اليمني عبدالغني علي: الرؤية الروحيةِ في تجليات اللغةِ اللونية
[wpcc-script type=”2695b43c250cb3abd08f89cd-text/javascript”]

صنعاء ـ «القدس العربي»: في لوحة التشكيلي اليمني عبد الغني علي (1975) تحضر الواقعية بتجليات روحية تجسد مدى وعي الفنان بالقيمة الثقافية للغة اللونية وقدرته على التعبير من خلالها عن موضوعات لا تغادر بيئته المحلية، لكنه تقنياً يتجاوز بواقعيته معها التصوير إلى التجريد والتفسير والتأويل، وأحياناً في لوحة واحدة تتداخل تقنيات وسطوح ضمن رؤية صوفية تشتغل على المعاني في علاقتها بالهيئات؛ وهي رؤية تبدو واضحة التأثير في لوحته؛ وربما تعكس مدى تأثره ببيئته الثقافية التي يحضر فيها التصوف فاعلاً مؤثراً في الوعي الديني.
ينتمي عبدالغني للجيل الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، ويُعد من التشكيليين الذين قَدَمَوا لهذا الفن من مجالات أخرى. كانت بداية علاقته باللوحة كهواية في سن الطفولة، لكنها تعززت خلال دراسته في قسم الفنون الصناعية في المعهد الصناعي (كان يُعرف حينها بالمدرسة الصينية) في مدينة تعز/جنوب غرب. كان ذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي، وخلال دراسته في هذا التخصص كان من الطبيعي أن يتعاطى مع الفنون التشكيلية ضمن المنهج الدراسي. ووفق حديثه لكاتب السطور، فقد وجد نفسه، خلال دراسته لهذه الفنون، يميل نحوها كثيراً؛ واستجابة لذلك بدأ يكثف علاقته بها، بل إنه استطاع، على هامش الدراسة، أن ينال دروساً إضافية في الفنون التشكيلية من مدرسي المعهد خارج الفصل الدراسي. وقد استفاد من تلك الدروس كثيراً، وتشكلت، من خلالها، بداياته الأولى مع الفن التشكيلي؛ وهي البدايات التي تبلورت بوضوح عقب تخرجه في المعهد، من خلال إنجاز أعمال واقعية (تصويرية)؛ وهي أعمال كانت أقرب للنقل الفوتوغرافي، ويمكن اعتبارها تُمثل المرحلة الأولى في تجربته، (لكن اللافت أن الفنان لم يحتفظ بأي من أعمال تلك المرحلة وما بعدها بما في ذلك صور فوتوغرافيه لها، بسبب – ما قال- إنها طبيعة الظروف والمرحلة التي لم تكن مواتية للاحتفاظ بذاكرة عنها).
في تلك الفترة، وتحديداً في عام 1993 التحق عبدالغني بمَرسم الفنان التشكيلي الراحل هاشم علي (رائد الفن التشكيلي اليمني 1945- 2009) وحينها كان ذلك المَرسم هو المنصة التعليمية التدريبية التشكيلية الأولى والوحيدة في اليمن، وكان الالتحاق به متاحاً لكل مَن يرغب في تعلم الفن التشكيلي، وقد التحق بالمرسم عددٌ ممن ذاع صيت بعضهم، لاحقاً، في المشهد التشكيلي اليمني.
وربما يظهر الفنان عبد الغني علي، أكثر أولئك الفنانين الذين تخرجوا في ذلك المرسم تأثراً ببعض ملامح لوحة الفنان الراحل هاشم علي.
أهم ما تعلمه عبدالغني هو أنه استطاع أن ينتقل بتجربته الواقعية من مرحلة تصوير الواقع إلى التعبير من خلال الواقع، وهنا يقول إن أعماله تجاوزت ما يمكن أن يُقال عنه (النقل الفوتوغرافي) إلى التعبيرية والانطباعية.
