معرض «حلاوة زمان» للتشكيلية سماء يحيى: الاحتفاء بالتراث البصري للمصريين

القاهرة ـ «القدس العربي»: فكرة التعامل الفني من خلال التراث، رغم صعوبتها، إلا أنها في الوقت نفسه تعد اختباراً قاسياً للفنان الذي يحاول استلهام هذا التراث أو حتى الإيحاء به. الحديث هنا عن المادة التراثية وكيفية صياغتها فنياً، سواء في الأدب أو الفن التشكيلي، فالتجربة تعد تعبيراً واضحاً لموقف الفنان من هذا التراث، فهل هو […]

معرض «حلاوة زمان» للتشكيلية سماء يحيى: الاحتفاء بالتراث البصري للمصريين

[wpcc-script type=”d0ac3898dc03d15f593ba7e1-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: فكرة التعامل الفني من خلال التراث، رغم صعوبتها، إلا أنها في الوقت نفسه تعد اختباراً قاسياً للفنان الذي يحاول استلهام هذا التراث أو حتى الإيحاء به. الحديث هنا عن المادة التراثية وكيفية صياغتها فنياً، سواء في الأدب أو الفن التشكيلي، فالتجربة تعد تعبيراً واضحاً لموقف الفنان من هذا التراث، فهل هو استلهام عن وعي؟ أم مجرّد ادعاء وتسويق لعيون غريبة لا تعي ولا تتفهم؟ اللهم إلا لحظات إبهار أمام الغريب المجهول. والعديد من فناني التشكيل المصري يلعبون هذه اللعبة الضالة، أملاً في دعم ما، أو لعرض أعمالهم في بعض الدول الغربية، بحثاً عن مكانة وشهرة زائفتين. ويأتي معرض الفنانة المصرية سماء يحيى المعنون بـ«حلاوة زمان» ــ وهي أغنية شهيرة كتبها صلاح جاهين وغناها محمد قنديل، احتفالاً بمولد رسول الإسلام ومظاهره التي ابتدعها المصريون ــ فبداية من العنوان هناك مردود في الذاكرة بما يوحي به من ذكريات قديمة لطالما عاشتها أجيال من المصريين، قبل المد الوهابي وتغيير الشخصية المصرية وطقوسها. وتعد تجربة الفنانة من أبسط التجارب وأعمقها، رغم صعوبة المادة والتكوين وطبيعة العمل، الذي ينبني بالأساس على مشاركة المتلقي في استكشاف أدق تفاصيله، وما تثيره هذه التفاصيل من دهشة وفرح طفولي قد يوحي في النهاية بشيء من التأسي.

في صحة الذاكرة

من حديد قديم وأخشاب وفخار وبعض الصفيح، وكذا أكواب، زجاجات قديمة، عرائس من ورق تقي شر الحسد، وأبواب ومقاعد خشبية يتجسد من خلالها العديد من الشخوص، التي بدورها تعبّر عن طقوس وطبيعة حياة كاملة وتفاصيلها الدقيقة، التي أصبحت الآن لا تعيش إلا في ذاكرة أصحابها ــ العديد من الأجيال الجديدة لا تعرف هذه الأشياء أو استخداماتها، التي كانت متواجدة في كل بيت مصري، كان ينتمي أصحابه إلى ما يُسمى بالـ(الطبقة الوسطى) أو بيوت الأحياء الشعبية العريقة. في ذلك الزمن كانت هذه الطقوس ومفرداتها يتم تعامل الجميع من خلالها، طقوس الاحتفاء بالمولود ــ السبوع ــ أو العرائس الخشبية، وبعض من الحكايات الشعبية وأبطالها، التي كانت تتناوب سيرهم في المقاهي القديمة، كعنترة وأبو زيد الهلالي، هكذا تصبح الوجوه الضخمة ممثلة لهؤلاء الأبطال، وهم يشهرون السيوف، التي كان يُعلّق بعضها على الجدران في المنازل.

نجد عربات الموالد الشهيرة وكأنها تسير في الشوارع بألوانها الصاخبة وتداخلات أدوات الزينة، أو الطقس الفرعوني الشهير، حيث المراكب التي تسير حاملة عروس النيل.

من ناحية أخرى نجد عربات الموالد الشهيرة وكأنها تسير في الشوارع بألوانها الصاخبة وتداخلات أدوات الزينة، أو الطقس الفرعوني الشهير، حيث المراكب التي تسير حاملة عروس النيل. كذلك الاحتفاء بماكينة الخياطة القديمة ــ كانت منتشرة في بيوت المصريين حتى بين النساء اللواتي لم يأخذنها كمهنة ــ التي من الممكن أن يكتمل العمل الفني وبطلته ــ ماكينة الخياطة ــ بطائرة ورقية وفنجان قهوة مقلوب ينتظر مَن يقرأ ويفك شيفرة رسوماته الغريبة، بدون بعض تفاصيل في العمل توحي بأثاث المكان وطبيعته، مثل الراديو القديم، الصينية النحاسية، السبرتاية و«كنكة» القهوة، وعروسة قطنية نسيتها طفلة كانت تلهو بها منذ لحظات.

الأسلوب والتلقي

ويبدو من طبيعة الأعمال أنها تعـــتمد على محاورة ذاكرة المتلقي، ولا تكتفي بالمشاهدة العابرة، فالأمر يتطلب ما يُشبه الطواف حول العمل، ومحاولة التدقيق في تفاصيله، ومن ثمّ الانتقال إلى آخر، وهكذا وكأنك دخلت إلى عالم قديم لا يمتلك إلا رموزه وتفاصيله، وهو ما ساعد على إيصال رسالة الانفصال التام عما يدور خارج المكان، وكأننا في زمن آخر، نستعيده في هدوء، وهو ما يوحي أيضاً بثقة كبيرة في أننا لسنا وحدنا الذين نعرف ذلك الزمن ومفرداته، بل هناك مَن يتشارك في الاهتمام بهذه التفاصيل/ الذكريات.
ومن خلال هذه الفكرة يبدو أسلوب الفنانة بعيداً تماماً عن أي استعراض أو تعال، أو حتى الادعاء بأشياء لا تعرفها، بل خَبرتها جيداً وتشكّل لديها مخزون بصري تستطيع التحاور من خلاله، هذا المخزون البصري مصري صرف، ولا يمتلك المتلقي سوى تصديقها والتواصل مع هذه الأعمال إلى درجة التعايش ونسج حكاياته الخاصة كما يشاء حولها، وهــــو ما يؤدي بدوره إلى عدم الحجر على رؤية المتلقي، أو قيادته كأعمى، فلا وصاية ولا إرشادات متعالية، كثيراً ما تصيب العديد من الأعمال التي تكذب باسم التراث والهوية، والكلمات الرنانة التي توحي بالشفقة على رفاق النضال الوهمي.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *