الواقعية والتعبير المعاصر في أعمال الجزائرية أمينة تيرس
[wpcc-script type=”3c4fa92197fa23336c13fb69-text/javascript”]
تتميز التشكيلية الجزائرية أمينة تيرس بتعبيراتها الفنية المعاصرة، حيث إن التعبير هو حتمية مصيرية في أعمالها الإبداعية التي تسمح بخروج المادة التشكيلية إلى حيز الوجود الحسي والبصري بكثير من المهارة والتقنيات العالية، وهو ما تتوفر عليه الفنانة وما تسمح به تجربتها الواقعية في الحركة التشكيلية المعاصرة، إذ تلامس سر المعاصرة وحداثة الأسلوب، ما يتيح للقارئ التأمل بعمق في أعمالها لفهم عالمها الإبداعي.
فهي تتواصل مع مادتها الفنية بوجدانية واقعية، تتفاعل فيها المناحي الاجتماعية والثقافية والتراثية العربية الإسلامية، لتبلغ نتيجة ناضجة تتعلق بقيمة الفضاء، ثم لتوجه مسار التعبير على مستوى التشكيل لنسج خيوط التكامل في التأليف بين مختلف العناصر والكتل والأشكال، وبين الفراغات والفضاءات التي تخترقها الشخوصات بحمولاتها الثقافية والاجتماعية.. وتحقق ذلك بأشكال تباينية تستطيع من خلالها أن تمنح للعمل الفني توازنه وانسجامه. وبذلك يظهر أسلوب الفنانة أمينة تيرس جليا من خلال بسط أسلوب التحوير وإخضاعه لتصوراتها الشخصية. كما أن بعض الأشكال الإنسانية أخذت بعدها الجمالي النهائي، بحيث أن كل جديد في رؤية الفنانة يتخذ مسارا رئيسيا تنبني عليه الرؤى الفنية، وهو ما يعني أن الفنانة أمينة تشتغل بألوان معينة وأشكال محددة استجابة لضرورة استمرار الأبعاد التي تحيط بأعمالها الواقعية، منها ما يتعلق بالتراث، ومنها ما يرتبط بالمجال الاجتماعي، ومنها ما يتعلق بالجانب الثقافي. ولكي يتناغم القارئ مع بعض الأشكال الفنية التي يلفها السر؛ فإن الفنانة تفك بأسلوبها المعاصر الشيفرة، بدعم القوة التعبيرية بالشخوص، وما تحمله من تراث في بعد صريح – وإن كان لا يخلو من فلسفة ومن ملمس تشكيلي – يسهم في دعم القوة التعبيرية المعاصرة. وهذا يعطي انطباعا بأن الفنانة تتخطى أثناء نسج أعمالها كل ما هو مألوف، لتوزع المادة التشكيلية بإبداع يدعم أسلوبها المتفرد ويثبت هويتها الفنية.
وبذلك ترتكز التجربة التشكيلية لأمينة تيرس على أسلوب واقعي تعبيري جمالي معاصر، بوظائف بنائية ودلالية مغايرة للمعتاد، فهي تعتمد الاشتغال في هذا المنحى على مساحات متوسطة وكبيرة، وبكتل وركامات لونية خفيفة ومركزة، مع العناية الفائقة بقيم السطح، وانتقاء الألوان بدقة، وهذا نمط تأثيري بمسلك معظم التعبيريين والواقعيين.
حتى إن أعمالها لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الواقع إلى الخيال بالمعايير الفنية الدقيقة، وتتجه أحيانا نحو أشكال شبيهة بالواقع في قوالب منظمة ودقيقة الصنع اللوني والشكلي، لتضفي عليها أشكالا مغايرة وتحولها إلى أعمال إبداعية ذات انفعالات باطنية تعبر عن معاني وأحاسيس داخلية وعن رؤى ذهنية منبثقة من الواقع، حيث تقاربه بالنسيج الإبداعي في مجمله، ليظهر عامرا بالإيحاءات والإشارات والدلالات، بل تظهر فيه السيميولوجية الثقافية الجزائرية.
إن المبدعة تصنع شخوصات تعبيرية رائقة، تصيغها في ألوان مختلفة، وتردفها بجنسها لتنسج منها المادة التعبيرية، ثم تضيف إليها أشكالا متنوعة، فتعمد إلى روابط علائقية تكثف بها الفضاء، لتتجلى بين الشخوصات والعلامات والألوان، وتعمد من خلال عملية البناء إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها والمفردات التشكيلية المعاصرة التي تستقيها من ثقافتها المحلية الجزائرية، بتدرجات لونية وبنماذج فراغية، تنسجها وفق بنائها الفضائي، بإضافة عناصر جديدة مما تحمله تقنياتها المتميزة من تغيرات، تجعل من التصفيف اللوني المترابط مع جوهر الشكل بناء فنيا منظما في تواشج عميق الدلالات، قادر على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة. فهي تبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب واقعية معاصرة في التعبير، تتماشى مع نسق الأشكال التراثية ومع الشخوصات ومع جميع المفردات الفنية التي توظفها بمهارة وإتقان وبموتيفات شكلية دالة على مضامين ومعان سامية، تعيد صياغتها بوهج لوني، ما يمنح أعمالها حركة وموسيقى دافئة تنسجم مع المادة التراثية ومع المادة الواقعية ومع كل العناصر الفنية المكونة لأعمالها، بتقنيات تركب بين المنحى الجمالي والتعبير بأسلوب معاصر. فيتجلى حسها الفني في التوزيع اللوني الدقيق، والحركة والخيال، وفي التقاطعات، والوصل بين مختلف المفردات، التي تدبر بها الفضاء وتغازله وفق قدرتها العالية وتقنياتها المائزة وأسلوبها الفريد. وهي خاصيات بديعة في تجربتها التشكيلية الرائعة.
ولعل إرساء هذا الأسلوب وتثبيته على هذا النحو يحيل إلى معارف متنوعة، تروم التعبير العميق عما هو مخــــــزون في دواخلها من انفعالات وأحاسيس ذات رسالة معينة مليئة بالدلالات.
ناقد تشكيلي مغربي
محمد البندوري