اللغة اللونية
كان أهم ما تعلمه عبدالغني من مرسم الفنان هاشم هو أنه استطاع أن ينتقل بتجربته الواقعية من مرحلة تصوير الواقع إلى التعبير من خلال الواقع، وهنا يقول إن أعماله تجاوزت ما يمكن أن يُقال عنه (النقل الفوتوغرافي) إلى التعبيرية والانطباعية لاحقاً، وأصبح يشتغل ـ كما يقول- على ما اعتبره الرؤية الفكرية التي تقف وراء اللغة اللونية، حيث استفاد من الفنان هاشم كيفية إثراء العمل الفني برؤية خاصة تُعبر عنه من خلال الاشتغال على لغة لونية مختلفة قادرة على منح المنظور الشكلي روحاً ومعنى. وعكست هذه التجربة أعمالا تعامل من خلالها عبدالغني مع مناظر طبيعية ومحلية من الحياة التقليدية، التي مهدت للانتقال بلوحته لاحقاً مع بداية الألفية إلى مرحلة جديدة ظهرت فيها بوضوح نزعته الصوفية في علاقته بالموضوع والمنظور، وفق رؤية يتماهى فيها النص البصري بوعي الفنان وحالته الوجدانية؛ وهو ما نقرأه بوضوح في أعماله التي صورت ـ مثلاً- بعض مشاهد ضاربي الدفوف أو عازفي المزمار أو الراقصين… وهي أعمال تحضر فيها الواقعية لكن بموازاتها ثمة تجريد يمارس من خلاله الفنان تأويلاً أو تفسيراً وأحياناً تمييزاً وتشبيهاً. ومن هذه الأعمال أيضاً لوحة المرأة الحامل أو لوحة مدينة تعز أو غيرها من الأعمال التي يحرص فيها الفنان على استنطاق (باطن الشعوري) في (ظاهر الشكلي) ضمن نص بصري، يعبر عن مدى اهتمام الفنان بالخصوصية الجمالية والفنية، في روح المنظور بموازاة الخصوصية المعرفية والثقافية على سطح التكوين والتلوين.
الحروفيات
لقد فتحت له هذه المرحلة، التي تعيشها تجربته حالياً، آفاقاً جديدة انتقلت معه لوحته تقنياَ وموضوعياً إلى مستويات لم تلغ صلتها الوثيقة بالواقعية، كما لم ترتبط بوضوح بمدرسة أخرى؛ فجاءت لوحته تؤكد مدى اهتمامه بالموضوع الذي يشغله ويشتغل عليه، في سياق تركيزه على البُعد الروحي والتجلي الوجداني في المنظور الإنساني الجمالي، سواء في اشتغاله على الإنسان أو المكان أو كليهما. وضمن اشتغالاته تلك جاءت تجربته مع الأعمال الحروفية؛ وعلى ارتباطها بنزعته الصوفية ورؤيته الثقافية إلا أنه يتضح، من خلالها، مدى اهتمامه، أيضاً، بالشكل في الاشتغال على العمل الفني، ومدى معرفته وإيمانه بما تتمتع به الحروف العربية من روح فنية وقيمة وجدانية وروحية أيضاَ. وكما يقول «فالشكل عنصر ضروري في العمل الفني، بل يمثل مفتاح اللغة في التعامل مع المتلقي» متميزاً في حروفياته بقدرته على الاشتغال اللوني الواعي على النور والضوء في إبراز الأهمية الثقافية والقيمة الجمالية للأشكال والمعارف أيضاً كجزء لا يتجزأ من الوعي الروحي.
الصفاء اللوني
في كل أعماله يحرص الفنان على أن تأتي لوحاته وسطوحه شفيفة الألوان واضحة الأشكال… وهو ما يقرأه المتلقي في أجواء المشهد، فألوانه نقية، بل ثمة شعور يغمر المتلقي، وهو يقف أمام هذه اللوحة؛ لعل ذلك هو شعور الفنان. على صعيد علاقته بالألوان فثمة اشتغال مكثف على اللونين الأخضر والبرتقالي، وهنا يرى الفنان أن هذين اللونين هما أهم الألوان في التصوير الجمالي؛ فلهذين اللونين قدرات يستفيد منها الفنان في منح التكوين والهيئة مسحة جمالية ترفع من القيمة الفنية للتشكيل.
نظم عبدالغني علي ثمانية معارض شخصية آخرها كان في عام 2014، بالإضافة إلى الكثير من المشاركات الجماعية داخل اليمن وخارجه.