«شيخ جاكسون»: المراهقة الفكرية والهوس الديني

القاهرة ـ «القدس العربي»: بعيداً عن الداعية (التقليدي) الذي يرتدي زي شيوخ الأزهر، والذي يُبسمل ويحوقل، ويتحدث لغة عربية تراثية، ويُعنن كيفما شاء، ويجلس أمامه المؤمنون يتلقون عباراته التي تحض على الإيمان بالله وملائكته ورُسله، وفي الغالب الأعم تزيّن لهم الحياة الأخرى، وتُزهدهم في ما يحيونه ويواجهونه بالفعل، في دار الفناء. بعيداً عن هذا الشكل ظهر الداعية (المودرن) وأشهرهم بالطبع عمرو خالد، الذي ذاع صيته في بدايات الألفية وانتشر بين فئات لم نكن نسمع عنها أنها تحمل قدراً من التديّن. بما أن الشائع دوماً أن الفئات الدنيا هي فقط المتعلقة برضاء الله وجنته الموعودة. لكن خالد ظهر للفئات العليا، التي أرّقتها الفكرة نفسها، فكانت جلسات العلم الدينية تقام في النوادي الشهيرة، ويتم بث بعضها في التلفزيون، قبل ما يتمكن عمرو خالد من الحديث في برامج خاصة به. تخدير هذه الفئات، والحديث معها وفق لغتها ومفرداتها، حسب مقولاته في إحدى جلسات علمه «تخيّل نفسك وأنت راكب اليخت بتاعك في الجنة» إضافة إلى تبسيط الأساطير والحكايات والمواقف ذات المسحة والإطار الديني، الحيّة والفيل والبراق وأهل الكهف، وما شابه من القصص التي تلقى قبولاً لدى الأطفال. هذه الفئات أصبحت أيضاً تدور في فلك الإيمان بالله، وهو شكل يوحي بالاطمئنان، وأنهم لا كما تظن أغلبية الشعب، فهم أيضاً ــ المترفون ــ على صراط الله المستقيم. هذه المقدمة ربما تتيح قدرا من الفهم لما سُمّى بفيلم «شيخ جاكسون» الذي كتبه وأخرجه عمرو سلامة، وأدى دور البطولة أحمد الفيشاوي، وكل منهما من أتباع ومريدي عمرو خالد، ولو لفترة ليست بالقليلة. الفيلم أداء أحمد الفيشاوي، وماجد الكدواني، وأحمد مالك، ومحمود البزاوي، وأمينة خليل، ودرة، وسلمى أبو ضيف، وبسمة، وياسمين رئيس. تأليف عمرو سلامة وعمرو خالد. تصوير أحمد بشاري، صوت علاء عاطف، وموسيقى هاني عادل، وملابس ريم العدل وإخراج عمرو سلامة.

«شيخ جاكسون»: المراهقة الفكرية والهوس الديني

[wpcc-script type=”3c2840e8cf3fbbc397b34225-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: بعيداً عن الداعية (التقليدي) الذي يرتدي زي شيوخ الأزهر، والذي يُبسمل ويحوقل، ويتحدث لغة عربية تراثية، ويُعنن كيفما شاء، ويجلس أمامه المؤمنون يتلقون عباراته التي تحض على الإيمان بالله وملائكته ورُسله، وفي الغالب الأعم تزيّن لهم الحياة الأخرى، وتُزهدهم في ما يحيونه ويواجهونه بالفعل، في دار الفناء. بعيداً عن هذا الشكل ظهر الداعية (المودرن) وأشهرهم بالطبع عمرو خالد، الذي ذاع صيته في بدايات الألفية وانتشر بين فئات لم نكن نسمع عنها أنها تحمل قدراً من التديّن. بما أن الشائع دوماً أن الفئات الدنيا هي فقط المتعلقة برضاء الله وجنته الموعودة. لكن خالد ظهر للفئات العليا، التي أرّقتها الفكرة نفسها، فكانت جلسات العلم الدينية تقام في النوادي الشهيرة، ويتم بث بعضها في التلفزيون، قبل ما يتمكن عمرو