صرخة السوري إبراهيم الحسون في معرض «طفولة الرصيف» في تركيا

تعتبر «الوحدة» في الفكر الجمالي الكلاسيكي، شرطا أساسيا لإنتاج الشكل، والأطروحة المضادة هي «غياب الشكل» التي تعني، غيابا تاما لترسيم الحدود مع الخارج، غيابا للاختلاف عنه، فغياب الحدود مع الخارج حسب الناقد الألماني روسنكرانز هو غياب للشكل الجمالي في الجوهر.. إنه سقوط مباشر في فخ المحاكاة، لأن الشكل الفني المبدع لا يتمظهر حسيا وجماليا إلا […]

صرخة السوري إبراهيم الحسون في معرض «طفولة الرصيف» في تركيا

[wpcc-script type=”4478cd81a7ecc4aeaf228cf7-text/javascript”]

تعتبر «الوحدة» في الفكر الجمالي الكلاسيكي، شرطا أساسيا لإنتاج الشكل، والأطروحة المضادة هي «غياب الشكل» التي تعني، غيابا تاما لترسيم الحدود مع الخارج، غيابا للاختلاف عنه، فغياب الحدود مع الخارج حسب الناقد الألماني روسنكرانز هو غياب للشكل الجمالي في الجوهر.. إنه سقوط مباشر في فخ المحاكاة، لأن الشكل الفني المبدع لا يتمظهر حسيا وجماليا إلا حينما يمتلك اختلافا خارجيا، واقعيا، إنها وحدة تتجرد من كل شيء، ليست مقفلة ـ فقط ــ على الخارج ولكن مختلفة في ذاتها ـ أيضا ـ عن الوحدة التي تمثلها، هذا الاختلاف المحدد، هو صيرورة تفكك وانقسام، إنه صراع الوحدة مع نفسها ونزولها من مثاليتها المتعالية. من هذا المنطلق الفكري يحاول الفنان السوري إبراهيم الحسون أن يمزج بين الأنماط، ليصل بالشكل إلى درجات التجلي الإستيطيقي الملموس، فالتصويري والتجريدي يتحدان في تجربته ليصلا بالفكرة الفنية إلى نضج تعبيري لا تعنيه فكرة «الكمال»، وإنما التعبير عن هواجس الذات في علاقتها بالزمان والمكان السوريين، وانفتاحها على الأفق الإنساني، ولذلك نجحت أعمال إبراهيم الحسون في الانفلات من التكرار والمحاكاة، وظلت مرتبطة بتمثلات الذات لقضايا الذاكرة.. الإنسان.. الحرب واللجوء، مفككة الموضوع إلى شظايا يتم تركيبها في سياق بصري وجمالي، يمتح من الواقع المعاش ويسافر في مساءلة الكوني والوجودي كجوهر حقيقي لأي تجربة فنية..

يحرس إبراهيم الحسون ذاكرة الوطن، يرممها ويلونها، حتى لا يظل شاهدا عاجزا، لأن إرادة الحياة والمقاومة، هي التي تمنح العملية التشكيلية شرارتها وألقها.

يركز الفنان على عنصر «التشويه» خارجا عن «الصرامة المدرسية» الباردة، كتهديم مقصود يشكل شرطا للخلق والإبداع والسياق، أو توليفة العناصر داخل العمل في نهائيته، هو ما يجعل الأخطاء مقبولة، بل ضرورية، لأن الفن لا يخضع للقواعد المتعارف عليها، ولكن يعيد تشكيلها وترتيبها حسب الأسلوب. يقول إبراهيم الحسون: «إن تسمية المعرض أو الدلالة الأدبية لا تهمني، وإنما المعالجة البصرية التي أقوم بها على سطح اللوحة والعلاقات بين تلك الأشياء المادية هي المهمة لديّ، فأنا أقوم بتحطيم الأشياء المادية من حولي وأعيد صياغتها بصريا من جديد». هذا التفكيك التشكيلي للواقع يدفعه لـ«مزج الأنماط» والأساليب، خاصة «الواقعية» و«التجريدية» مكسرا وحدة الشكل في تناغم لوني يشبه سمفونية حزينة في جنازة كبيرة لا تخلو من أنفاس أمل منبعث من رماد الموت والدمار.. يحرس إبراهيم الحسون ذاكرة الوطن، يرممها ويلونها، حتى لا يظل شاهدا عاجزا، لأن إرادة الحياة والمقاومة، هي التي تمنح العملية التشكيلية شرارتها وألقها.
تندرج أعمال الحسون ضمن «التيار التعبيري» المتميز باختزال عناصر الواقع، ظهر في أوروبا الشرقية (خاصة ألمانيا) وتميز بتوظيف ألوان وأشكال حادة، مأساوية وكان من رواده munch بلوحته «الصرخة» و otto بعمله الفني «الحرب».
إبراهيم الحسون من بين الفنانين الذين خرجوا عن طوع «المدرسية» في التشكيل، تاركا لـ«الذاتي» في عمقه الأصيل أن ينصهر في اللون، وأن يتمدد بقوة على القماشة، بدون قيود مسبقة، وهو ما يظهر في أعماله المعروضة ـ خلال هذا الشهرـ في العاصمة التركية. أعمال مسكونة بألم دفين، حمله معه الفنان إلى ملجأه محاولا أن يرمم باللون ما أفسدته الحرب، ملتقطا بفرشاته ملامح الأطفال الذين أحرقت قسوة الوقت هشاشة طفولتهم وشردتهم على حدود الدنيا، طمرت استغاثاتهم تحت تراب بلدهم الذي لم يعد جنة للحلم، بل صار مقبرة لأجسادهم الغضة. يقول الفنان: «عنوان معرضي هو «طفولة الرصيف» وأقدم فيه لوحات من القياس الكبير.. وهو رسالة للعالم عن الخطر الذي يتهدد الأطفال في سوريا، لأنهم الخاسر الأكبر في الحرب، وهي حالات عايشتها وشاهدتها، فهم محرمون من الرعاية والأمان».
إبراهيم الحسون فنان تشكيلي من مواليد حلب، حاصل على إجازة في الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1995 وهو عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين، أقام العديد من المعارض الفردية في سوريا وخارجها. وأنت تشاهد أعماله الأخيرة، سترى دم الأطفال وهو يقطر نديا، سيتسلل إلى أنفك أريج جنة متخيلة للأرواح التي طمرتها الحرب، بدون أن تفلح في إسكات حقها في الحياة، وهي تتعلق بالضمير الإنساني مُشكِّلة خدوشا لن يفلح الزمن في محو أثرها .

٭ فنان تشكيلي وكاتب مغربي

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *