ضمن عروض سينما «زاوية» في القاهرة: «أنا الشعب» و«موج»… الثورة المصرية وأحوالها بعيداً عن ميدان التحرير
[wpcc-script type=”10e78ffd0909c84b6afe70b0-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: ستظل ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011 هي الحدث الأهم في تاريخ المصريين، ورغم افتعال كل أساليب التناسي، من سلطة سياسية وإعلام يسير وفق هواها، إلا أن الثورة أصبحت هي المعيار الذي يمكن من خلاله النظر إلى الأشياء والأحداث حولنا. فلم يعد الأمر يتمثل في تنظيرات الكتب والصحف، بل تحوّل إلى فعل ووقائع، والأهم حالة الوعي التي عادت إلى فئات كثيرة من الشعب المصري. وتأتي بعض الأعمال السينمائية التي تتناول هذا الحدث، حسب وجهة نظرها، وفي شيء من التوثيق، لنرى تأثير ما حدث من خلال صانع الفيلم أو الشخصية التي أتيح لها الحديث أمام الكاميرا. وضمن عروض سينما «زاوية» في القاهرة، تم عرض كل من فيلمي «أنا الشعب» للمخرجة الفرنسية آنا روسيون و«موج» للمصري أحمد نور. وكل منهما يستعرض الثورة وتأثيرها بعيداً عن ميدان التحرير وصوره المعهودة. الحكاية هنا لفلاح من جنوب مصر/مدينة الأقصر، وشاب من مدينة السويس، لتبدو انعكاسات الأحداث من خلالهما، بداية من اشتعال الثورة وتنحي مبارك ومحاكمته الهزلية، ووصول محمد مرسي إلى الحكم، ثم عزله وحدوث ما سُمي بـ 30 حزيران/يونيو.
الفلاح المصري
فرّاج فلاح مصري يعيش في أقصى الجنوب (مدينة الأقصر السياحية) ومن خلاله نرى أحداث ووقائع ثورة يناير ونتائجها. وما بين انشغالاته اليومية هو وأسرته، من زراعة الأرض وما شابه من هذه الأعمال، وبين موقفه من الثورة، والآراء المتباينة بينه وبين جيرانه، تتمثل مواقف هذا الرجل بوعي حاد، دون تفلسف أو الإيحاء بشيء من الادعاء.
عن ماذا يبحث الرجل؟
يعلم فرّاج جيداً أننا في أولى خطوات الديمقراطية ــ يقرأ الصحف ويُشاهد البرامج السياسية ــ يُشير إلى المخلوع في القفص، ويردد آيات قرآنية عن العِزة والذلل. ويرى أن مدينته السياحية ستصوّت إلى أحمد شفيق لأنها لا تثق في رئيس إخواني، قد تضر مواقفه بالسياحة وقطع عيشهم. ولكن الآخر يعتبر (رئيسا مدنيا)، وهو الأول في تاريخ مصر، فالعساكر في كل مكان، المحافظون ورؤساء الأحياء، و … و … في كل مكان. وحسب هذه الرؤية يفرح الرجل لفوز محمد مرسي، ويُشير إلى أنه (رئيس مدني). لم ينتم فرّاج إلى الإخوان أو أي تنظيمات سياسية، وكان يضحك لتعليقات بعض جيرانه بأنه من الإخوان لتأييده مرسي مثلا، وعندما سار مرسي في مساراته المظلمة، ينتهي الفيلم بفراج وهو يحمل ابنه الطفل فوق كتفه لإسقاط مرسي، ويهتف … مصر. فالرجل لم يبحث عن شخص، ولكن عن موقف ديمقراطي، فإن أخل الرئيس بتعهداته وجب إسقاطه، فلم نزل نتعلم ولم يزل الطريق أمامنا.
الرؤية الإخراجية
تركت روسيون في «أنا الشعب» لشخصيتها حرية الحديث عن السياسة والحياة، وحاولت قدر الإمكان أن تتوازن هذه الحياة ومفرداتها مع الحدث السياسي، دون إقحام في معظم أحداث الفيلم. كذلك أتاحت للمرأة أن تتحدث، سواء زوجة فرّاج، قليلة الكلام، وتعليقها بأن ما يحدث لن يؤثر على حياتها وحياة الآخرين. والمرأة صادقة في قولها، وهي المنشغلة بالبيت والأطفال، ويتهمها زوجها قائلاً «خليكي كده ست عايشة ع الهامش». لكن نموذجا آخر تستعين به المخرجة، وهي «باتعة» فلاحة وترعى بعض الأغنام، تجلس أمام الكاميرا وكأنها ستلقي خطبة، وتفتعل العبارات والتعبيرات، على أن الحال أسوأ، وماذا فعلت لنا الثورة. الوحيدة التي كانت تبدو وكأنها تمثل أمام الكاميرا، والوحيدة التي تتكلف في الحديث، وتحد كثيراً من الإيقاع العام للفيلم.
كذلك جاءت بعض اللقطات في شكل مصنوع ومُفتعل، لتحقيق صورة جمالية، وهنا ابتعدت المخرجة عن العفوية المُنظمة، التي انتهجتها طوال الفيلم، المتمثلة في بيت فرّاج، ومشاهدة التلفزيون ولعب الأطفال، وإصلاح ماكينة الري. بخلاف الاصطناع في جلسة الفلاحات في الحقل، ورصهن على الخط نفسه، من امرأة تتصدر الكادر، وأخرى تجلس على بُعد مسافة خلفها.
مدينة الغربان
هكذا يطلق أحمد نور في فيلمه «موج» على مدينة السويس، والتي تسمى لكثرة الغربان فيها بـ (مدينة الغربان). الغربان التي كانت صديقته أيام الطفولة، والتي تم التخلص منها في مجزرة حكومية، فهجر المُتبقي منها المدينة، ولم يزل يقف على أبوابها يخشى تكرار التجربة. والغراب هنا ليس في مفهومه المعهود عن الشؤم وهذه الأساطير والأقايل وهمية المصدر، بل طائر جميل كباقي الطيور. ويذكر الفيلم أن هناك نبوءة سمعها مبارك المخلوع، بأن نهايته ستكون في مدينة الغربان، فظل طوال فترة حكمه بعيداً عنها ولم يدخلها.
«موج»
بين العودة إلى العدوان الثلاثي 1956 وعمليات التهجير، وأول حفيدة لأسرة المخرج ومؤلف الفيلم، التي جاءت مع ثورة يناير، وصولاً إلى اسم الفيلم، والذي كان الاسم المستعار لوالدة المخرج، في الخطابات التي كان يرسلها والده إليها أيام شبابه. وتأتي فصول الفيلم في كلمات مُستمدة من البحر وعالمه/عالم المدينة … موجة من العمق، الدوامة، مد، جزر، الموجة الأخيرة. وما بين هواجس المخرج والفارق بينه وبين جيل المقاومة القديم، المتمثل في «الكابتن غزالي» رجل المقاومة الأشهر في السويس، وبين أحداث الثورة المصرية، وسقوط أول شهيد فيها من أهل المدينة، والتأريخ لبيت الرعب المُسمى بـ «قسم الأربعين»، الذي شهد حالات كثيرة من قتل وتعذيب المواطنين، هذا المبنى الذي أقيم في العام 1935 كدارا للأيتام، ثم تحول إلى قسم للشرطة في الخمسينيات من القرن الفائت، وكيف تم إحراقه تماماً في أحداث الثورة، وتسليم ضباطه، دون التعرّض لهم، هؤلاء الذين شملهم القضاء بأحكام البراءة، وذهب دم الشهداء، كما ذهب دم الغربان من قبل.
الرؤية الإخراجية
لا يخلو الفيلم من طموح واضح في تقنيات تنفيذه، من لقطات الغرافيك، التي لم تنفصل عن خط السرد الفيلمي، وأصبحت أكثر دلالة وقوة من اللقطات الحيّة التي استشهد بها الفيلم، سواء حال أهالي مدينة السويس، التي من المفترض أن تصبح أغنى محافظات مصر، مقارنة بعدد سكانها ونسبة الدخل العام للمدينة، أو حديث أهالي الشهداء، ووصفهم المسهب لحد الملل، والغارق في التكرارات والعبارات المعهودة. اعتمد الفيلم في معظمه التعليق الصوتي، الشارح والمعلق على الأحداث من جانب صانع العمل، ويبدو الكثير من الاصطناع والتصنع في ما يُقال ويٌسرد، وما الشخصيات الأخرى سوى أدوات يتم استخدامها لتحقيق الفيلم. بخلاف حال التفلسف الركيك على طول الخط، التي تشبه حالة هواجس أصحاب مشروعات التخرّج في معاهد ومراكز الدراسات السينمائية.
الثورة ومآلاتها
التساؤل الذي يدور بعد مشاهدة الفيلمين، رغم اختلافهما في تناول الثورة بعيداً عن ميدان التحرير، ومحاولة حصر الثورة المصرية في هذا المكان، وهو أمر يُحسب لهما. كيف نستقبل هذه الأعمال الآن؟ وكيف يمكننا إعادة التفكير في كل ما مرّت به الثورة من أحداث؟ حالة متضاربة من بعض التهكم على بعض المواقف والآراء، والكثير من الأسى، مقارنة بما نعيشه الآن، بين ما كنا نأمل، وما هو كائن بالفعل. ورغم ذلك تبدو بعض من ثقة ــ مهما طال الأمر ــ في أن 25 يناير 2011 ما هي إلا موجة أولى من موجات مسار ثوري، يحاول تدارك الأخطاء، ومواجهة نفسه قبل أي شيء.
محمد عبد الرحيم