سياسة وحب وأشياء أخرى: قراءة في معارض حلمي التوني وفاروق حسني وسمير فؤاد

القاهرة ـ «القدس العربي»: رغم الزخم التشكيلي الذي تزدحم به المعارض الفنية في القاهرة، والتباين الشديد بين الأعمال، والتي في أغلبها لا ينم عن رؤية جمالية أو أسلوب لافت، اللهم تكرارات أو افتعال لحالات فنية يمكن اكتشافها بسهولة، إلا أن كل حين تأتي بعض المعارض التي يتنفس من خلالها الفن التشكيلي المصري من جديد، وتصبح هذه التجارب إضافة إلى الفنان ومسيرته، وإضافة أكبر لحال التشكيل المصري. ومن خلال تزامن ثلاثة معارض تقام في القاهرة الآن لثلاثة فنانين كبار، نلحظ ما طرأ وطال تجاربهم، ومدى تحقق الرؤية الجمالية والأسلوب الفني الذي يميز كل فنان، من محاولة الحفاظ عليه وتطويره في الوقت نفسه. مصادفة التزامن خلقت حالة جديدة من التباين الجمالي لدى كل من الفنانين حلمي التوني، وفاروق حسني، وسمير فؤاد. حيث يمكن قراءة هذه الأعمال التي يتجاور ويتداخل فيها الحِس السياسي والذاتي، كذلك الحفاظ على ما كل ما هو موروث ومحاولة تأصيله من جهة، أو بث روح التجريب إلى أقصى حد من جهة أخرى.

سياسة وحب وأشياء أخرى: قراءة في معارض حلمي التوني وفاروق حسني وسمير فؤاد

[wpcc-script type=”4641a794b6e61f94def8391b-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: رغم الزخم التشكيلي الذي تزدحم به المعارض الفنية في القاهرة، والتباين الشديد بين الأعمال، والتي في أغلبها لا ينم عن رؤية جمالية أو أسلوب لافت، اللهم تكرارات أو افتعال لحالات فنية يمكن اكتشافها بسهولة، إلا أن كل حين تأتي بعض المعارض التي يتنفس من خلالها الفن التشكيلي المصري من جديد، وتصبح هذه التجارب إضافة إلى الفنان ومسيرته، وإضافة أكبر لحال التشكيل المصري. ومن خلال تزامن ثلاثة معارض تقام في القاهرة الآن لثلاثة فنانين كبار، نلحظ ما طرأ وطال تجاربهم، ومدى تحقق الرؤية الجمالية والأسلوب الفني الذي يميز كل فنان، من محاولة الحفاظ عليه وتطويره في الوقت نفسه. مصادفة التزامن خلقت حالة جديدة من التباين الجمالي لدى كل من الفنانين حلمي التوني، وفاروق حسني، وسمير فؤاد. حيث يمكن قراءة هذه الأعمال التي يتجاور ويتداخل فيها الحِس السياسي والذاتي، كذلك الحفاظ على ما كل ما هو موروث ومحاولة تأصيله من جهة، أو بث روح التجريب إلى أقصى حد من جهة أخرى.

«مساء» حلمي التوني

«عندما يأتي المساء» هو العنوان الذي اختاره الفنان حلمي التوني لمعرضه المقام حالياً في قاعة «بيكاسو» والذي يضم مجموعة من اللوحات التي تتصدرها المرأة، كعادة التوني وإصراره على الرؤية من خلال نساء جميلات، وألوان زاهية ومُبهجة. فالبطولة هنا للمرأة، وما الرجل إلا ظِل لها. «مساء» التوني هذه المرّة رغم البهجة والأضواء والتكوين الأنثوي وجماله، يبدو في حالة انتظار ــ يربط التوني دوماً بين أعماله والأغنيات، فالعنوان أغنية شهيرة لعبد الوهاب، وقد أضاف لوحة أخرى بها بعض من كلمات أغنية «عدّى النهار» التي غناها عبد الحليم حافظ في فترة عصيبة من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي. وما بين الأغنيتين تبدو اللوحات، نساء مسترخيات أو متأملات، ورغم حالة الانتظار هذه وقلقها الدائم، إلا أن الأمر لا يخلو من ابتسامة ثقة، أو ملمح من أمل هناك يقين في تحققه. يحافظ التوني على رموزه المعهودة، الأسماك، والهدهد على سبيل المثال، والجسد المتمثل في وضعية الجداريات الفرعونية. الإضافة الجديدة هنا هي التفاعل والتماس مع الوضع السياسي القائم الآن، ما بين لوحة تأتي كتحية إلى شهداء الكنيسة البطرسية، كذلك التعبير الساخر عن أراجوزات هذا الوقت، فالفلاحة المصرية وابتسامتها، تشير إلى ما يحدث، هنا التوني يجعل الخلفية السوداء في مقابل ألوان الفلاحة المُبهجة، وأعلام العهد الملكي تزيّن خلفية اللوحة من أعلى، ومن الجانبين تدخل يد حاملة دمى كل من شخصية عسكري ومهرج، واللوحة الأكثر وضوحاً، هي المرأة المصرية وقرطها القديم/مفتاح الحياة، لما يحمله من دلالة وقوة التاريخ المصري، وتحمل بيديها دمى الأراجوزات ــ كحكاية شعبية ــ وهما رجل العسكر ورجل الدين. هذا الانشغال في اللحظة الآنية وتداعياتها هو الملمح الأساسي لمعرض حلمي التوني الجديد، رغم وجود بعض اللوحات التي عُرضت في معارض سابقة، كما أن الفنان يسعى دوماً إلى بث الروح المصرية والاحتفاء بها، كما في لوحة تحمل تحية للفنان المصري محمود سعيد واستعادة شخصية من شخصيات لوحته الشهيرة «بنات بحري»، كذلك الاحتفاء بالحالة الحسية، كما في لوحة «تحية إلى غوغان» متمثلاً أسلوب وألوان غوغان، مع الكثير من التحوير الخاص بالتوني نفسه.

