المرأة المقدسة وتحولاتها في الوعي الشعبي المصري

■ يُذكر أن عمرو بن العاص عند الغزو العربي لمصر، رأى النساء بجوار الرجال يعملن في الحقول، فوصف الشعب المصري بأحط الأوصاف. في مصر وقتها لم يتم ثبات مبدأ أن الرجال قوامون على النساء، وأن المطلق الذكوري ــ المشابه للمطلق العبراني ــ أصبح هو السائد. عندها أصبحت المرأة ناقصة عقل ودين، مجرّد تابعة لذكر أياً كانت صفاته وقدراته العقلية والنفسية. هذا من جانب السلطة الدينية الرسمية، ولكن الوعي الشعبي المصري لم يأبه بمنظومة التعاليم الدينية الرسمية، وواصل اعتقاده الراسخ في تمجيد وتقديس المرأة، ولعل الربّة «إيزيس» هي المثال الأكثر وضوحاً في الوعي المصري، ولكن كيف تحولت إيزيس في ظل الديانات الإبراهيمية؟

المرأة المقدسة وتحولاتها في الوعي الشعبي المصري

[wpcc-script type=”899797b13afa95c777077447-text/javascript”]

■ يُذكر أن عمرو بن العاص عند الغزو العربي لمصر، رأى النساء بجوار الرجال يعملن في الحقول، فوصف الشعب المصري بأحط الأوصاف. في مصر وقتها لم يتم ثبات مبدأ أن الرجال قوامون على النساء، وأن المطلق الذكوري ــ المشابه للمطلق العبراني ــ أصبح هو السائد. عندها أصبحت المرأة ناقصة عقل ودين، مجرّد تابعة لذكر أياً كانت صفاته وقدراته العقلية والنفسية. هذا من جانب السلطة الدينية الرسمية، ولكن الوعي الشعبي المصري لم يأبه بمنظومة التعاليم الدينية الرسمية، وواصل اعتقاده الراسخ في تمجيد وتقديس المرأة، ولعل الربّة «إيزيس» هي المثال الأكثر وضوحاً في الوعي المصري، ولكن كيف تحولت إيزيس في ظل الديانات الإبراهيمية؟

من إيزيس إلى السيدة العذراء

لم يشعر المصريون بأي اغتراب عندما تحولت مصر إلى الديانة المسيحية، فثالوث الأب والابن والروح القدس لم يكن غريباً على المصري القديم، وهو المقابل لثالوثه المقدس أوزوريس وحورس وإيزيس، ويعود الأمر إلى بولس الرسول، الذي درس الفلسفة في الإسكندرية ووعى جيداً كيفية فلسفة الديانة الجديدة. وبينما كانت إيزيس هي الراعية لابنها، والجامعة لأشلاء زوجها المغدور في الأسطورة المصرية، كان من السهل أن تتحول إلى السيدة العذراء، وأن يصبح التقديس هو نفسه الذي كان لراعية الجميع وأشهر الآلهة القديمة في وادي النيل. وإن خبت إيزيس الآن في وقتنا، إلا أن للسيدة العذراء القدسية نفسها، وقد أصبحت الكنائس التي تحمل اسمها مزارات لعموم المصريين، أقباطا ومسلمين، ويبدو تجلي العذراء إحدى المعجزات التي يحفل ويؤمن بها أغلبية الشعب المصري.

من إيزيس إلى السيدة زينب

ويبدو أن الوعي الشعبي المصري لم يتوقف عند المسيحية، بل تواصل مع الإسلام من خلال النساء المقدسات، وصاحبات المقامات الشهيرات، كالسيدة نفيسة، والسيدة رقية، وأشهرهن السيدة زينب، والمعروفة برئيسة الديوان، وشقيقة (سيد الشهداء) الحسين، وقد وحد المصريون الاسم نفسه بين أوزوريس والحسين، فقد كان يطلق على أوزوريس اللقب نفسه. هذا من ناحية، أما وصف السيدة زينب بأنها «رئيسة الديوان» وهي المحكمة الباطنية القاضية لحاجات أبناء الشعب، التي تعقد كل ثلاثاء في مسجد الإمام الشافعي، فهي أي السيدة زينب رئيسة المحكمة، وهي امرأة، رغم أن أعضاء المحكمة من أولياء الله الرجال. الأمر نفسه مع إيزيس، التي استمد منها المصريون مُسمى (الطاهرة) وأطلقوه على السيدة زينب أيضاً، وقبلها تم إطلاقه على السيدة مريم العذراء.

ثقة الوعي الشعبي وتحايلاته

يبدو مما سبق مدى تحايل الوعي الشعبي المصري على المؤسسات الدينية الرسمية، سواء الإسلامية أو القبطية، التي ترعاهما الدولة، لكن الشعب دوماً بعيد عن السلطة، ويحاول أن يتعايش وفق معتقداته التي يؤمن بها، محاولاً من خلالها الابتعـــــاد عن نصوص ظلت دوماً بعيدة عنه لا يستشعرها، فلم تكن غرابة النص أو المعتقد سوى اغتراب البيئة التي جاءت منها هذه النصوص، وهو ما يوضح لنا كيف طوّع المصريون الديانات الوافدة، التي في أغلبها فرضت عليهم فرضا، ولنذكر كيف حاربت المسيحية وقتلت الكثيرين في الإسكندرية، وكيف كان الغزو الإسلامي لمصر، دون مقولات مدرسية ينبغي دوماً الشك فيها.
الأمر الآخر والأكثر أهمية يبدو في المكانة التي يرى المصري بها المرأة، وقد كانت إحدى أهم آلهته، وتحولت إلى رمز مقدس، وأماً للإله الحي، ثم أخيراً صاحبة المقام الرفيع، الرئيسة والقاضية والطاهرة المقدسة، التي يأتي إليها الجميع أملاً في النجاة. وفي الأخير وفي ظل تقديس صاحبات المقامات تختفي الاختلافات الدينية، ويعود المصري كما كان سابقاً يقبل الآخر، ولا يجد فارقاً بينه وبين المختلف عنه في الديانة أو المعتقد، ولا يثق سوى في المرأة/الأم، مثال الرحمة والحكمة والثقة المطلقة.

٭ باحث مصري

المرأة المقدسة وتحولاتها في الوعي الشعبي المصري

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *