يعتبر الفنان التشكيلي محمد القدومي أحد الوجوه المألوفة التي تشتغل على المنجز الواقعي، وهو يستقي مادته التشكيلية من الواقع المتعدد المرامي، وفق خاصياته الجمالية المتنوعة، وأسلوبه التشكيلي الذي يحبل بمقومات فنية، وتفاعليات جمالية، سواء على مستوى البناء الفضائي، أو على مستوى التقنيات العالية الموظفة، أو على مستوى الاستعمالات المضامينية والجهاز المفاهيمي بكل تمظهراته. وعلى الرغم من بعض التباينات التي تنتج في هياكل أعماله، إلا أن المادة الفنية في مجملها تروم صناعة مجموعة من العلاقات التحاورية، لتمرير أشكال تعبيرية مغايرة للمألوف، يؤطرها الفنان محمد القدومي بمجموعة من التقنيات الحديثة والأدوات التحولية المعاصرة، وباستعمالات رمزية وعلاماتية. فالمبدع يبني فضاءات أعماله باعتماد المادة الواقعية كأسّ مركزي لنحت مسار تشكيلي يروم التعبير وفق نسيج لوني ورمزي وعلاماتي يتم توظيفه وفق أبعاد فنية وقيم جمالية، وبطرق ممنهجة يتوخى من خلالها بسط الصيغ الجمالية بحمولة تتنوع فيها الأشكال والمضامين، باعتبار واقعية الشخوصات التي تتمتع بالسيولة التعبيرية لدى المبدع، وباعتبار تنوع المضامين التي تضمر مواد واقعية خصبة. وهو ما يجعل من بعض التوظيفات العلاماتية واللونية أدوات أيقونية تفصح عن دلالات ورؤى ومعان متعددة، وتعبر عن خلجات المبدع وهواجسه بسحر فني لائق. وهي تخفي في طيها أبعادا فلسفية وقيمية، تتفاعل مع مقومات العمل التشكيلي المعاصر، وتنسجم مع سياق المجال التعبيري الذي يشتغل عليه. إنه مجاله الخصب الذي يحتوي مجموعة من المعارف التشكيلية والمعالم الفنية والذوقية التي تندرج ضمن نسيج ثقافي واجتماعي، ورصيد معرفي تشكيلي، يتحكم المبدع في تدبيره وإدارته رسما وتعبيرا، وأيضا يوظفه بشكل ممنهج، ومروني.

إن أعمال الفنان التشكيلي محمد القدومي تنطق برؤى فلسفية متناسقة ومترابطة، يؤكدها أسلوبه الواقعي التعبيري المتعدد المضامين، حيث يعكس بشكل قوي ثقافته التشكيلية الرصينة المبنية على أسس فنية وجمالية. وهو ما يعِد بمزيد من الارتقاء والابتكار في العمل الإبداعي لديه. وهو وإن كان يعتمد الكثافة اللونية في مساحات مغلقة، فإنما يسعى بذلك إلى صنع مجال تشكيلي يتأسس على ثوابت تصورية خاصة به، فيلغي الفراغ ويستبدله بالكثافة وهي قيمة فنية تعبيرية في المنظومة التشكيلية المعاصرة. وفق تصاميم واقعية ووفق منظور تشكيلي معاصر، مما يجعل الصيغ الجمالية أكثر نجاعة في أعماله التي تستقطب عين القارئ.

٭ كاتب مغربي