خالد من الحديث في برامج خاصة به. تخدير هذه الفئات، والحديث معها وفق لغتها ومفرداتها، حسب مقولاته في إحدى جلسات علمه «تخيّل نفسك وأنت راكب اليخت بتاعك في الجنة» إضافة إلى تبسيط الأساطير والحكايات والمواقف ذات المسحة والإطار الديني، الحيّة والفيل والبراق وأهل الكهف، وما شابه من القصص التي تلقى قبولاً لدى الأطفال. هذه الفئات أصبحت أيضاً تدور في فلك الإيمان بالله، وهو شكل يوحي بالاطمئنان، وأنهم لا كما تظن أغلبية الشعب، فهم أيضاً ــ المترفون ــ على صراط الله المستقيم. هذه المقدمة ربما تتيح قدرا من الفهم لما سُمّى بفيلم «شيخ جاكسون» الذي كتبه وأخرجه عمرو سلامة، وأدى دور البطولة أحمد الفيشاوي، وكل منهما من أتباع ومريدي عمرو خالد، ولو لفترة ليست بالقليلة. الفيلم أداء أحمد الفيشاوي، وماجد الكدواني، وأحمد مالك، ومحمود البزاوي، وأمينة خليل، ودرة، وسلمى أبو ضيف، وبسمة، وياسمين رئيس. تأليف عمرو سلامة وعمرو خالد. تصوير أحمد بشاري، صوت علاء عاطف، وموسيقى هاني عادل، وملابس ريم العدل وإخراج عمرو سلامة.
يأتي في البداية الطفل خالد، وقد شاهد عَرضاً إحدى أغنيات مايكل جاكسون في التلفزيون ــ نحن في تسعينيات القرن الفائت ــ فيسأل الطفل عن هذا المطرب وطريقة رقصه الغريبة، فيجيبه الأب، باسمه، ويضيف هازئاً بأنه مُخنث. بينما تٌسّر الأم لابنها أنها تحب مايكل جاكسون. فتموت الأم ولم يعد يلمح منها طفلها سوى شعرها الحر المتطاير، وملابسها. وفي سن المراهقة يُعجب الفتى بزميلته في المدرسة، التي تسأل عن آخر أغنيات أو أعمال جاكسون، فيدخل الفتى عالم جاكسون ويتمثله في ملابسه وحركاته، حتى تميل الفتاة إليه. هذا بالطبع لم يرض الأب، المتعدد العلاقات النسائية، ومدرب كمال الأجسام، والعارف بفتوات الملاهي الليلية، فهم تلامذته. وبذلك لا يستطيع أن يقبل أن ابنه يتمثل مجرد مغني شاذ. يحاول العمل أن يوحي بمدى مأساة الفتى المراهق، والذي ينتقل للعيش مع خاله المتدين، في مدينة أخرى، تاركاً الأب. فالخال المتدين يتوافق مع الأب الفحل، في أن جاكسون في النار لا محالة.
خالد الآن داعية إسلامي موثوق فيه، يؤم المصلين، ويُسجّل شرائط كاسيت يتغنى فيها بعذاب القبر ــ المباشرة الساذجة ــ والأكثر من ذلك يتمثل حالات الموت فهو قريب، فينام أسفل السرير حتى يتذكر القبر والمصير والمحتوم. وهو شكل من أشكال الهوس الديني لدى المراهقين، رغم تخطي خالد سن المراهقة، وقد أصبح زوجاً وأباً، لكن لا يهم، ربما نتفاً من حكاية المؤلف/المخرج، أو حكاية مهاويس الداعية المودرن. ولكن ما المثير الذي أعاد إلى ذهن خالد حكاية جاكسون، وادّعى بأنه قلب حياته رأساً على عقب، خاصة وهو الذي لم يعد يبكي خشوعاً كلما أمّ المصلين؟ لا نعرف ــ وهل يجب أن يعرف المشاهد كل شيء؟! ــ لكن الأهم أن يعرف الكاتب ماذا يريد. وناهيك عن بعض تفصيلات المراهقة الفنية، بأن يظهر له شبح جاكسون وسط المصلين، وأن يلتفت شيخ جاكسون خلفه، ليرى تابعيه من المصلين كمجاميع في رقصات جاكسون الشهيرة.
«تعرفي أنا بحبك ليه؟ علشان بتحبي ربنا أكتر منّي» بهذه العبارة الخالدة ــ نسبة إلى اسم البطل ــ يعبّر عن مدى حبه لها، ليس هكذا وحسب، بل يقدم الدليل العملي لحب الرجل المسلم المؤمن المتدين لزوجته وأهل بيته، فالمسلمون لا يُعادون التكنولوجيا كما هو شائع، بل يجيدون تحويل أي شيء والدخول به إلى حظيرة الإيمان، فالأخ خالد لا تفارقه مسبحته الإلكترونية، والتي من خلالها يراقب ما يفعله من حسنات وسيئات، وحينما سيُكافأ بعدد من الحسنات لا يُحصى، والمتمثل في أداء الفروض الزوجية، حتى أن امرأته تطمئنه بأن ميزان حسناته في هذه اللحظات سيتخطى حسنات اليوم بأكمله ــ كان من الممكن أن يصبح أثقل من جبل أُحد ــ لكن الزوجة المسلمة تلمّح ولا تُصرّح، فالحياء أسمى أمانيها.
الأم وحبيبة المراهقة والزوجة، ثلاث نساء تواردن على حياة الحاج خالد، لكن وبخلاف المساحة الممنوحة لفتات مرحلة المراهقة، فكلهن باهتات، ومجرد حالة من حالات تحصيل الحاصل، حتى الطبيبة النفسية التي لجأ إليها في النهاية، لم يتم تفعيل دورها، وكأنها أداة حتى يتبيّن موقفه عندما تعالجه امرأة. النساء أقرب إلى الأعمال المصرية التي تتناول الحروب ــ على قِلتها ــ فالمرأة عاشقة ومخلصة وتنتظر زوجها المقاتل، وتدعو له بالسلامة، وتحتضنه قبل مغادرته المنزل للمعركة ــ حضن مؤدب لأنه ضابط ومشروع شهيد ــ وهكذا نساء رغم افتراض تأثيرهن في حياة خالد إلا أنهن كعادة وجهة النظر الذكورية مجرّد زخارف يمكن الاستغناء عنها.
يعتقد الكثيرون ممن أُتيحت لهم فرصة تقديم عمل فني، رواية أو فيلم أو أي شيء يندرج تحت مُسمى العمل الفني ــ المُسمى الاصطلاحي ــ أن حكايتهم الشخصية، أو جزء من سيرتهم الحياتية تصلح كعمل فني، بل وعمل فني مُبهر، وإن لم تنبهر فأنت لم ولن تفقه شيئاً، إضافة إلى الآلة الإعلامية، والتواطؤ بالدعاية لأهمية العمل، خاصة وقد تم تلفيق ترشحه أخيراً إلى مسابقة الأوسكار، بالتحايل على شروط الترشح، وهو أمر آخر يطول شرحه. المهم أن صاحب العمل يرى في حكايته العجائب الجديرة بعمل فني، لكن التهافت والتشوّش كان السمة التي وسمت ما تم عرضه في دور السينما، تحت مسمى، فيلم.
وكعادة الأعمال غير المنطقية، فالبدايات حتماً ستؤدي إلى نتائج شبيهة، كأن تحكي حكاية لطفل وتقف عاجزاً عن أسئلته أو محاولته إيجاد تبرير لما يحدث. فكما صعدت المشكلة أو الموقف المتأزم فجأة، فإنه يُحل بسهولة أكثر، فالبطل رفض منهاج خاله الملتزم، كما رفض منهاج والده المنفلت، ليعود ويتصالح مع والده، ويأتي بشرائط جاكسون وجهاز الووكمان القديم ــ أكسسوارات جيل التسعينيات وبداية الألفية ــ ويستمع إلى موسيقى جاكسون ويرقص عليها، دون التخلي عن جلبابه، وهو بذلك يعقد معاهدة صلح خائبة ومُفتعلَة بين ما يعتقد وما يحب. أغلب الظن أن رقصة البطل في النهاية أشبه برقصة المؤلف والمخرج، لكن على السلم، حتى يمكن القول له في النهاية «أنت عاوز إيه بالضبط؟».

«شيخ جاكسون»: المراهقة الفكرية والهوس الديني
السينما ترصد «الداعية المودرن» عمرو خالد:
محمد عبد الرحيم
Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *