المغربية ليلى مضاري تنحت أسلوبا تجريديا دلاليا
[wpcc-script type=”889e62a1f20526279ec0c45f-text/javascript”]
تقوم التجربة التشكيلية للمغربية ليلى مضاري على أسلوب تعبيري يمتح مقوماته من التجريد، حيث تتبدى أعمالها وصفا تجريديا يعبر عن معان داخلية، تتوفق في إبرازها فنيا وفق مادة تعبيرية رائقة لها دلالتها، تصيغها في ألوان متقاربة، وتنسج منها المادة البنائية التي ترتكز عليها فضاءات أعمالها.
ثم تشكل منها مواد رمزية وعلاماتية معقدة، تؤلف بينها من خلال مواد أخرى علائقية تكثف بها الفضاء فتتراءى مطبوعة بمساحات مكثفة ومحجبة، تتبدى فيها التراكمات الرمزية والأشكال التي تنبئ بدلالات عميقة، كما أن مجمل العلامات الأيقونية تنبثق من مجموعة من الألوان التي تؤصل لفلسفة عميقة تتماشى مع المقتضيات الفنية لأعمالها فتحدث تفاعلات تشكيلية جديدة تدخل في نطاق الثقافة التشكيلية التفاعلية. ولعل الاستعمالات التقنية العالية تلعب دورا ركائزيا في توجيه الأسلوب التجريدي لديها، وفي توظيف مفردات التشكيل الفطري بمكونات أكثر تعبيرا وأكثر حيوية. فالأشكال التعبيرية الهادئة التي يعج بها الفضاء الكثيف، يؤشر إلى وجود حركة داخلية تحجبها الكثافة اللونية المبنية وفق طبقات سميكة من الألوان، وهي وإن كانت تبدو فيها بعض التموجات ظاهريا برشفات تنغيمية هادئة؛ فهي في الآن نفسه نتاج حركة داخلية ترسل نبراتها عبر قيم السطح التي تبدو متموجة بعض الشيء أحيانا، تلتقطها الرؤية البصرية الفاحصة التي ترصد الهدوء بنبض يمتح من ثقافة الأشكال التجريدية حركياتها التقوسية المتداخلة في اللون الكثيف، وبذلك يمكن اعتبارها حركة صامتة تتدرج في اللون بتباينات تشير في عمقها إلى دلالات عميقة، وتؤشر إلى وجود معان ومغاز قوية، لتدخل حتما في لغة التجريد بخيارات تجريدية كثيفة، تعتبر المعادل المرئي للحالة النفسية الداخلية، التي تشكل المصدر الرئيس لبعث المادة التشكيلية، وهو ما يشكل النواة الأساسية في تعبيرها الفني الرائق، فالأشكال المستبطنة في عمق المادة التجريدية المرتبطة بالدوائر والمسطحات وأنصاف الدوائر والأشكال المعينة والخطوط الملتوية والأشكال المتشابكة، تشكل موضوعا متوالفا مع اللون، وهو ما يحول المادة التشكيلية وفق الاستطيقا إلى منحى جمالي تعبيري يتغيى أسلوبا تجريديا مليئا بالمفردات التشكيلية الصعبة التناول، باستعمالات تستعير من التجريد المعاصر عناصره الرئيسية ومفرداته اللغوية ومقوماته البنائية، التي تكسب العمل الفني قيمة جمالية تتنوع تقنياتها حسب تنوع الأشكال والخامة والمواد التعبيرية، باعتبار هذه الأخيرة دال على عوالم متعددة، تتبدى باطنيا فارقية في المنطلق، وتتبدى ظاهريا في صيغ موحدة من الانسجام بين مختلف العناصر المكونة للعمل الفني، مع توسيع مجال الحجب بتوظيف يشمل كل مساحة الفضاء. وهي سلطة التصور التي تتحكم في التعبير باللون وتكثيفه وفق طبقات، وبالتلميح بأشكال تجسيدية أحيانا وبإشارات وإيماءات ورموز وغيرها من الأدوات التشكيلية التي تعتمدها، فلا تُظهر الجسد إلا جزئيا.. إن للفنانة ليلى مضاري بلاغة فنية بقيم جمالية تستهدف المادة التشكيلية بعمليات توظيفية تتيح لها إنتاج ما ترغبه من دلالات، فتتخطى الجاهز المألوف إلى إنتاج صورة تشكيلية تجريدية مغايرة، عوضا عن التجسيد الكلي الواقعي، لترتقي باستعمال الشكل والتجسيد إلى مستوى مقترن بمناحي الجمال الذي يغلف أعمالها الفنية، ويمنحها قيمة فنية تحظى بالاحترام، في نطاق إنتاج أبعاد فنية بتقنيات عالية ظاهرة المعالم على المستوى التشكيلي وعلى مستوى المضامين. إنها بتصوراتها الموفقة وتقنياتها العالية تُخضع أعمالها لنسيج فني جديد، تتم تأديته بنوع من المهارة الفائقة، ما يسمح بخروج المادة التشكيلية إلى المجال الحسي البصري بعوالم كثيرة ذات قيم فنية توجه مسارها التعبيري، حيث يتبدى التكامل جليا في منجزها التشكيلي، فتحقق معنى حقيقيا لأعمالها الإبداعية، وتنحت أسلوبا مائزا يعـــد بالمزيد من الإبداع والابتكار.
٭ ناقد تشكيلي مغربي
محمد البندوري