الفيلم المصري «الكنز»: الانتحال على طريقة شريف عرفة واضطراب الهوية الفكرية

القاهرة ـ «القدس العربي»: لا يكفي أن تحشد ممثلي الصف الأول في السينما المصرية، ولا يكفي القيام بحجم الدعاية غير المعهود، ويصل الظن أن يكون هذا أو ذاك سبباً في تقديم عمل سينمائي كبير، لا تكفي البهرجة البصرية وألعاب الأكشن، والطامة الكبرى المتمثلة في تصميم مشاهد الغرافيك ــ الأمر أشبه بطفل يمسك بلعبة ــ فالكل يتوقف في النهاية على الحكاية التي سيسردها الفيلم، وكيفية سردها، ففي الأخير ماذا وكيف ستحكي حكايتك؟ وفي ما يخص أغلب الأفلام المصرية التي يتم عرضها، يجب التأكد أولاً ــ للأسف ــ من مصدرها، فهي في الغالب مسروقة من فيلم أمريكي أو غربي، أو تركيبة من عدة أفلام تدور في السياق نفسه، وفي الحالات القليلة المهذبة تكون مقتبسة أو مستوحاة من فيلم آخر. وبما أننا أمام عمل سينمائي ضخم، كما روّج له أصحابه، فكل هذه التساؤلات يُسمح بها بعد مشاهدة الفيلم. فيلم «الكنز» أداء كل من محمد سعد، ومحمد رمضان، وهند صبري، وأحمد رزق، وروبي، وأمينة خليل، وهيثم زكي، وسوسن بدر، وعبد العزيز مخيون، ومحي إسماعيل، والشحات مبروك، وأحمد حاتم، وعباس أبو الحسن، وأحمد أمين، وهاني عادل، وأحمد صيام. تصوير أيمن أبو المكارم، مونتاج داليا الناصر، موسيقى هشام نزيه، ديكور أنسي أبو سيف، ملابس ملك ذو الفقار، غرافيك ياسر النجار. سيناريو عبد الرحيم كمال، قصة سينمائية وإخراج شريف عرفة.

الفيلم المصري «الكنز»: الانتحال على طريقة شريف عرفة واضطراب الهوية الفكرية

[wpcc-script type=”090598b20f448964df6a3990-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: لا يكفي أن تحشد ممثلي الصف الأول في السينما المصرية، ولا يكفي القيام بحجم الدعاية غير المعهود، ويصل الظن أن يكون هذا أو ذاك سبباً في تقديم عمل سينمائي كبير، لا تكفي البهرجة البصرية وألعاب الأكشن، والطامة الكبرى المتمثلة في تصميم مشاهد الغرافيك ــ الأمر أشبه بطفل يمسك بلعبة ــ فالكل يتوقف في النهاية على الحكاية التي سيسردها الفيلم، وكيفية سردها، ففي الأخير ماذا وكيف ستحكي حكايتك؟ وفي ما يخص أغلب الأفلام المصرية التي يتم عرضها، يجب التأكد أولاً ــ للأسف ــ من مصدرها، فهي في الغالب مسروقة من فيلم أمريكي أو غربي، أو تركيبة من عدة أفلام تدور في السياق نفسه، وفي الحالات القليلة المهذبة تكون مقتبسة أو مستوحاة من فيلم آخر. وبما أننا أمام عمل سينمائي ضخم، كما روّج له أصحابه، فكل هذه التساؤلات يُسمح بها بعد مشاهدة الفيلم. فيلم «الكنز» أداء كل من محمد سعد، ومحمد رمضان، وهند صبري، وأحمد رزق، وروبي، وأمينة خليل، وهيثم زكي، وسوسن بدر، وعبد العزيز مخيون، ومحي إسماعيل، والشحات مبروك، وأحمد حاتم، وعباس أبو الحسن، وأحمد أمين، وهاني عادل، وأحمد صيام. تصوير أيمن أبو المكارم، مونتاج داليا الناصر، موسيقى هشام نزيه، ديكور أنسي أبو سيف، ملابس ملك ذو الفقار، غرافيك ياسر النجار. سيناريو عبد الرحيم كمال، قصة سينمائية وإخراج شريف عرفة.

من ماهر عواد إلى حتشبسوت

بدأ المخرج ــ الكبير ــ شريف عرفة مشواره السينمائي مع المؤلف ماهر عواد، الذي كان وقتها صوتاً جديداً على السينما المصرية، حيث يعالج موضوعات غاية في الصعوبة، تدور في معظمها عن السلطة وأشكالها، ولكن في قالب من الفانتازيا المُحكمَة، مثل «سَمع هُس» و»يا مهلبية يا». بعدها انتقل عرفة إلى الكاتب وحيد حامد ليقدم أفلاماً تتبنى في ظاهرها خطابا شعبيا، لكنها في أساسها تخدم السلطة القائمة والنظام الحاكم وقتها، فضلاً عن الاقتباس من أعمال أخرى لم يشر إليها، كما في فيلم «الإرهاب والكباب» المأخوذ عن فيلم «بعد ظهر يوم لعين». وفي معظم الأحوال كان التأثر التام بأسلوب السينما الأمريكية ومفهومها عن رسالة الفن السينمائي. ليصل الآن في فيلمه الحالي والمعروض في سينمات القاهرة إلى حكاية تتألف من عدة أزمنة، تبدأ بمنتصف سبعينيات القرن الفائت، ثم الثلاثينيات والأربعينيات، كذلك عصر المماليك، وصولاً إلى العصر الفرعوني، الذي تتمثله الملكة حتشبسوت.

الحكاية المفقودة والقيم الإنسانية

رئيس القلم السياسي في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات ــ ما يماثل رئيس جهاز أمن الدولة الحالي أو الأمن الوطني كما يحلو للبعض ــ وعلي الزيبق البطل الشعبي الذي تدور سيرته على المقاهي، والملكة حتشبسوت ونضالها ضد الكهنة. هذه النماذج هي التي يتناولها الفيلم ويحكي من خلالها حكايته، ويكون الرابط بينهم هو كنز مفقود، يجب العثور عليه ــ شيء أشبه بحكايات ما قبل النوم ــ وعلى الشاب المنتمي مجازاً إلى عصرنا الحديث ــ ابن رئيس القلم السياسي ــ أن يبحث من خلال البرديات والمخطوطات القديمة وكذلك شرائط سينمائية سجّلها والده قبل وفاته، عليه البحث عن هذا الكنز وماهيته. ومن خلال العصور الثلاثة التي يتم الحكي عن طريقها نجد كيف يواجه هؤلاء طبيعة السلطة في كل عصر، علي الزيبق ونضاله مع الفقراء، وإن كان في الأصل يبحث عن ثأره من قاتل والده، ونضال حتشبسوت ضد كهنة آمون، وفي الأخير حالة رجل السلطة في الأربعينيات بين واجبه الوظيفي وقصة حبه، وهو الذي قام بسجن أخيه مدمن المخدرات، هذا الذي سيتحوّل إلى متأسلم كما سيبدو فيما بعد ــ للفيلم جزء ثان سيُتحفنا به صُناعه ــ وبعد الكثير من ألعاب علي الزيبق البهلوانية، وقصة الحب المعهودة بينه وبين ابنة قاتل أبيه، كذلك لمحات من العهد الملكي في الأربعينيات، والحياة كما تصورها كل من كاتب السيناريو ومخرج الفيلم في العصر الفرعوني، في شكل سطحي، حيث عبارات الحكمة أو الغزل التي تثير الضحك، دون نسيان دور حكيم الزمان الذي يظهر في كل وقت وأوان ــ قام بالدور عبد العزيز مخيون ــ فهو الحكيم الفرعوني آني، وهو حامي أبواب المحروسة في قصة علي الزيبق، وهو الشيخ المتشبه بـ «حسن البنا» في الأربعينيات.

اضطراب السرد السينمائي

ليكن عملاً خارقاً، هكذا حاول صُناع الفيلم، هذه الحكايات المنفصلة زمناً ومكاناً، يوحدها الكنز الذي يسعى الجميع إليه ــ تمام وهو كذلك ــ لكن أن يصبح الأمر لعبة سخيفة وتكرارات وثقل إيقاعي وبصري، فهو أمر لا يُحتمل ــ لم نتحدث عن اكتمال الحكايات أو الفكرة بحجة أن هناك جزءاً آخر ــ لنا ما شاهدناه، من الولع حد السخف بألعاب الغرافيك، ناهيك على التباين الحاد في إيقاع كل حكاية من الحكايات، ربما أقربها للمنطق حكاية رئيس القلم السياسي وعصره الضائع، أما الفنان علي الزيبق فهو سرد مطوّل ومُكرر يمكن اختصاره، وإن كان الإيحاء أن الجميع الذين نجوا في النهاية من الموت قد انتصروا على قوى الظلام . حتشبسوت من مؤامرة الكهنة، ورجل أمن الدولة من محاولة اغتياله، وعلي الزيبق من محاولة شنقه، لينتهي هذا الجزء، وليستكملوا المسيرة والبحث عن الكنز المزعوم، إلا أن هذا الانتصار في حقيقته لم يكن سوى انتصار لشخصيات فقط، دون المناداة من البداية بأنها تعمل لصالح المجموع وما شابه من المفردات الرنانة، من ناحية أخرى لم تأت هذه القصص على المستوى نفسه من الإحكام أو شغل المساحة السردية للعمل، مما جعل السرد بشكل عام يعاني اضراباً وتخبطاً في معظمه.

شغل الثلاث ورقات

مثل لعبة «فين السنيورة» ويبدو أنه صار ملمحاً عاماً للأفلام المصرية في الآونة الأخيرة، خاصة التي يُهلل النقاد لها، وتأتي الفضائيات لتشارك في عملية التهليل المنظمة بحرفية أكثر من حرفية صناعة الأفلام، لم يشذ «الكنز» عن ذلك، بل هناك حالة من الادعاء المفرط بأهمية وقوة ما يقدمه ويناقشه من أفكار، فهو من جهة يستعرض ويبحث في التاريخ المصري وحكاياته، ويحاول اختلاق علاقة بين هذا التاريخ المُمتد وبين المشكلات أو القيم الإنسانية التي لم تتحقق، وإن كانت فهي لحظات من حلم ليس أكثر، ولكن، ما الذي قدمه الفيلم بالفعل من خلال سرد مشوّش يدّعي الإبهار والإتيان بالعمل الخارق؟ وفي الأخير، هل سمع صُناع الكنز ــ خاصة صاحب القصة السينمائية وكاتب السيناريو ــ بفيلم Cloud Atlas؟

الفيلم المصري «الكنز»: الانتحال على طريقة شريف عرفة واضطراب الهوية الفكرية

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *