الواقعية والتراث في أعمال التشكيلي القطري يوسف السادة
[wpcc-script type=”e1dd3779313fa59a6a3b3186-text/javascript”]
تشكل المادة الفنية التي يشتغل عليها التشكيلي القطري يوسف السادة أبعادا جمالية تتأسس على منجز تراثي خصب، يروم مجموعة من العلاقات التحاورية، تشكل خلالها الضربات اللونية أنواعا جديدة في التعبير التراثي بصيغ غير مألوفة، وباستخدامات شكلية فريدة، وباعتماد مجموعة من التقنيات والآليات الفنية ذات الجودة الكبيرة.
لأنه يصوغ المنجز التراثي في العمل الواقعي الجديد بمهارة كبيرة وقدرات عالية وتقنيات جديدة، ويروم التعبير وفق ضربات لونية تؤسس لعلامات فنية، وفق أبعاد وقيم جمالية جديدة، وبذلك فهو يطاوع الصيغ الجمالية بسيولة لبعض التوظيفات التراثية، التي تفصح عن دلالات ورؤى ومعان جديدة بسحر فني رائق، يتغيا الأبعاد الفلسفية والقيمية في الثقافة المحلية والعربية، التي تتفاعل مع مقومات العمل التشكيلي المعاصر، وتنسجم مع سياق المجال التراثي الواقعي. فهو بهذه الأبعاد الفنية يؤثث مساحة تشكيلية راقية ومجالا حيويا يضم عددا من العوالم التشكيلية والمعارف الفنية والمعالم التراثية التي تندرج في سياق سيميولوجيته المحلية ونسيجه الثقافي والاجتماعي ورصيده المعرفي الفني. وبهذه الخصائص؛ فإن الأسلوب الفني للفنان يوسف الساده يتجاوز المألوف إلى صياغة محور تراثي فني إبداعي جديد ومعاصر، يعتمد فيه معجما فنيا ودلاليا قائما على مجموعة من المواد التراثية الواقعية، وعلى طبقات الأشكال والعلامات التي تشكل أيقونات لواقع عربي أصيل يغذي المشهد الفني العالمي. وهو ما يسهم في إنتاج نسق دلالي يخترق المفاهيم المعاصرة ويمنح أعماله جماليات فائقة. وتعتبر سيادة التراث العربي الواقعي في أعمال الفنان التشكيلي يوسف الساده أحد أهم المقومات الفنية الواقعية التي يتأسس عليها البعد الجمالي للفضاء، باعتماد تصوري تشكيلي مائز. فالمادة التراثية الواقعية تفصح عن منهجية فنية مغايرة خارجة عن المعتاد، وتكشف عن سحر فني قوي متعدد الرؤى والمعاني، وعن توظيف دقيق ومحكم، وعن طرائق لونية بهيجة، وعن أشكال تعبيرية فصيحة، وعن لمسات جمالية فاتنة. وهي كلها في بعدها التشكيلي المعاصر تعبيرات حتمية لاشتغال احترافي يسكبه المبدع يوسف الساده بإلهامه الصادق واجتهاداته القوية التي تغني بمفرداتها الفنية المادة البصرية التي تشكلها عين القارئ والناقد. فهو بذلك يشكل توليفا بائنا بينه وبين مشاعر القراء. فالواقعية التراثية المعاصرة في أعماله الفنية تتبدى حابلة بالإيحاءات والإشارات والتلميحات، وتتدفق بمختلف المعاني والدلالات. وهو ما يجعل أعماله التشكيلية تتوافر فيها الرؤى الواقعية للواقع الاجتماعي والثقافي والبيئي العربي الأصيل، وتتبدى فيها كل التجليات الجمالية المعاصرة. وإن هذا التدفق الإبداعي يكوّن قاعدة مليئة بالعوالم والمعارف والطبائع التعبيرية والمواد الفنية الواقعية، التي تتمظهر في سياقات متنوعة: الفرس، الإنسان، الصحراء، العلاقة بين الإنسان ومختلف عناصر بيئته… تترسب فيها مختلف الأبعاد الجمالية بتقنيات تجهز على المألوف، وبتحويلات فنية لائقة، تستهدف مباشرة عمليات التجاور بين التصور والبناء والمنجز المتكامل، ما يحدث تفاعلا بموتيفات وحركيات المادة التشكيلية كليا، حيث يلعب فيها الأسلوب واللون والفكرة أدوارا رئيسية في تكوين عناصر التعبير المعاصر بالمادة الواقعية المرئية، التي تنتج الدلالات الصورية والأشكال التنوعية الناتجة عن التوظيف المتقن. فلغة الفنان يوسف السادة تشكيلية متخصصة مبنية على أسس فنية ثابتة، لها مغاز عميقة تضع العمل التشكيلي في سياقه التشكيلي الاحترافي، الذي يخرج المادة الواقعية إلى حيز وجودي واقعي معاصر يؤدي رسالة فاعلة في الأثر الواقعي الواضح المعالم، ما يجعل منه مشروعا تشكيليا إبداعيا تراثيا واقعيا يتجدد باستمرار، باستيحاءات من قضايا التراث والواقع العربي الأصيل الذي يستكشف المعاني والمرجعيات الفنية والدلالات والمغازي الخفية، التي تتمظهر عبر مجموعة من المقومات العربية الأصيلة، وعبر النظام التشكيلي القطري الموظف بحرفية وكفاءة عالية، تجلي كيفية تمثله وتمثيله في عالم القيم الفنية العربية، بمفهوم جديد يحمل خصائص جمالية فريدة ونوعية، تسعف المواضيع المستقبلية وترصد العلاقة بين مكونات المادة الواقعية والمادة التشكيلية الجديدة، وبين ما تتيحه المكونات الأخرى تبعا لنسق العمل الإبداعي المتجدد، وأيضا للمناحي الابستمولوجية والثقافية والفنية.
٭ ناقد تشكيلي مغربي
محمد البندوري