تكوينات فاروق حسني

أقام الفنان فاروق حسني معرضه الأخير في غاليري «أوبنتو» في القاهرة، ليضم عدة لوحات تتوافق وتستكمل مسيرته الفنية في عالم التجريد. اختار فاروق حسني الأصعب وأصر عليه، ومن خلال هذا المعرض نلحظ حالة من محاولة البهجة والالتجاء إلى الذاكرة اللونية والبصرية للفنان. المعرض ذاتي ونفسي في الأساس، وما بين الأخضر والأزرق والأصفر تتوالى اللوحات، وكأنها مقطوعة متكاملة عليك الإنصات إليها. هنا لا تنفك الشفرة بسهولة، وتبدو تكاملية العمل مرهونة بحِس المُتلقي وكيفية استقباله وتفاعله بصرياً وروحياً مع ما يراه. فقط خط ولون ليسيطر تكوين يوحي بالعديد من التساؤلات، فأصفر الصحراء على سبيل المثال يطغى ويحتل المساحة الأكبر، ويدفع أزرق البحر بعيداً، والأخير يقاوم في استماتة على الاحتفاظ بمكانه في اللوحة. كذلك مزج حسني ما بين الخطوط والشخوص، وهو ما لم يكن معهوداً في أعماله السابقة، شخص يحمل خطوطاً من ملامح فرعونية، ليصبح في لونه الأزرق كعلامة مسيطرة، أو هكذا يبدو، بينما خط أحمر عرض يخترق اللوحة من أعلى، به ما يُشبه المُدية، تقطع في حدة الخلفية الصفراء. هناك كذلك بعض من تداخل اللون الرمادي، أو أن يحتل الرمادي جزءاً كبيراً من اللوحة، وهي حالة من التيه أو الثبات الوهمي أو الجمود المنتظر لشيء ما أن يحدث. ورغم الصخب البادي في التكوينات البصرية، إلا أنها في الوقت نفسه توحي بهدوء نفسي كبير، خالقة حالة من التأمل للعمل وذات المتلقي على السواء.

«نداهة» سمير فؤاد

وأخيراً يأتي معرض الفنان سمير فؤاد، والمقام بقاعة «بيكاسو 2»، والذي عنونه بـ «النداهة» مُجسداً من خلال ما يقارب من عشرين لوحة لنساء مختلفات هذه الحالة الأسطورية في الوعي الجمعي المصري (النداهة) وما تحمله من معاني الغواية والإيهام، وما على الآخر/المتلقي إلا اتباعها كيفما تريد وتشاء. نساء سمير فؤاد مختلفات نفسياً واجتماعياً، وما الاحتفاء بأجسادهن إلا تمثلاً لهذه الحالات، هناك الجمال الخاص لكل شخصية من الشخصيات، تعرف كيف تظهره وتسيطر عليه، بحيث لا ينفصم عن وجودها. حزينات وعاشقات ومضطربات، سواء أتين في تكوين جسدي كامل، أو من خلال البورتريه. ورغم أن النداهة الأسطورية لها من امتلاك السحر الكثير، إلا أنها هنا في بعض اللوحات نستشعر وكأنها مسجونة داخل إطار اللوحة، ولا تستطيع تجاوزه، وكأن الإطار بدوره أصبح شرفة عالية، بالكاد تطل منها الشخصية برأسها. الحالة الأخرى اللافتة هي الحركة التي تتجسد في اللوحة، بأن تظهر الشخصية في حالتها النفسية الواضحة، دون حالة الثبات المعهود، وهو أسلوب معروف في الفن التشكيلي العالمي والمتمثل خاصة في أعمال البريطاني فرنسيس بيكون، لكن فؤاد هنا لا يشوّه شخصياته، بل يحتفظ بملامحها كما هي إلى حد كبير، فتصبح الحركة كاشفة لنفسيات وهواجس هذه الشخصيات، حتى أن الأمر ينقلب في النهاية، كمحاولة من المتلقي في إعادة تفسير الاسم الذي أطلقه فؤاد على معرضه، فأي إغواء هنا تتمثله النساء، فهن (مندوهات) بدورهن، وما أغواء أجسادهن إلا حيلة وتحايل على حالة أرواحهن القلقة والمضطربة، مهما بدا من ثبات الجسد أو ثقة نظرة العين، فهن في الأخير مَن يبحثن عن صوت أو يحاولن الفرار من قيود مفروضة، واتباع صوت أرواحهن.

سياسة وحب وأشياء أخرى: قراءة في معارض حلمي التوني وفاروق حسني وسمير فؤاد

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *