قراءة في أعمال التشكيلي المغربي إبراهيم بوزير: الحنين إلى المعمار الأمازيغي
[wpcc-script type=”71470bdd4440a0d268accb54-text/javascript”]

■ استمال المعمار الأمازيغي أقلامَ وفرش مبدعين ومبدعات أمازيغيين فعمدوا إلى إخراجها بمواهبهم في قصائد ولوحات تشكيلية، وبتقنيات متنوعة. ولأهميتها التاريخية والثقافية تميزت بينها أعمال تشكيلية كثيرة، تختلف من فنان إلى آخر، ما جعلها مفردة كَثُرَ الاشتغال عليها لتصير سيدة اللوحات التشكيلية في الجنوب المغربي. ولأنها كذلك فكل فنان يحاول أن يبرز مهارته وحذقه في إخراجها بأسلوب وتقنيات مختلفة، وصارت بذلك أيقونة تشكيلية تحمل طرائق وأساليب تعبيرية عن رمزيتها وجمالها الساحر.
إبراهيم بوزير على غرار غيره من التشكيليين في الجنوب الشرقي للمغرب، يحاول الإسهام وبطريقته وأسلوبه الخاص في إبراز قيمة القصبة الجمالية، تعبيرا عن الحب الجمعي لها. ولعل «الفنية الخاصة بالقصبة مستمدة من الإرث الحضاري الأمازيغي، لتعكس البعد الجمالي والفلسفي والتشكيلي، ضمن ربط المنتوج الإبداعي بالوظيفة، مع الترميز إلى المكنون في اللاوعي الجمعي في علاقته بالهوية والثقافة والوضع الاجتماعي. كل ذلك نعده بمثابة الحجة الدامغة على الذوق الرفيع والمنزلة الإبداعية التي بلغتها. وإذا اعتبرنا أن إنتاج الجمال ينبني على أسس كثيرة فإن القصبة من أرفع الإبداعات المعبرة عنه، على اعتبار كونها الحاضنة للإنسان بكل ما يحمله من مشاعر ورؤى إبداعية خاصة».
إبراهيم بوزير، مبدع ترعرع في بلدة كل ما فيها جميل، قصور ريفية، طينة بهية محاطة بأغراس الورود وأشجار الجوز واللوز والتفاح. مبدع عصامي عشق اللون والشكل، فأبدع بهما أعمالا جميلة، أبرز ما فيها معمار أمازيغي شامخ بقاماته ومشرق بملمحه. وقد تمكن عبر احتكاكه بالخامات والألوان والأشكال الهندسية والمنظورات التشكيلية المختلفة من إبراز إبداعات كثيرة لها خصوصياتها، رغم كونها تتقاطع مع إبداعات جيله، ومن جاء بعده في هذا الاهتمام البارز بالمعمار الأمازيغي. إن اشتغاله على مفردة المعمار له مبرراته الذاتية والجمالية والثقافية، فهي الوجه الصادق العاكس للتراث بما يحمله من هوية وخصوصيات ثقافية للآباء والأجداد. ومن هذا المنطلق اتخذ إبراهيم بوزير المعمار عنصرا رئيسيا لأعماله المتنوعة تقنية وخامات وأسلوبا. ولأن الفنان بطبعه يجرب كل ما يمكنه أن يبلور تجربته نحو مدارج الامتياز والتفوق، فقد جرب هذا الفنان الكثير من الأدوات والتقنيات والأصباغ والخامات، لذا نجد منجزه الإبداعي متنوعا، ففي كل معرض تتخذ أعماله حللا جديدة، رغم احتفاظه بالمفردة نفسها (القصبة الأمازيغية والفضاءات التي تشيَّد عليها) .
رسم القصبات بالأكريليك وبالألوان المائية والألوان الزيتية، وبالأقلام .. قبل أن ترسو به تجربته على الاشتغال بخامة الطين ممزوجة بالأصباغ المماثلة لها من حيث اللون ـ وبذلك أنجز من اللوحات ما شكّل جمالية خاصة. ومن طبيعة جميع المبدعين اقتناص الجميل من الأشياء التي تبدو لهم في بيتهم، ولعل المعمار الأمازيغي من المفردات الجميلة التي أبدع فيها لجمالها الأصلي، فكيف للفنان وهو الكائن الذي يدهشه كل شيء أن يتجاهل هذا الجمال المتميز للمعمار الأمازيغي.
في لوحاته يبدو لون الطين العنصر المهيمن وكأنه ترجمة لعشق هذا الطين الذي يختفي رويدا رويدا أمام اكتساح الإسمنت للبيئة، بما تحمله من أشجار وطيور. فلون الطين بتدرجاته يعم اللوحة من حيث خلفيتها ومحيطها وحتى وجه السماء الذي تلتحفه.
في لوحاته تبدو القصبة «بطلة « مفرداتها، فحتى أيقونات الأشخاص الذين يردون في أعماله تأتي باهتة لا يظهر منها سوى شكلها العام بلا ملامح ترسم مشاعرها.
لوحات الفنان توحي بالكثير، توحي بوجوب العودة إلى التفكير في استعادة القصبة كمعمار أصيل لا يستحق الاندثار. وتوحي بكون القصبة بقسماتها ومرافقها وكل مظهرها تحمل إرثا عريقا يتجاوز مظهرها.. لقد كانت القصبة فضاء لأنشطة ثقافية عريقة، كالأعراس والفروسية والحفلات… أمور يستدعيها المبدعون في لوحاتهم ومنهم هذا الفنان الذي لم يكتف في أعماله برسمها كمفردة رئيسية، بل نجده أحيانا يرسم الفرسان، والنساء والرجال بلباسهم التقليدي الموازي لجمالية وأصالة القصبة الأمازيغية.
أمتعنا إبراهيم بوزير عبر القصبة بجميل أعماله، وجعلنا نحنّ إلى هذا المعمار البهي الذي زادته ريشته روعة وجمالا.
٭ شاعر مغربي
لحسن ملواني