047da81a7220185-text/javascript”]

برعاية مؤسسة «تنمية المرأة الناجحة عالميًا» أُقيم معرض ومزاد «كنوز» الخامس للفن التشكيلي في إحدى صالات فندق Bvlgari في لندن. وقد ضمّ المزاد 47 عملاً فنيًا لـ35 فنانًا من تسعة بلدان وهي، العراق، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، السودان، لبنان، فلسطين، مصر، عُمان وتركيا. وقد هيمن الفنانون العراقيون على المعرض والمزاد، إذ بلغ عددهم 21 فنانًا شاركوا بـ26 لوحة ومنحوتة، فيما شارك 14 فنانًا من سبع دول عربية إضافة إلى تركيا بـ21 لوحة وعملاً نحتيًا بأحجام مختلفة، وثيمات متنوعة.
تتميز المشاركة العراقية بوجود أسماء فنية كبيرة خرجت عن إطارها المحلي والعربي، وأخذت تحظى بسمعة عالمية منذ زمن بعيد أبرزهم، فيصل لعيبي، صلاح جياد ونعمان هادي الذين اشتركوا بثلاث لوحات مهمة منحت المزاد قيمة اعتبارية كبيرة، وليس غريبًا أن تحظى لوحة «السيد والعبد» لفيصل لعيبي بأعلى ثمن في المزاد وهو 50000 جنيه إسترليني، لكنه لم يبعها لأن سعرها التخميني كان يتراوح بين 71 إلى 82 ألف جنيه، لأنها تنطوي على أبعاد فلسفية وجمالية تحفِّز على التفكير وتحثّ على إعمال الذهن، كما تسترعي الانتباه في الشكل واللون وزاوية النظر، التي يتطلع منها الفنان إلى هذه الثنائية الفكرية التي استقرت في ذاكرة الناس منذ الأزل وحتى يومنا هذا. أما لوحة «سفينة نوح» لصلاح جياد فهي تذكّرنا بالعديد من لوحات الفنان البريطاني جوزيف تيرنر، لكنها لا تُحيل إليه لأنها تحمل بصمة صلاح الخاصة التي تجاوز بها أساتذته بسبب موهبته المبكرة، وتقنياته الحديثة آنذاك. لا تبتعد لوحة «إحباط» للفنان نعمان هادي في قيمتها الفنية عن لوحتي زميليه لعيبي وجياد، لأنها متفردة في الشكل الصادم، والمضمون العميق الذي يجسّد صورة الإنسان المُحبَط في كل مكان، ويكفي للمتلقي أن يتطلع في وجه الفيكَر الوحيد ليكتشف حجم الألم واليأس والقنوط في ملامحه، التي تُفاقم قساوتها خلفية اللوحة السوداء. وفي السياق ذاته لا يمكن غضّ الطرف عن تجربة الفنان لُقمان الشيخ الذي غادر العراق منذ زمن مبكر، واستقر به المقام في صوفيا ليجترح تجربته الفنية الخاصة، ولعل لوحة «لُغز» التي تحيّرنا بهذا الوجه الغامض والمجهول الذي يمكن أن نفسّره بالعقل الجبّار أو الملاك الحارس أو المعلّم الروحي للفنان نفسه.

 أما هذه الألوان الحارّة فهي ميزة لقمان الشيخ وعلامته الفارقة في المشهد التشكيلي العراقي المتناثر في المنافي البعيدة.

أما هذه الألوان الحارّة فهي ميزة لقمان الشيخ وعلامته الفارقة في المشهد التشكيلي العراقي المتناثر في المنافي البعيدة. ويقابلهم في النحت علي الموسوي الذي اشترك بمنحوتتين معُبّرتين، وهما «شهرزاد» و«رحيل» اللتين تميزتا بالدقّة والانسيابية والمظهر الصقيل الذي يريح الناظرين. تفرّدت لوحة «لمعان لوني» لإحسان الخطيب بألوانها الحارة وتكوينها اللافت للنظر، وبدت أعمق بكثير من لوحة «الأسطورة» على الرغم من الجهد الكبير الذي بذله في تنفيذها بطريقة تشخيصية مبسّطة لا ترتقي إلى أعماله التجريدية الأخرى، التي تعكس قدرته التلوينية الفائقة. ثمة جهد فني واضح في منحوتة «صلاة» للفنانة خلود الدعمي، وربما ينسحب هذا الأمر على لوحة «تشويش» للفنان حيدر القسّام. أما بقية اللوحات الواقعية والتشخيصية فلم تخرج عن فلك الأعمال المألوفة والمكررة التي تستنسخ نفسها ضمن المشهد التشكيلي العراقي.
تُشكِّل اللوحات الفنية الكويتية نوعًا من المفاجأة في الأشكال والمضامين، حيث قدّمت الفنانة شيخة السنان لوحتين تجريديتين مُعبّرتين تحملان عنوان «البحر وسمفونية الصحراء» تتوفران على حركة جميلة، وألوان مدروسة مريحة للنظر، وهذا الأمر ينسحب على لوحتي الفنان محمود أشكناني اللتين يتسيّد فيهما الأحمر والبرتقالي والأبيض بتناغم لوني جميل لا يحفل بأي لمسة تشخيصية. أما ثريا البقصمي فقد قدّمت عملين مبهجين لونيًا سحبت فيها الأشكال إلى الفضاء الغرائبي المُبهر.
تميز هذا المزاد بوجود أعمال فنية مهمة للفنان الإماراتي عبد القادر الريس الذي تجاوز بُعدهُ المحلي والعربي أيضًا، وأصبح فنانًا عالميًا بامتياز، وقد اشترك بعملين تجريديين متناغمين لونيًا، كما اشتركت منى الخاجة بلوحة «حكاية قبل النوم» التي جسّدت فيها براعتها السردية واللونية في آنٍ معًا. أما الفنان الآخر الذي تجاوز حدوده المحلية فهو السوداني تاج السرّ حسن، حيث اشترك بثلاث لوحات وهي «مَن يُوقف النزيف وكل ما نحبه يرحل أو يموت» وهو بيت شعر للبياتي، و«الأفراح والأتراح» و«الحُب جوهر الحياة» لعمر الخيّام. وعلى الرغم من هيمنة الجانب الكاليغرافي على هذه اللوحات، إلاّ أن خبرته اللونية منحتها بُعدًا ثالثًا، فضلاً عن الجانب الحركي الذي يكسر سكونية اللوحة ويُخرجها من رتابة النص المرئي المسطّح الذي لا يمتلك القدرة على استغوار الأعماق.

توزعت اللوحات اللبنانية بين التجريد الذي تألق فيه الفنان شكر الله فتّوح والتشخيص الذي برعت فيه ليلى الزين، خاصة في لوحة «عازفة البيانو» بخلفيتها الدكناء وألوانها الوحشية المعتمة.

توزعت اللوحات اللبنانية بين التجريد الذي تألق فيه الفنان شكر الله فتّوح والتشخيص الذي برعت فيه ليلى الزين، خاصة في لوحة «عازفة البيانو» بخلفيتها الدكناء وألوانها الوحشية المعتمة. لم تنجُ اللوحات الأخرى من الواقعية والتشخيصية، كما في لوحة «قبّة الصخرة» للفلسطينية نادين طوقان، و«عيون الأزهار» للمصرية نادية وهدان، أما لوحة «أفق» للعُماني سلمان الحجري فقد أغرقها بالمنحى الزخرفي، وأضفى عليها جمالاً يخلب الألباب، فثمة متعة في فيكَرات اللوحة وألوانها ونسيجها الداخلي المرسوم بعناية شديدة.
اشتركت الفنانة التركية إليف أوزال دانشمان بمنحوتة «المرأة» حيث قدّمت نموذجًا لتمثال نصفي لامرأة في منتهى الجمال. وأشارت في معرض حديثها عن المنحوتة إلى أن ابتسامة الحب والشغف التي تظهر على وجهها تعطي الإحساس بالهدوء والطمأنينة، وتُعبِّر عن الحُب النقي للأم والأخت والابنة والصديقة والزوجة والعشيقة.
يهدف هذا المزاد إلى ترويج الفن التشكيلي العربي في المملكة المتحدة، ويسعى القائمون عليه لتغيير النظرة النمطية عن العرب خاصة، والمسلمين بشكل عام. كما يفتحون في الوقت ذاته حوارًا ثقافيًا وفنيًا مع أوروبا والعالم الغربي برمته لردم بعض الثغرات، ومدّ الجسور المعرفية بين الشعوب التي تستطيع أن تغذّي بعضها بعضا مثل الأواني المستطرقة بعيدًا عن التعالي واللغة الفوقية المتعجرفة.

٭ كاتب عراقي

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *